الدعم الغربي غير المشروط لإسرائيل وراء التصاعد المتزايد لعنصريتها

السلام لا يتحقق إلا بوضع حدٍ للاحتلال الإسرائيلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

وفر الاستعمار الأوروبي الذي دام مئات السنين بعض الدروس الأساسية للعالم حول إخضاع الشعوب المستعمرة: فكلما طال أمد الاحتلال الاستعماري، ازدادت نزعة العنصرية والتطرف لدى المستوطنين.

وهذا الأمر يصح بصورة خاصة إذا واجه المحتلون مقاومة، وعند هذه النقطة، يصبح السكان الرازحون تحت الاحتلال عائقا لا بد من إجباره على الخضوع أو إزالته عن طريق الطرد أو القتل.

في نظر القوة المحتلة، تعتمد إنسانية أولئك الخاضعين لسيطرتها على مدى خضوعهم للاحتلال أو تعاونهم معه.

إذا اختار الشعب الرازح تحت الاحتلال الوقوف في وجه أهداف المحتل، فإنه يجري تشويه صورته كشرير يشكل تهديدا، وذلك في سبيل منح القائم بالاحتلال الذريعة الأخلاقية المفترضة لمواجهة هذا التهديد بكل الوسائل المتاحة، مهما كانت قاسية.

والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو واحد من الاحتلالات الاستيطانية الاستعمارية النادرة جدا المتبقية في العالم اليوم.

وهذا الاحتلال لا يقتصر على القدس الشرقية والضفة الغربية: فعلى الرغم من قيام إسرائيل بسحب مستوطنيها وجيشها من غزة في عام 2005، لا زالت الأمم المتحدة تعترف بها كقوة محتلة هناك، نظرا لسيطرتها الكاملة على المجال الجوي في غزة، وإمكانية الوصول إلى شواطئ القطاع وجميع حدوده البرية تقريباً.

وعلى مر السنين، استخدمت إسرائيل كل أشكال الضغوط لمنع الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم الوطنية ونيل استقلالهم. ولم يكن كافيا للإسرائيليين تصديق مزاعمهم الخاصة بشأن الفلسطينيين، بل سعوا باستمرار لفرض روايتهم على العالم، وليجري تبنيها واعتمادها من جانب حلفائهم الغربيين.

وقاحة سافرة

ولا يثير الدهشة أن يؤدي كل هذا إلى وقاحة سافرة وغياب لمشاعر العار في الخطاب الإسرائيلي السائد عن الفلسطينيين. ففي نهاية المطاف، إذا لم يخضع المرء للمحاسبة والمساءلة، فإن له حرية التفكير، وفعل ما يشاء. ومن دون ضوابط داخلية وخارجية، يمكن أن يتصرف بحصانة متفلتا من العقاب.

واليسار الإسرائيلي بات من المخلفات التي عفا عليها الزمن، ويكاد ينقرض، فيما اليمين المتطرف يعد متجذراً في المؤسسة السياسية الإسرائيلية. ومهاجمة الفلسطينيين أصبحت سياسة مكرسة رسميا، وجزءاً لا يتجزأ من الوعي العام الإسرائيلي، يتم تجاهلها بأدب في الأوساط السياسية الغربية.

وهناك الآن تيار أيديولوجي عنصري متطرف حاليا في إسرائيل لا يبرر الهجوم الأخير على قطاع غزة فقط، بل إنه يشجع في الواقع على استخدام العنف الهائل وغير المتناسب ضد المدنيين، الأمر الذي أدى إلى إبادة عائلات بأكملها.

في الآونة الأخيرة، دعا نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي موشيه فيغلين، الجيش الإسرائيلي لمهاجمة غزة واحتلالها، متجاهلا كل شيء إلا سلامة الجنود الإسرائيليين.

