حاخامات يرون في الحرم الإبراهيمي مخرجاً للمأزق التوراتي

اسرائيل تترنح في حرب الرموز الدينية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لمشاهدة الجرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا

تبدو انتفاضة السكاكين في فلسطين المحتلة ، تعبيراً عميقاً، عن الصراع بخصوص مدينة القدس عموماً، ومنطقة الحرم القدسي الشريف حصراً، وهو الحرم الذي يسمى هكذا مجازاً قياساً بحرمي مكة والمدينة، وهي الانتفاضة التي ادت الى تراجع اسرائيل عن تهديداتها للحرم القدسي.

صراع المشروعين العربي والاسرائيلي في القدس، عنوان مكثف للمواجهة الدائرة، بخصوص الحرم القدسي الشريف، الذي تريد إسرائيل احتلاله كاملاً، أو تقسيمه في الحد الأدنى من أجل إقامة «هيكل سليمان»، ولكل مشروع رمزه الديني، الاقصى القائم، وهيكل سليمان المزعوم.

برغم مرور أكثر من ستين عاماً على الاحتلال، إلا أن المشروع الإسرائيلي، لا يزال ناقصاً، من دون إقامة هيكل سليمان، وهذا رأي يتشارك به المتدينون اليهود، والعلمانيون ولكل واحد منهما أسبابه واعتباراته المختلفة، والمتطابقة من حيث النتيجة.

لكن ماذا لو لم تتمكن إسرائيل من إقامة هيكل سليمان، هل يمكن هنا أن نقول إن مشروع إسرائيل جاء ناقصاً، أم انه لم يكتمل، وهل إسرائيل «ممكنة» من دون هيكل سليمان، وإذا كانت ممكنة في غيابه فكم يتبقى من مشروعها من حيث الديمومة والعمر والمشروعية المباعة للإسرائيليين، لتبرير وجودهم واحتلالهم.

مساحة الحرم القدسي الشريف التي تمتد 144 دونما، والمسماة كلها «الأقصى» تضم المسجد القبلي ذا القبة الزرقاء، ومسجد قبة الصخرة ذا القبة الذهبية، بالإضافة إلى المسجد الأقصى القديم الواقع تحت المسجد القبلي.

تريد إسرائيل هدم كل هذه المباني، أو على الأقل هدم قبة الصخرة حصراً لإقامة هيكل سليمان مكانه، وتوطئة لذلك بدأت بمشروع التقاسم الزمني، للوصول إلى التقاسم المكاني، فيما تتزايد قوة تيار بين الحاخامات يريد اعتماد الحرم الابراهيمي في الخليل حيث مقامات الانبياء، بديلا نهائيا عن الاقصى، الذي باتت كلفة الاقتراب منه غير محتملة.

عبر هذه القراءة نحاول قراءة المستقبل، بشأن المسجد الأقصى، وإذا ما كانت إسرائيل سوف تفشل نهاية بإقامة هيكل سليمان، وما الذي يعنيه ذلك على مسمى الدولة اليهودية تكويناً وإشارة ودلالة، وهل ستهرب اسرائيل من الفشل نحو اعتماد الحرم الابراهيمي بديلا نهائيا ورمزا دينيا بديلا عن هيكل سليمان؟!.

جذر ديني

يعد المسجد الأقصى أحد أكبر مساجد العالم مساحة ومن أكثرها قدسيةً للمسلمين، وهو أولى القبلتين في الإسلام، ويقع داخل البلدة القديمة بالقدس في فلسطين، وهو المنطقة المحاطة بالسور وهو اسم لكل ما هو داخل سور المسجد الأقصى الواقع في أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية من البلدة القديمة المسوّرة.

يعد المسجد الأقصى ثاني مسجد وضع في الأرض، فعن أبي ذر الغفاري،، قال : قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال:«المسجد الحرام»، قال: قلت ثم أي؟ قال:«المسجد الأقصى»، قلت: كم كان بينهما؟ قال:«أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة فصل، فإن الفضل فيه». البخاري، ويعد المسجد الأقصى أولى القبلتين، حيث كان رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ يصلي نحو الأقصى قبل أن يتم تغيير القبلة إلى مكة المكرمة.

الصلاة في المسجد الأقصى ثواب يعادل خمسمئة صلاة في غيره من المساجد، قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ : «الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة».

مصلى عمر

حينما فتح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ بيت المقدس - سنة 15هـ - فبنى المصلى في ساحات المسجد الأقصى، ويُجْمِع أهل السير وجمهور المؤرخين أن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ أقام مسجداً متواضعاً وصغيراً محاذياً لسور المسجد الأقصى من جهة القبلة، أقامه من عروق خشبية، وحدد عمر مكان المصلى ليكون في صدر المسجد الأقصى.

