تركي الدخيل: أصحاب الإسلام السياسي اختطفوا الدين وحرضوا على العنف

تواصلت اليوم أعمال الملتقى السنوي السابع من «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»، الذي يعقد تحت رعاية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، وبرئاسة فضيلة الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي رئيس المجلس العلمي الأعلى لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية.

وتركزت فعاليات اليوم الثاني من المنتدى، الذي يعقد افتراضياً عبر تقنية الاتصال المرئي عن بعد تحت عنوان «قيم ما بعد كورونا: التضامن وروح ركاب السفينة»، على أربعة موضوعات رئيسية، هي، (فقه الطوارئ، العولمة، الدولة الوطنية، وجوائح وليست جائحة)، تحدث فيها نحو عشرين مفكرا وباحثا ومتخصصاً في هذه القضايا.

وعقدت الجلسة الأولى تحت عنوان «فقه الطوارئ» برئاسة الدكتور عمر الحبتور الدرعي، عضو مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، فقال إن دولة الإمارات تؤكد في نهجها واستراتيجيتها على القيام بالمبادرات الخيرة، ومد يد العون للمحتاجين في كل مكان، وكما هو معروف ومشهود، فإن الدولة وقفت وقفة عظيمة في أزمة  جائحة كورونا، سواء على مستوى الاهتمام بالمواطنين والمقيمين أو تقديم المبادرات والمساعدة على مستوى العالم.

وتحدث الدكتور أحمد الحداد، عضو مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، فقال إن كوفيد 19 اجتاح العالم كله، وقد صنفته منظمة الصحة العالمية بأنها جائحة، تركت آثارها على كل مجالات الحياة، ولكن موضوعنا سيقتصر على جانب الحجوزات في الفنادق والنقل، وهي على ست صور، أما الأولى فهي العقود من دون دفع مبالغ مقدماً، فيكون بالإمكان التراجع عنها في النوازل والجوائح. والثانية: هي ما صحب العقد تقديم دفعة من قيمته، فيمكن فسخه، ويتوجب رد الدفعة لصاحبها، وفق فقه السلف، لأنه لم يستفد من الخدمة المتفق عليها.

أما الثالثة: مثل شراء التذاكر ولم يسافر، فمن حقه استرداد ما دفعه، لأنه لم يستفد من العقد، وأما الرابعة: وهي إذا كان قد استخدم جزءاً من الخدمة، مثل الذهاب من دون إياب، فلكل جزء منه ثمن، ولا يحق للشركة التي تقدم الخدمة أكثر من ذلك، والخامسة: التي يتم فيها الاستفادة من العقد، بالنسبة للشركة، ولم يستفد منه  المتعاقد أو دافع الفلوس مثل، دفع أقساط المدارس، فالمدرسة استفادت، والطلبة لم يستفيدوا، فيتوجب إعادة المبلغ كاملاً، ولا يعفيه من ذلك حتى عجزه بسبب الجائحة، فإن ذلك يؤجله وليس أكثر، وفي حالة أن المدرسة واصلت التعليم عن بعد، مستغنية عن تقديم خدمة النقل والوجبات الغذائية، إن وجدت، فيجب إعادة النظر بالعقد، أما السادسة: فهي المدة المفتوحة في العقد، فلا يحق للمستفيد التراجع إلا بالتراضي.

وتحدث المستشار الدكتور إبراهيم عبيد آل علي، عضو مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، فأضاء حول موضوع الالتزامات التعاقدية، التي تأثرت بالجائحة، فلاحظ أن دولة الإمارات أصدرت حزمة من التشريعات في مجال المعاملات المدنية، وبخاصة ما اصطلح على تسميته، نظرية الظروف الطارئة، ونظرية القوة القاهرة، ففي الأولى لا يجوز نقض العقد إلا بالتراضي، واستثنى المشرع الإماراتي الطوارئ غير المتوقعة، التي يصبح الالتزام فيها مرهقاً. أما في نظرية القوة القاهرة، التي يصبح الالتزام في العقود مستحيلاً، فيلحظ القانون إذا ما تنفذ جزء من الالتزام، ويميز بين الحؤول دون الشاري والمبيع، والسؤال هو، إلى أي حد يعتبر كورونا ضمن خصوصية الظروف القاهرة، التي تجيز إلغاء العقد؟

فأجاب أن الأصل في ذلك، هو اعتبار المرض من الظروف القاهرة، ولكن بكل الأحوال يعود البت في ذلك للسلطة التقديرية، أي القاضي؛ ليقدر مدى الضرر الذي ألحقته الجائحة. ولكنه أشار إلى إمكانية اعتبار آثار كورونا المباشرة، ضمن الظروف القاهرة، حسب المفهوم القانوني والشرعي، وبخاصة إذا حال دون تنفيد العقود بشكل جذري. 