ثم طالب بضم غزة إلى إسرائيل، داعيا الجيش إلى استخدام كل الوسائل المتاحة تحت تصرفه لـ »غزو« غزة، وكان يعني بذلك أن الفلسطينيين المنصاعين سوف يسمح لهم بالبقاء، فيما البقية، وهم الأغلبية، ينبغي نفيهم إلى شبه جزيرة سيناء. وهذا لا يمكن أن يفهم إلا كدعوة إلى التطهير العرقي.

ودعت عضو الكنيست عن حزب البيت اليهودي، إيليت شاكيد، وهي عضو في الائتلاف الحاكم، الجيش الإسرائيلي لتدمير ما وصفته بأوكار »لثعابين« الإرهابية وقتل أمهاتهم أيضا، كي لا يتمكنوا من جلب »ثعابين صغيرة« إلى العالم.

واقترح الأستاذ في جامعة بار إيلان موردخاي كيدار علنا اغتصاب أمهات وأخوات »الإرهابيين« لردع المزيد من الإرهاب. والجامعة لم تتخذ أي تدابير بحقه.

ومثل تلك التصريحات لم تعد حوادث معزولة، وإنما هي تعبير يعكس المشاعر العامة داخل بلاد حيث أصبحت هتافات »اقتلوا العرب« أكثر شيوعا على نحو متزايد. ولم يعد خروجا عن المألوف سماع تلك الآراء يجري التعبير عنها في العلن، أو من قبل سياسيين وأكاديميين.

لكن الأمر غير المتوقع، بل غير المقبول، هو أن لا يقابل مثل تلك التصريحات أي نوع من الإدانة في الدوائر الغربية الرسمية التي تدعي معارضتها للعنصرية والتطرف.

الاستثناء المرفوض

وما كان ليحدث هذا الصعود في نزعة العنصرية والتطرف الإسرائيلية ضد الفلسطينيين من دون الدعم غير المشروط الذي تتلقاه إسرائيل من حلفائها، وبالأخص الولايات المتحدة.

ولا يمكن لإسرائيل أن تستمر في أن تكون استثناء عن قاعدة القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان. ويتعين على المجتمع الدولي محاسبتها على خطابها وعلى أفعالها، والبدء في معاملتها مثل جميع البلدان الأخرى.

ولا ينبغي أن يسمح لها بمواصلة التمتع بهذه الحالة الاستثنائية واستخدام هذا الوضع لتنشر الدمار في أوساط الشعب الفلسطيني.

وما يتحمله الشعب الفلسطيني اليوم في غزة يجب أن يكون دعوة للعالم بأسره للتحرك من أجل إنهاء إراقة الدماء. لكن هذا الأمر سيتطلب أكثر من وقف لإطلاق النار، سيتطلب التوصل إلى سلام، والسلام لا يمكن أن يحدث دون وضع حد للاحتلال.

نتيجة حتمية

 

بعد مرور 47 عاما على الاحتلال الإسرائيلي، وعقدين على محادثات السلام المتوقفة، وحوالي ثماني سنوات تقريبا على الحصار الخانق لقطاع غزة، ينبغي على المجتمع الدولي مطالبة إسرائيل بأن تعلن بوضوح ما تزمع القيام به باحتلالها للشعب الفلسطيني.

وبما أن الفلسطينيين ليسوا القائمين بالاحتلال وإنما الرازحين تحت الاحتلال، فإن هذا السؤال لا يمكن أن يوجه إليهم.

إذا كانت إسرائيل ترغب في مواصلة احتلالها وإعاقة مسيرة الفلسطينيين نحو الحرية والاستقلال، فإنها ينبغي أن تكون مدركة أن الشعب الفلسطيني سيواصل مقاومته بكل الوسائل المتاحة تحت تصرفه.

وإذا كانت تنوي إنهاء الاحتلال، فإنها ستجد حينها أن الفلسطينيين على كامل الاستعداد وأكثر للتوصل إلى اتفاق.

Email