وزير التربية التونسي لـ « لبيان »:

خارطة طريق لإصلاح التعليم

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد وزير التربية التونسي ناجي جلول أن وزارته أعدت برامج عمل مستقبلية تتعلق بالبنية التحتية للمؤسسات التعليمية وتجهيزاتها إلى جانب صحة التلاميذ والحد من العنف المدرسي وتوفير التغطية الشاملة بالإنترنت. وفي حوار مع «البيان» أشار الى انطلاق الحوار الوطني حول إصلاح المنظومة التربوية، الذي يدوم شهرين، لتشهد السنة الدراسية المقبلة اللبنة الأولى للإصلاح.

 وأكد حصول إجماع وتوافق بين مختلف الأطراف حول عدد من المسائل منها الزمن المدرسي والاجتماعي ومنظومة التقييم وسن الالتحاق بالمدرسة والتعليم التقني وغيرها، وأبدى رفضه لتحويل المدرسة إلى فضاء لحشو الأدمغة بالتلقين والتحفيظ وغير الوظيفي أي ما لا يصلح لحياة الشخص أو لمستقبل الدراسة، مردفاً أنه يجري وضع خارطة طريق هذا الحوار بالاشتراك مع الاتحاد العام التونسي للشغل والمعهد العربي لحقوق الإنسان ودون إقصاء مختلف الفاعلين والمتدخلين في القطاع التربوي..

وستوجه الدعوة الى الجميع عبر المنابر المختلفة للمشاركة في الحوار الوطني المجتمعي لإصلاح قطاع التربية، عبر تقديم جملة من المقترحات نحو مدرسة مثالية لأبنائهم، على أن تطبق توصيات الحوار فورا. وقال: المدرسة مطالبة بلعب دور تنويري يواكب العصر وينفتح على الإنسانية لمحاصرة الفكر المتشدد، خاصة وأن التعليم ينتج وعياً رديئاً ويفتح الطريق لتغلغل الإرهاب، فإلى نص الحوار.

هل من إجراءات جديدة لدعم المؤسسات التربوية التي تعاني الكثير من النقائص؟

نحن حاليا بصدد العمل على تحقيق جملة من الأولويات التي تم التخطيط لها واقتراحها خلال المئة يوم الأولى من عمل الحكومة منها إنجاز برنامج استعجالي لتهيئة وصيانة 634 مدرسة ابتدائية أغلبها في المناطق الريفية والحدودية النائية..

والتدخل الشامل لبناء وتهيئة المرافق الصحية بجميع المؤسسات التربوية وخاصة الريفية الحدودية التي تفتقرللمرافق باعتمادات ماليّة تبلغ 116 مليون دينار «60 مليون دولار» ودعم الخدمات المدرسية والمطاعم..

وبرمجة دعم وتعويض التجهيزات العادية بالمؤسسات التربوية وخاصة المدارس الابتدائية الريفية، والإعلان عن استشارات لاقتناء الكميّة المتبقية من التجهيزات التي سيتمّ تسلمها في 30 يونيو المقبل وتوزيعها على المؤسسات التربوية المعنيّة، وإعداد دراسة لتزويد 700 مؤسسة تربوية منها مدارس ابتدائية بماءالشرب..

وتعويض كلّ التجهيزات القديمة في 260 مبيتاً و1230 مطعما مدرسيا لتحسين ظروف الإقامة ونوعية الوجبات العذائية المدرسية، إضافة الى تجهيز 1874 مدرسة ومبيتا مدرسيا بوسائل التدفئة (1874 مؤسسة).

وما هو مصدر التمويل؟

المبلغ المخصص لإصلاح البنية الأساسية للمدارس وقيمته 480 مليون دينار «حوالي 250 مليون دولار» حصلنا عليه من خلال قرض من البنك الأوروبي للتنمية وهبة من الاتحاد الأوروبي، والقرض فيه مهلة إرجاء بـسنوات مع فائض ضئيل.

وهل من قرارات في ما يخص الصحة المدرسية؟

الصحة في الوسط المدرسي مرتبطة بالبيئة المدرسية التي نعمل لتصبح سليمة من حيث القاعدة التحتية والتجهيزات الصحية والإقامة والغذاء وماء الشرب والمراقبة الدورية لصحة التلاميذ والطلبة..

وفي هذا الإطار لدينا برنامج خصوصي بالتنسيق مع وزارة الصحة العمومية لتجهيز 100 مبيت و100 مطعم مدرسي، كما قررنا إطلاق برنامج استعجالي لتحسين آليات استكشاف الأوبئة والأمراض المعدية في الوسط المدرسي والوقاية منها وتطوير منظومة خدمات الصحّة المدرسيّة.