وتحدث من جانبه فضيلة أبو بكر إمام، القاضي في محكمة الاستئناف الشرعية في نيجيريا، فقال إن للأحوال العادية أحكامها كما للنوازل أحكامه، ولا ينبغي لأهل العلم سد الأبواب بذرائع عدم وجود قرائن في فه السلف. فالواجب استنباط الأحكام؛ بما يتناسب مع الواقع؛ لأن الشرع الإسلامي غني بالفروع والأصول، بحيث يتيح الاستنباط؛ بما يتواءم مع الأوضاع المستجدة. فالدين يسر، والشريعة ترجع في أصولها إلى حفظ مصالح العباد. أما هدرها أو ضياعها فليس من الشريعة، مؤكداً أن موقف الإسلام من الجائحة، كما جاء الحديث، بمنع الدخول  إلى منطقة الوباء أو مغادرتها. وهو ما عمل به عمر بن الخطاب عندما رد على أبو عبيدة بن الجراح (رضي الله عنهما، حيث قال له: نعم نفر من قدر إلى قدر الله.

كما تحدث فضيلة الشيخ عبدالله ولد اعل سالم، عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم، فقال إن كورونا لم يؤثر على أنماط العيش والكسب، وإنما طال كل جوانب ومناحي الحياة، وإن هذه الجائحة فرضت أمورا ووقائع غير معهود، ما يستدعي استنباط الأحكام الفقهية المناسبة. ملاحظاً أن الكلمة التأطيرية التي قدمها مولانا معالي الشيخ ابن بيه فتح أبواب عدة؛ للنقاش والاجتهاد على السواء.

وأكد أن الجائحة أظهرت العجز البشري، وهو ضعف أصيل في الإنسان "وخلق الإنسان ضعيفاً". ما يجعل عنوان المؤتمر يحيل إلى ركاب السفينة، فالضعف الإنساني يقتضي التعاون للنجاة. ومن العبر المفيدة هي سفينة نوح عليه السلام، التي جمعت بين الإنسان ومختلف الكائنات. ما يعني أن نولي العناية الكاملة بمكونات كوكب الأرض، أي ساكنته من كل الأجناس. فكيف يتردد الإنسان بالتعاون مع أخيه الإنسان. 

وفي ختام الجلسة تحدث فضيلة السيد عبدالله فدعق، عضو مجلس حكماء المسلمين، فقال إن المشرع راعى الجانب النفسي في المكلفين، في إطار تحقيق الصلاح في جوانب النفس للقيام بالواجبات المطلوبة، وقدم مقاربة، حول ما إذا كانت تأثيرات كورونا تشمل المعاملات الأسرية بالمعنى القانوني أو القضائي، مثل العجز في النفقات وغير ذلك، فقال يمكن معالجة هذه المسائل بحدود تأكيد الضرر، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها. وخلص إلى ضرورة مراعاة الجانب النفسي.

الجلسة الثانية

أما في الجلسة الثانية، التي عقدت تحت عنوان «العولمة والدولة الوطنية» برئاسة الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، وتحدث الدكتور حسن أوريد، أستاذ العلوم السياسية  في جامعة الرباط، فقال إن العالم يعيش أزمة اقتصادية، ليس فقط من حيث نسبة النمو، أو تراجع المبادلات أو الانكماش، وإنما من حيث غياب أنموذج فكري أو "براديم"، من جهة، وانحراف الاقتصاد نفسه عن الغاية المتوخاة منه، وهي أن يكون في خدمة الإنسان والمجتمعات. 

 وتعيد أزمة كورنا إلى الواجهة مخلفات أزمة 2008، ولكنها تعطيها زخما حول قضيتن جوهرتين تدقان الإسفين في النيوليبرالية، وهي تدخل الدولة،  مما ينسف الأساس النظري للنيوليبرالية حول تواري الدولة، والمسألة الثانية هي العدالة الاجتماعية، مما ينسف مقتضى أطروحة العرض. 