صدام بين مشروعين

في فلسطين صدام حاد بين مشروعين، المشروع العربي من اجل دولة فلسطينية حرة وكاملة وحياة كريمة للشعب الفلسطيني ومشروع الاحتلال الذي يريد تهويد كل فلسطين.

بعد عقود من الاحتلال يبدو واضحا ان المشروع الصهيوني يتعثر بشدة، اذ مازالت القدس بذات رمزها اي المسجد الاقصى، ملايين الفلسطينيين يقيمون في فلسطين، والمواجهات الدموية تنطلق كل مرة في وجه تحرشات اسرائيل ومحاولات تقسيم الحرم القدسي، وبرغم كل الاخفاقات، الا ان الشعب الفلسطيني مازال يقف حجر عثرة في وجه المشروع الاسرائيلي، الذي لاتؤشر اوضاعه على استقرار او ديمومة.

ارتداد سياسي

تبدو الاماكن المقدسة هنا تعبيرا عن صراع سياسي ايضا، فالشعب الفلسطيني والعرب والمسلمون يعتبرون فلسطين عربية وعاصمتها القدس برموزها الاسلامية والمسيحية، فيما الاحتلال يريد فلسطين دولة يهودية برموز دينية يهودية، ولهذا فأن فشل اسرائيل في محو الرموز الاسلامية في القدس، يعني فشلا سياسيا ذريعا في تقديم صورة الدولة اليهودية النقية، ويعد تعثرا كبيرا جدا على مستوى المشروع الصهيوني، وبرغم ان الدولة الفلسطينية لم تقم حتى الان، الا ان الفلسطينيون استطاعوا بعد اكثر من ستين عاما من الاحتلال، الحفاظ على عروبة المدينة عبر رمزها الاقصى، الذي مازال سالما حتى الان.

افتراءات يهودية

في المقابل تأسس المشروع الإسرائيلي على فكرة «الدولة اليهودية» منذ اليوم الأول، فهي دولة احتلال سكانها من اليهود فقط، وعاصمتها القدس، المسماة إسرائيلياً اورشليم، ورمزها هيكل سليمان، الذي يتوجب أن يكون مقره في ذات الحرم القدسي الشريف، الذي يسمى إسرائيلياً جبل الهيكل.

هناك قراءات عميقة متعددة تقول إن كل الفكرة مزيفة، لأن اليهود لم يعيشوا أصلاً في مدينة القدس، التي تشهد حفرياتها الأثرية اكتشاف آثار منذ آلاف السنين لكل الحضارات والأديان باستثناء اليهود، ويشكك عالم الآثار الإسرائيلي فلنكشتاين والذي يعمل في جامعة تل أبيب والمعروف بأبي الآثار في علاقة الإسرائيليين بالقدس وينفي وجود أي صلة لليهود بها، وأكد أن علماء الآثار اليهود لم يعثروا على شواهد تاريخية أو أثرية تدعم بعض القصص الواردة في التوراة بما في ذلك انتصار يوشع بين نون على كنعان، وأكد عالم الآثار أن التوراة تقول إن اليهود حكموا إمبراطورية تمتد حتى نهر الفرات، رغم عدم وجود أي شاهد أثري على أن هذه المملكة المتحدة المترامية الأطراف قد وجدت بالفعل في يوم من الأيام. حرب الهيكل

إسرائيل تواصل معاندة الخط الذي ينفي وجود هيكل سليمان أو معبد القدس حسب التسمية اليهودية المعروف باسم الهيكل الأول، وفقاً للكتاب المقدس، وهو المعبد اليهودي الأول في القدس الذي بناه الملك سليمان.

تخوض إسرائيل هذه الحرب، لأنها تريد أن تصل إلى الــذروة، أي بناء الهيكل الثالث، ومن دون هذه الذروة يبدو المشروع الإسرائيلي فاقداً لمشروعيته عند اليهود، تحديداً، خصوصاً، أن كل البناء السياسي للاحتلال قائم على اصل ديني توراتي.

من تحليل المصادر الإسرائيلية فهي تزعم أن المعبد يقع موقِعُهُ داخل الحَرَّم القُدسي الشريف أو بجواره، أما الحاخامات اليهود فيقبل أكثريتهم هذا الافتراض ويعتبرون الحرم القدسي الشريف محظوراً على اليهود لقدسيته، إذ لا يمكن لهم أداء طقوس الطهارة المفروضة على اليهود قبل الدخول في مكان الهيكل حسب الشريعة اليهودية.

