أردوغان يواجه اتهامات بضرب الديمقراطية

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم من كل التعثرات التي واجهت الديمقراطية في تركيا منذ انطلاقتها عام 1946، إلا أنها تمكنت من أن تدوم لأكثر من نصف قرن. ويعزى استمرارها إلى الأسس العلمانية،المتمثلة في فصل الدين عن الدولة. لكن هذا النظام اليوم يواجه التحدي الأكثر خطورة في تاريخه من جانب حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم وقيادته. وبلادنا تنجرف بسرعة بعيدا عن النظام الديمقراطي بدولة المؤسسات نحو نظام استبدادي متطفل بشكل واضح، يدور حول نزوات شخص واحد في السلطة.

وقيادة حزب العدالة والتنمية الذي يحكم تركيا منذ عام 2002، كانت تقوض بشكل منهجي ديمقراطيتنا من خلال استغلال الأيديولوجية الطائفية لأغراض سياسية. وتم تجاوز فصل السلطات والضوابط والتوازنات المكتوبة في الدستور التركي بشكل صارخ، ولم يعد النظام القضائي مستقلا، ويطبق المجلس التشريعي بشكل روتيني توجيهات رئيس الوزراء.

وحرية التعبير والتجمع والصحافة لم تعد مطبقة في تركيا. وتركيا لديها أعلى عدد من الصحافيين المسجونين في العالم، والتظاهرات السلمية تواجه دائما بعنف الشرطة، وانتشار التنصت على المكالمات الهاتفية اصبح أمرا واقعا.

وفي غضون ذلك، فإن البلاد أصبحت اكثر استقطابا على خطوط طائفية وعرقية وجنسية. وهذه الانقسامات تفاقمت بسبب توزيع الثروة المتفاوت بشدة بين مختلف الطبقات الاجتماعية الاقتصادية، كذلك بين المناطق المختلفة في البلاد. وقيادة الحكومة تسعى إلى الإملاء على العائلات عدد الأطفال التي يفترض أن يكون لديها، وكيف يفترض تربيتهم، وتعليمهم، وكيف يجب أن يتصرفوا أمام الملأ، وما يفترض أن يرتدوه ويشربوه ويأكلوه.

مطالب الناس

ورد الفعل ضد هذا الإقحام الأخرق في شؤون الناس انفجر أخيرا في تظاهرات سارت في مختلف أنحاء البلاد خلال الصيف. ومطالب المتظاهرين كانت واضحة وقوية: الديمقراطية والحرية ومناشدة الحكومة بوقف التدخل في حياة الناس.

ولقد ردت الحكومة بقمع وحشي ضد المتظاهرين ،مما أسفر عن مقتل العديد وسقوط ألوف الجرحى. والألوف الآن يواجهون أحكاما بالسجن.

وكل هذا يصل إلى حقيقة مجردة، وهي: حكومة تركيا الحالية هي ديمقراطية بالاسم فقط. لديها زخرفة الديمقراطية لكنها في الواقع نظام يدار بوسائل دكتاتورية. وقائد يصف فصل السلطات "خطأ في النظام" كما فعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان السنة الماضية، وينظر إلى الأغلبية البرلمانية بمثابة رخصة للحكم بنفسه، لا مكان له في الديمقراطية.

ومساءلة الناس لحكومتهم هي مسؤولية مستمرة يجب أن تتجاوز مجرد إجراء انتخابات كل بضع سنوات. وقائد يدعو مواطنين يمارسون حقوقهم في التجمع والاحتجاج بـ "اللصوص" ،كما وصف أردوغان المحتجين في فترة الصيف، لا احترام له لحريات الناس. وقائد يوجد نظاما قضائيا ويسيطر عليه ويضع الأبرياء وراء القضبان لفترات طويلة بانتظار الأحكام، ومن ثم يرسل توجيهاته إلى المحاكم بإدانتهم بتهم ملفقة، لا فكرة لديه عن العدالة.

ويفيد التاريخ أنه حتى الزعماء المنتخبين ديمقراطيا يمكن أن يتحولوا إلى دكتاتوريين، ما لم يجر وضع الضوابط والتوازنات لهم من قبل أدوات الديمقراطية.

Email