المجالس القروية تتسيّد المشهد في سوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد يخيل للمرء أن الشعب السوري محكوم عليه بالاختيار بين الرئيس السوري بشار الأسد من جهة والمقاتلين من جهة أخرى، إلا أن الخيار الحقيقي الذي يناضل السوريون من أجله هو بين النظام الاستبدادي العنيف من ناحية والديمقراطية على مستوى الجذور من ناحية أخرى.

وقد كشفت المقابلات مع كل من الناشطين والمقاتلين واللاجئين عن أن الخيار الديمقراطي قائم وحقيقي، على الرغم من أنه محاصر. ويشكل استمرار الحياة في المناطق المحررة الخاضعة للقصف الكثيف، تلك المناطق المستقلة عن نظام الأسد وقوات «داعش»، دليلاً على التنظيم الذاتي الذي تطبقه المجالس المحلية، وتؤمن من خلاله الخدمات والمساعدات.

ويتم انتخاب المجالس المحلية بشكل ديمقراطي، حيث يتاح ذلك في انتخابات حرة هي الأولى منذ نصف قرن من الزمن. وكان عمر عزيز رجل الاقتصاد السوري الثائر على السلطة قد شكل نواة هذه الخطوة، حيث دعا في صحيفة أسسها إلى تشكيل مجالس يتمكن فيها المواطنون من تنظيم أمورهم بمعزل عن الدولة. وساعد عزيز على إنشاء أولى المجالس في أحياء دمشق. وقد توفي حين اعتقله النظام عام 2013 قبل شهر من بلوغه عامه السادس والأربعين، إلا أن المجالس في حينها كانت قد انتشرت في كل أنحاء سوريا.

وتؤدي المجالس في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام عملها سراً، أما في المناطق المحررة فيحظى للناس بحرية الاجتماع. وتعتبر تلك تجارب جريئة لكنها هشة تعيق استمرارها الفئوية الحزبية، ويطيح ببعضها المقاتلون المتطرفون.

وتشكل المجالس في بعض المناطق مؤشراً على تقسيم سوريا أكثر مما تشير إلى بداية جديدة. وقد وصفها كريستوف رويتر بـ«ثورة المحليين» حين تحدث عن «الجمهوريات القروية» مثل تلك التي في كورين بمحافظة إدلب، التي تضم محكمة خاصة بها ومجلسا مؤلفاً من 10 أعضاء.

ووضع عزيز تصوراً لمجالس تصل بين الناس إقليمياً وعلى المستوى القومي، وهناك مجالس ديمقراطية للمحافظات تعمل في المناطق المحررة في كل من حلب وإدلب ودرعا. ولم يسمح في منطقة الغوطة القريبة من دمشق لقادة الميليشيات الترشح، خلافاً للمقاتلين الذين ترشحوا دون أن يفوزوا بأي من المقاعد التي اقتصرت على المدنيين.

ويعتبر أعضاء المجالس المنتخبة الممثلين الوحيدين لسوريا، الذين يجب أن يشكلوا المكون الأساسي لأي تسوية جدية. ويمكن للديمقراطية المحلية دون سواها، في مرحلة ما بعد الأسد، أن تسمح بتعايش المجتمعات على اختلاف استقطاباتها تحت المظلة السورية الجامعة.

وتستحق تلك المجالس الحماية، حيث تحاول جاهدةً تقديم الخدمات للمدارس والمستشفيات والمخابز والمجمعات السكنية التي تتعرض لقصف الأسد.

لقد أثبت الاجتياح الأميركي للعراق، أن أبناء الشعب هم القادرون على بناء المؤسسات الديمقراطية. وها هم السوريون اليوم يمارسون تلك الديمقراطية ويبنون مؤسساتهم الخاصة في ظل أصعب الظروف. ولا تتناسب مساعيهم مع رواية الأسد أو «داعش» السهلة، وهذا ما يتعين علينا التكرّم بإدراكه.

ناشطون

يندرج بعض أفراد المجالس المنتخبة في إطار التشكيلات الديمقراطية الأساسية للثورة، ويتوزعون بين ناشطين مسؤولين في المقام الأول عن تنظيم الاحتجاجات والدعاية، وقيّمين على تأمين المساعدات والدواء. ويمثل الأعضاء الآخرون أفراد عائلات وقبائل بارزة، أو محترفون يتم اختيارهم لأداء مهمات عملية محددة.

Email