مع ذلك، يوجد عدد من الحاخامات الذين يسمح لهم بزيارة الحرم القدسي، وكذلك يزوره يهود علمانيون، ووفقاً للرواية الإسرائيلية، شيد المعبد تحت ملك نبي الله سليمان، الملقب بملك إسرائيل. ومن شأن ذلك أن تاريخ بنائه يعود إلى القرن 10 قبل الميلاد.

كما تم بناء الهيكل الثاني في الموقع نفسه في 516 قبل الميلاد، الذي تم توسيعه بشكل كبير في 19 قبل الميلاد ودمرت في نهاية المطاف من قبل الرومان في 70 م. بنيت قبة الصخرة على الموقع في 691 م.

عاصمة يهودية رمزها إسلامي

يرى مراقبون أن أشد ما يثير غضب العلمانيين الإسرائيليين بشأن القدس، لا يتعلق بالحرم القدسي الشريف من ناحية الرغبة فقط بهدمه كلياً أو تقاسمه، بل لأن إشهار القدس عاصمة لإسرائيل يتناقض تماماً مع الصورة الفوتوغرافية والتلفزيونية، وتلك المشاهدات التي يراها الزائرون، والتي تقول إن هذه عاصمة يهودية رمزها إسلامي، أي الحرم القدسي الشريف، بمسجديه قبة الصخرة والمسجد القبلي، وهذا يتنافى مع كل الدعاية الصهيوينة حول ان القدس عاصمة إسرائيل، فكيف تكون عاصمة لإسرائيل ولا رمز كبير فيها له دلالة يهودية.

يتـــقاطع العلمانيون هــنا مع المتدينين، من هذه الزاوية فقط، فهم لا يأبهون كثيراً لإقامة هيكل سليمان لو لم يكن المسجد الأقصــــى طاغياً برمزيته على الصورة في العاصمة التي يعلنها الاحتلال، ومايهم العلمانيون هو الترميز السياسي للدولة اليهودية عبر البوابة الدينية.

يرى خبراء ان كل القراءات الإسرائيلية لملف المسجد الأقصى تقول ان إمكانية تقاسمه طوعاً أو قهراً غير ممكنة بل مستحيلة وكفيلة بتفجير حرب شاملة داخل فلسطين ومع شعوب الجوار.هل يعني هذا أن إسرائيل ستتنازل عن رمزها المفقود والمدعى، أي هيكل سليمان، وتكون إسرائيل ناقصة وبلا هيكل؟!.

يرى بالمقابل تيار كبيرمن الحاخامات الذين حرموا قبل ايام دخول الاقصى ان الحل يكمن في استبدال الحرم القدسي الشريف، بالحرم الابراهيمي، في الخليل حيث مغارة الانبياء الذين يرقدون في اضرحة داخل المسجد، حيث تتقاسم اسرائيل الحرم الابراهيمي زمنيا ومكانيا، وقد تندفع بأتجاه تهويده كليا بأعتباره البديل المتاح عن مشروع هيكل سليمان الذي فشل بعد سبعة وستين عاما من الاحتلال.

قسمة افقية

حاولت إسرائيل في وقت سابق أن تعرض التقاسم، على أساس أن يأخذ المسلمون ما فوق الأقصى، أي المسجد وأن يأخذ اليهود ما تحت الأرض، اي المصلى المرواني.

يقع المصلى المرواني تحت ساحات المسجد الأقصى المبارك الجنوبية الشرقية، ويتحد حائطاه الجنوبي والشرقي مع حائطي المسجد الأقصى المبارك، وهما كذلك حائطا سور البلدة القديمة في مدينة القدس المحتلة، وعرف هذا الجزء من المسجد الأقصى المبارك قديماً بالتسوية الشرقية، إذ بناه الأمويون أصلاً كتسوية معمارية لهضبة بيت المقدس الأصلية المنحدرة جهة الجنوب حتى يتسنى البناء فوق قسمها الجنوبي الأقرب إلى القبلة على أرضية مستوية وأساسات متينة ترتفع الى مستوى القسم الشمالي.يضم المصلى 16 رواقاً حجرياً قائماً على دعامات حجرية قوية، ويمتد على مساحة تبلغ نحو أربعة دونمات ونصف (الدونم = ألف متر مربع)، حيث يعد أكبر مساحة مسقوفة في المسجد الأقصى المبارك حالياً، ويمكن الوصول إليه من خلال سلم حجري يقع شمال شرق الجامع القِبْلي، أو من خلال بواباته الشمالية الضخمة المتعامدة على السور الشرقي للمسجد الأقصى المبارك، والتي تم الكشف عنها مؤخراً.