ماذا عن برامجكم لمواجهة ظاهرة العنف المدرسي؟

العنف المدرسي ليس ظاهرة جديدة في بلادنا وإن تفاقمت بعد الثورة في ظل حالة انفلات عمّت أغلب الفئات والجهات والمؤسسات، ومنها المؤسسات التعليمية، التي شهدت بين عامي 2012 و2014 حوالي 15 ألف اعتداء بين سرقة ونهب وتخريب متعمد واستعمال عنف مادي ومعنوي..

لذلك أعلنّا عن قرار بإطلاق برنامج وطني لحماية المرافق التربوية، وبدأنا التنسيق مع وزارة الداخلية لتسيير دوريات في محيط مؤسسات التربية بشكل دائم، وسنصدر نصا قانونيا لتجريم الاعتداء على المرافق التربوية، ونأمل تفعيل برنامج العمل الاجتماعي بالوسط المدرسي قريبا لدعم الإحاطة النفسية للتلاميذ وتقليص الاضطرابات السلوكية لدى المراهقين.

تعميم الإنترنت

هناك حديث عن تخطيطكم لتعميم الإنترنت في المؤسسات التربوية إلى أين وصلتم في هذا الشأن؟

نعم هدفنا ربط الوزارة بالانترنت، وإدماج تكنولوجيات المعلومات والاتصال في المنظومة المدرسية، في ظل وجود ضعف وخلل بالمجال، وربط كل المدارس وعددها 2000 مدرسة بالشبكة العكنبوتية...

ونعمل على توفّير حل رقمي لجميع التلاميذ أي مليوني تلميذ ولكل الإطار التربوي أي 200 ألف تقريبا حسب ما تقتضيه كل مرحلة تعليمية وذلك بتوفير لوحات رقمية، محتويات وتطبيقات بيداغوجية رقمية والربط بشبكة الانترنت عالية التدفق، وتوفير محتويات تكوينية عن بعد ويمثل الأمر تحديا كبيرا لنا بالمرحلة المقبلة.

وماذا عن إصلاح المنظومة التربوية؟

وفرت الوزارة الاعتمادات اللازمة لإصلاح البنية التحتية للمؤسسات التربوية على ان يصبح الفضاء المدرسي في غضون الأعوام الخمسة القادمة لائقاً ومتميزاً وقادراً على تنشئة التلاميذ تنشئة متوازنة ومنفتحة، وفي ما يتعلق بإصلاح المنظومة التربوية، هناك إجماع وتوافق حول عدد من المسائل منها الزمن المدرسي والزمن الاجتماعي ومنظومة التقييم وسن الالتحاق بالمدرسة ومنظومة التعليم التقني وغيرها..

ونحن مؤمنون بأهمية ألا تكون المدرسة فضاء لحشو الأدمغة بما هو تلقيني وغير وظيفي أي ما لا يصلح لحياة الشخص أو لمستقبل الدراسة، لذلك سيتم العمل على التخفيف من البرامج الحالية التي تتسم بالتعقيد، وسنعمل على تخصيص الفترة الصباحية للدراسة وفترة ما بعد الظهر لممارسة الأنشطة الثقافية على غرار المسرح والموسيقى وبقية الفنون إلى جانب النشاط الرياضي.

وعي حقيقي

هل من معطيات عن الحوار الوطني الذي أطلقتموه أخيراً حول الإصلاح التربوي؟

الحوار الوطني لإصلاح المنظومة التربوية سيدوم شهرين ليشهد العام الدراسي القادم اللبنة الاولى للاصلاح، والحوار سيكون شاملا ويعنى بحياة المدرسة وتركيبتها وأطرها ابتداء من البنية التحتية الخاصة بها ليشمل أيضا المناهج التربوية والزمن المدرسي ومختلف الجوانب المتعلقة بالمنظومة التربوية...

ويجري وضع خارطة الحوار الوطني بالاشتراك مع الاتحاد العام التونسي للشغل والمعهد العربي لحقوق الانسان ودون اقصاء مختلف الفاعلين في القطاع التربوي..