 أما الدكتور ياسر قنصوه، فقدم ورقة بعنوان «الدولة الوطنية - المواطن في حضرة السيادة»، فقال إن صورة الدولة بوصفها الوحدة الاجتماعية الأكبر والأشمل التي تمارس الضبط، تدفعنا إلى وجوب الوعي بعناصر ثلاثة هي: مجموعة المشكلات الخاصة بالاجتماع والشرعية، ومعنى هذا كيف يمكن الحصول على الإجماع بالنسبة لنظام سياسي في ظل التنوع والاختلاف للجماعات الصغيرة التي يتكون منها المجتمع، وما يتعلق بالمشاركة السياسية والتمثيل النيابي في ضوء متغيرات عرقية، دينية، طبقية، وكذلك  ما يرتبط بدراسة تلك العلاقة القائمة بين التنمية الاقتصادية والتغير السياسي. 

ومن مهام الدولة الوطنية ووظائفها، وحقوق المواطنين وواجباته تتشكل أسس "السيادة الآمنة"، التي تعنى السلامة من التهديدات الخارجية، كما الوقاية من الاضطرابات الداخلية المفاجئة في أنماط الحياة اليومية، وهنا تكون السيادة في الدولة الوطنية علاقة متصلة ودائمة بين المواطن والدولة.

وأكد أنه لا توجد دولة قادرة على الحفاظ على سلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي إن لم يكن أفرادها بمنأى عن التهديدات الأمنية الجديدة، كما أن الأمن الإنساني لا يتحقق إلا في حالة وجود دولة آمنة يسود فيها حكم القانون، وقادرة على حماية مواطنيها من تلك التهديدات.

كذلك تحدث في الجلسة الثانية السفير تركي بن عبدالله الدخيل، سفير المملكة العربية السعودية في الإمارات، والذي ركز في مداخلته على خطر الجماعات التي تستخدم الدين لأغراض سياسية، وقال:"عندما نتحدث هذا اليوم عن الإسلامويين والدولة الوطنية فإني أحدثكم عن فترة صعبة في زمن يدافع كل واحد منا فيه ليثبت أن أصحاب الإسلام السياسي الذين اختطفوا الدين وحرضوا على العنف وعلى التقتيل لا يمثلون ثقافتنا ولا يعكسون قيمنا الأصيلة ولا تطورنا الحضاري.

كما تحدث رحمن شيشتي، عضو مجلس النواب البريطاني، وروبرت ويكسلر، رئيس مركز إس. دانيال أبراهام للسلام في الشرق الأوسط - الولايات المتحدة؛ عن موضوع "مفارقات العولمة والحاجة إلى التعاون الدولي".

 كذلك تحدث في الجلسة الثانية كل من جيرالد أربويت، باحث في مركز دراسة الهويات والعلاقات الدولية في فرنسا؛ عن موضوع "الأزمة الاقتصادية وأخلاقيات التضامن"، والسيد راميش صديقي، مؤلف كتاب "وجه الإسلام"؛ عن موضوع "أهمية الدولة الوطنية وسبل تعزيز مكانتها".

الجلسة الثالثة

أما الجلسة الأخيرة، التي عقدت تحت عنوان «جوائح وليست جائحة واحدة» برئاسة وليام فندلي الأمين الفخري السابق لمنظمة "أديان من أجل السلام"، الأميركية، فتحدث فيها كل من الدكتورة عزة كرم، الأمين العام لمنظمة "أديان من أجل السلام"، الأمريكية، والسيد جويل براونولد، المدير العام لمركز إس دانيال أبراهام للسلام في الشرق الأوسط، أمريكا، عن موضوع "وقف الحروب والحاجة للسلام".

إلى ذلك تحدث أداما ديانغ- مستشار الأمم المتحدة الخاص المعني بمنع الإبادة الجماعية سابقان عن موضوع "جوائح الفقر والهجرة والتمييز العنصري"، ومن جهتها تحدثت الدكتورة روث فاليريو، مديرة الحملة العالمية والتأثير في وكالة التنمية البريطانية (تيرفند)، عن موضوع "البيئة والتغير المناخي".

وفي ختام جلسة الأخيرة من اليوم الثاني تحدث الدكتور عمر الحمادي- المتحدث باسم وزارة الصحة الإماراتية، وخولة حسن، المستشارة في مجلس الشريعة الإسلامية في بريطانيا عن موضوع "الجائحة الصامتة - الصحة النفسية والعقلية".

الأكثر مشاركة