هزيمة الإرهاب في منابعه تقتضي نهجاً يجمع بين الصرامة والذكاء

التطرّف يهدّد الجميع على امتداد العالم

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الاستقرار والأمن وراحة البال المتأتية من القدرة على تحصيل وظيفة مناسبة لإعالة أسرتك، في بلد تشعر بأن مستقبله جيد، وأن الناس يُعاملون فيه بمساواة إلى حد ما، هو باختصار، ما يريده الناس في بريطانيا، وهو ما تكرس الحكومة التي أتولى رئاستها نفسها لتوفيره.

وفي بريطانيا، يجب أن تكون الأولوية لاقتصادنا، وأمننا ومستقبلنا.

فبعد فترة من الركود العميق والمدمر، ومشاركتنا في صراعات طويلة وصعبة في العراق وأفغانستان، ليس من المستغرب أن يقول لي كثير من الناس عند رؤية المآسي التي تتكشف على قنواتنا التلفزيونية: «نعم، دعونا نرسل المساعدات، ولكن دعونا لا نتورط عسكريا كما فعلنا سابقا».

ضريبة الراحة

أوافق على القول بأن علينا تجنب إرسال الجيوش للقتال أو للاحتلال، ولكن علينا إدراك أن المستقبل المشرق الذي نتوق إليه يتطلب وضع خطة طويلة الأجل لضمان أمننا، واقتصادنا على حد سواء. وسيتم تحقيق الأمن الحقيقي فقط عندما نستخدم كل مواردنا، من مساعدات، ودبلوماسية، وقوتنا العسكرية، للمساعدة في تحقيق عالم أكثر استقرارا.

اليوم، وبالنظر إلى أن كل أمة أصبحت مرتبطة بالأخرى، لا يمكننا غض الطرف، وافتراض أنه لن يكون لتدخلنا تكلفة معينة.

فإنشاء الخلافة المتطرفة في قلب العراق وتمددها إلى سوريا ليست مشكلة بعيدة بعض الأميال عن موطننا، ولا هي بالمشكلة التي كان يجب حلها بحرب يُخطط لها قبل عشرة أعوام، وإنما هي مناط اهتمامنا حاليا.

وإذا لم نتحرك لوقف هجمة هذه الحركة الإرهابية الخطرة للغاية، فستنمو وتعزز نفسها حتى يصبح بمقدورها استهدافنا في شوارع بريطانيا.

نعلم أن للحركة نية إجرامية. وفي الحقيقة فإن أول تنظيم من نوعه، مثل تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام «داعش»، دفع آخرين لتنفيذ أعمال إرهابية في القارة الأوروبية، وهذا ما تم بالفعل. وإحدى أولوياتنا بالطبع التعامل مع الأزمة الإنسانية الخطيرة في العراق.

يجب أن نكون فخورين بالدور الذي لعبته قواتنا المسلحة وعمال الإغاثة في الميدان الدولي. وخاطر البريطانيون بحياتهم لتوفير 80 طنا من الإمدادات الحيوية إلى اليزيديين المحاصرين في جبل سنجار.

جهود أوسع

صحيح أننا نستخدم برنامج مساعداتنا للاستجابة الريعة لمثل هذا الوضع، حيث قدمت بريطانيا 79.6 مليون دولار أميركي لدعم جهود الاغاثة. وساعدنا أيضا في التخطيط لعملية انقاذ دولية مُفصلة، ولازلنا مرنين، وعلى استعداد للاستجابة للتحديات الجارية في مدينة دهوك وما حولها، والتي ازداد عدد سكانها بنحو 450 ألف نسمة، أي بنسبة 50%.

ولكن الاستجابة الإنسانية وحدها لا تكفي. نحتاج أيضا لاستجابة سياسية أوسع ودبلوماسية وأمنية. ولتحقيق ذلك، يتحتم علينا فهم حقيقة طبيعة التهديد الذي نواجهه.

يجب أن نكون واضحين: هذه ليست «حربا على الإرهاب»، وليست حرب أديان، إنها نضال من أجل إحلال الأخلاق والتسامح والاعتدال في عالمنا المعاصر، إنها معركة ضد أيديولوجيا سامة مدانة من كل الأديان ورجال الدين، سواء كانوا مسيحيين أو يهودا أو مسلمين.

وغالبا ما يُمول هؤلاء المتطرفين عبر متعصبين يعيشون بعيدا عن ساحات القتال، يحرفون العقيدة الإسلامية كوسيلة لتبرير أيديولوجيتهم المشوهة والهمجية، ولا يفعلون ذلك في العراق وسوريا فقط، وإنما في جميع أنحاء العالم، ويتمثلون في بوكو حرام وطالبان والقاعدة. ولذلك فإن هذا التهديد لا يمكن إزالته عن طريق الضربات الجوية وحدها.

نحتاج إلى نهج صارم، وذكي وطويل الأجل يمكنه هزيمة التهديد الإرهابي في عقر داره. ونحتاج أولا، للاستجابة الأمنية الحازمة، سواء كان ذلك عبر عمل عسكري لملاحقة الإرهابيين، وتعاون دولي في مجال الاستخبارات ومكافحة الإرهاب، أو عمل لا هوادة فيه ضد الإرهابيين في أماكن تواجدهم. وأخيرا، اتفقنا مع شركائنا الأوروبيين على توفير معدات مباشرة إلى القوات الكردية.

ونحن الآن بصدد تحديد ما يمكننا تقديمه بدءا من الدروع البشرية وصولاً إلى معدات مكافحة المتفجرات المتخصصة. وحصلنا أيضا قرارا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لتعطيل التدفقات المالية إلى تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام «داعش»، ومعاقبة أولئك الذين يسعون للتجنيد له، وتشجيع البلدان لبذل كل ما في وسعها لمنع المقاتلين الأجانب من الانضمام إلى هذا الهدف المتطرف.

تهديد جديد

ما نواجهه من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» هو تهديد جديد، يتمثل في أحادية التفكير، والعزم والإصرار على تحقيق الأهداف. والتنظيم لا يُسيطر على آلاف العقول فقط، وإنما على ألوف الأميال المربعة من الأراضي، مجتازا مسافات من الحدود بين العراق وسوريا لإقامة ما يسمى بالخلافة.

ولا يُخفي التنظيم أهدافه التوسعية. وحتى اليوم يحتفظ بمدينة حلب القديمة بقوة بين أهدافه. ويتباهى بمخططاته المستقبلية، وصولاً إلى الحدود التركية. وإذا نجح التنظيم في تحقيق أهدافه، فسنواجه دولة إرهابية على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وعلى الحدود مع عضو حلف شمال الاطلسي «ناتو». وهذا خطر واضح بالنسبة لأوروبا وأمننا.

Email