كما أنه سيتم توجيه الدعوة إلى كل التونسيين عبر منابر الحوار للمشاركة فى الحوار الوطني المجتمعي لاصلاح قطاع التربية عبر تقديم جملة من المقترحات حول تطلعاتهم وتصوراتهم لمدرسة مثالية لابنائهم، على أن يقع لاحقا تطبيق كل ما يتمخض عنه الحوار من رؤى ومقاربات. وانطلاق الحوار يعكس وعياً حقيقياً لدى مختلف الاطراف المشاركة فيه بضرورة تكاثف الجهود من أجل إنجاحه وتحقيق الأهداف المرجوة منه.

وماذا عن مساعيكم نحو إصلاح تربوي شمولي؟

إصلاح المنظومة التربوية هو ملف حضاري قبل أن يكون ملفاً فنياً، ونوعية النظام التربوي الذي سيتم اختياره يحدد مستقبل البلاد، إلا ان نجاح عملية إصلاح المنظومة التربوية يتطلب إشراك مختلف الأطراف المعنية من وزارة وأسرة تربوية وأولياء ومجتمع مدني وهو ما نعمل عليه بالفعل.

والإصلاح التربوي لا بد أن يكون شاملا من رياض الأطفال إلى التعليم العالي، وذلك يعمق أهمية توسيع دائرة البحث والدراسة والتشاور والتوافق بين مختلف الأطراف التي سيكون أمامها تحدّ كبير يتمثّل بالأساس في بناء العقل التونسي المستقبلي، نريد إصلاحا شاملا من مرحلة ما قبل المدرسة إلى الجامعة ..

وذلك بمشاركة وزارات التعليم العالي والتكوين والمرأة والأسرة والطفولة والشباب والرياضة والتشغيل والتكوين المهني والثقافة، ونريد أن يكون هذا الإصلاح مفتوحا على المنظمات الوطنية والأحزاب لإثرائه وتوفير الحاضنة الشعبية اللّازمة لإنجاح الإصلاح الذي ينبغي ألا يكون مسقطا.

هل لديكم نموذج تقتدون به في هذا المجال؟

في ألمانيا مثلا يتجه 60 ٪ من التلاميذ إلى التعليم التقني فيما لا يزال هذا القطاع مهمشا في تونس، وهدفنا هو أن نصل إلى هرم مماثل لما هو موجود في ألمانيا حيث يتخرج 20 ٪ من التعليم الجامعي العادي و60 ٪ من التعليم التقني لأن الاقتصاد في حاجة إلى مهارات تقنية هي غير متوفرة الآ..

، فنحن ليس لدينا أزمة بطالة في تونس بقدر ما نعاني من أزمة تشغيل لأصحاب الشهادات العليا نتيجة الفروقات بين ما ينتجه التعليم وما تحتاجه التنمية.

لوحظ في الفترة الأخيرة كثرة الإضرابات التي تقودها النقابات في المجال التربوي، كيف تتعاملون مع الظاهرة؟

أولا الإضراب حق دستوري لسنا في موقع جدال حول شرعيته من عدمها، ونحن على يقين من أيّ إصلاح للمنظومة التربويّة ينبغي أن يبدأ من مراجعة الوضعية المهنية والمادية للمربين وللإطار التعليمي..

ومن تعهّد المؤسّسات التربويّة، ومراجعة البرامج ومنهجيات التدريس، وهذا لا يتم الا بالشراكة والحوار مع الأطراف النقابيّة من أجل خير المدرسة التونسيّة، لذلك نتعامل بإيجابيّة وبروح من التفهّم والحوار مع جميع النقابات المعنية بالتربية والتعليم. ونحن متفائلون في أن تسود الروح الإيجابيّة سائر مفاوضاتنا الاجتماعيّة مع النقابات.

تفريخ داعشيين

سبق لوزير التربية أن وصف المدرسة التونسية بـ››المريضة»، وأنها تفرّخ الإرهاب في غياب الرؤية النقدية والبعد المعرفي الصحيح وبناء العقل القادر على استيعاب القيم الإنسانية الحقيقية، والحديث عن إرهابيين يقودنا للاعتراف أنهم من خريجي مدارسنا وجامعاتنا، ومنهم من لم يدخل جامعا أو جامعة يوما،..

وهناك خلل بالتكوين اللغوي والمعرفي، وعجز عن تحصين العقل من إمكانية استدراجه للتطرف والإرهاب، والتعليم الرديء ينتج وعيا رديئا ويساعد الإرهاب على التغلغل بالمجتمع ، لذا لابد أن تكون المدرسة منطلقا للوعي الحقيقي وللتنوير وبناء العقل وتطويره وتحديث مفردات الخطاب والتجاوب مع تحديات الحاضر والمستقبل.

Email