خلال فترة الاحتلال الصليبي للقدس، حوله المحتلون إلى إسطبل لخيلهم، ومخزنٍ للذخيرة، وأسموه «اسطبلات سليمان». ولا يزال بالإمكان رؤية الحلقات التي حفروها في أعمدة هذا المصلى العريق لربط خيولهم. وبعد تحرير بيت المقدس، أعاد صلاح الدين الأيوبي تطهيره وإغلاقه.

وظل المصلى المرواني مغلقاً سنوات طويلة، نظراً لاتساع ساحات الأقصى العلويّة، وقلة عدد شادّي الرحال إلى المسجد المبارك. ثم أعادت مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات ولجنة التراث الإسلامي ببيت المقدس تأهيله، وفتحه للصلاة، في نوفمبر 1996م -1417هـ، وذلك بهدف حمايته من مخطط كان يهدف إلى تمكين اليهود من الصلاة فيه، ومن ثم الاستيلاء عليه، حيث أقاموا درجاً يقود إليه عبر الباب الثلاثي المغلق في الجدار الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك.

100 حاخام

تحت وطأة انتفاضة السكاكين التي انفجرت ردا على تهديدات اسرائيل للمسجد الاقصى اصدر 100 حاخام اسرائيلي بمن فيهم حاخام اسرائيل الاكبر فتوى تمنع اليهود من دخول الحرم القدسي.

ويبدو واضحا ان المشروع الاسرائيلي لتهويد الحرم القدسي يفشل كل مرة تحت وطأة الغضب الفلسطيني والعربي والاسلامي، وبحيث يبقى المشروع الاسرائيلي ناقصا وخداجا. يقول محللون ان كل القراءات للداخل الفلسطيني تؤشر على ان كل محاولة اقتراب اسرائيلية من الاقصى تؤدي الى انفجار الغضب باشكال مختلفة، كان آخرها انتفاضة السكاكين في فلسطين المحتلة. قيل في القدس ان من يحكمها يحكم العالم، والصراع عليها، تعبير عن صراع ممتد وكبير على مستوى العالم.

المسجد الأقصى القديم

يقع المسجد الأقصى القديم أسفل الرواق الأوسط للمسجد القبلي وهو يمتد بشكل طولي من الشمال إلى الجنوب، ويمكن الوصول إليه عن طريق درج حجري مؤلف من ثماني عشرة درجة ويقع هذا الدرج أمام للرواق المتقدم للمصلى القبلي ويؤدي إلى باب يقود إلى المسجد الأقصى القديم وينتهي الأقصى القديم بباب يعرف في الكتابات العربية باسم باب النبي، وفي الكتابات الغربية باسم الباب المزدوج. وهناك انحدار داخل مبنى الأقصى القديم وذلك بسبب جغرافية موقع الأقصى المبارك والمبنى عبارة عن قبو برميلي مقام على ثلاثة صفوف من العقود النصف دائرية الممتدة من الشمال إلى الجنوب ويتكون من رواقين محاطين بالأعمدة الحجرية الضخمة.

وكان الأقصى القديم يخدم كممر لخلفاء بني أمية يصل إلى قصورهم الواقعة عند باب النبي في المسجد القبلي أي جنوب سور المسجد الأقصى وقد عمره الأمويون.

مملكة بيت المقدس

حكم الغرب مدينة القدس، عبر ما يسمى الحملات الصليبية وهي مملكة كاثوليكية أنشأت في بلاد الشام في عام 1099 بعد الحملة الصليبية الأولى، وشكلّت أكبر ممالك الصليبيين في الشرق وقاعدة عملياتهم، واستمرت في الوجود زهاء قرنين من الزمن، حتى تمّ فتح جميع أراضيها في عثليث وعكا من قبل المماليك عام 1291.

مع بدايتها، كانت المملكة عبارة عن مجموعة من البلدات والقرى التي فتحت خلال الحملة الصليبية الأولى، ثم توسع حجمها وبلغت ذروة نموها في منتصف القرن الثاني عشر؛ حدود المملكة شملت ما يقرب في العصر الحديث جميع أراضي فلسطين التاريخية إضافة إلى لبنان وأجزاء من الأردن وسوريا وسيناء، فضلاً عن محاولات لتوسيع المملكة نحو مصر التي كانت حينذاك تحت قيادة الخلافة الفاطمية؛ وكانت المملكة في حالة تحالف مع الممالك الصليبية الأخرى في المشرق.

Email