حكومة لبنان.. اعتذار أديب عن التكليف يعيد خلْط الأوراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل 26 يوماً، اعتلى السفير اللبناني لدى ألمانيا الدكتور مصطفى أديب (48 عاماً) سدّة الرئاسة الثالثة في لبنان تكليفاً، متحدّراً من خارج الطبقة السياسيّة «المستهلَكة». وقبل مرور شهر على تكليفه، أمس، حمل ملفّاً أسود إلى قصر بعبدا، حيث آثر الاعتذار عن التكليف بدل «الاحتراق» في دوّامة الشروط والشروط المضادّة، معلناً أنّ خطوة اعتذاره جاءت على خلفيّة عدم تلبية شروطه من الكتل السياسيّة بعدم تسييس التشكيل، وخاتماً: «حمى الله لبنان واللبنانيين».

وما بين المشهدين، استمرّ مسلسل العرقلة فصولاً، فلم ينسحب النجاح في تكليف أديب تشكيل «حكومة مهمّة» اختصاصيّة مستقلّة على التأليف الذي برزت في وجهه عقبات كثيرة، كان أبرزها عقْدة «الثنائي» («أمل» و«حزب الله») بتمسّكه بحقيبة المال. وبعد انتهاء مهلة التريث التي اتخذها لنفسه، وفي ظلّ زيادة العراقيل التي واجهته في تسمية الوزراء ومطالبة الكتل المسيحيّة بتسمية وزرائها، فضّل أديب الاعتذار، بدل الدوران في حلقة مفرغة، لم يكن يملك مفاتيحها.

وما بين المشهدين أيضاً، وعلى مسافة شهر من مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بقيت التشكيلة الحكوميّة داخل الملفّ المغلق، وأقصى تقدّم طرأ عليها أنّ الرئيس المكلّف حمل ملفّه أمس بين يديه وقصد الرئاسة الأولى، معتذراً عن التكليف، الأمر الذي أطلق التكهّنات بشأن المبادرة الفرنسيّة وإمكانيّة «تآكلها» من دون تشكيل الحكومة، ما يشكّل «صفعة» قويّة لصاحب المبادرة (الرئيس ماكرون)، في حين ارتفع منسوب الكلام عن أنّ العقد الداخلية هي الغطاء للعقد الحقيقيّة المتمثلة بالصراع بين واشنطن وطهران، والتي تدفع ثمنها عواصم أخرى، ويكاد لبنان أن يذهب «فرْق عملة» في هذا الصراع الذي يصرّ أكثر من طرف على أن يرتبط فيه.

وفي انتظار ما سيؤول إليه مشهد التكليف الحكومي مجدّداً، تجدر الإشارة إلى أنّ فترة ما بعد «ثورة 17 أكتوبر» كانت شاهدة على استقالة حكومتين في أقلّ من سنة. ورغم معارضة المنتفضين في الشارع للسلطة الحاكمة واعتبار الاستقالة الأولى لحكومة الرئيس سعد الحريري انتصاراً، إلا أن تشكيل حكومة الرئيس حسّان دياب لم يلبِّ طموحاتهم، في حين بدا موقفهم من الحكومة التي كان من المفترض أن تتشكّل برئاسة أديب لم يخرج عن هذا السياق.

جرْدة حساب

وكانت الاستشارات النيابيّة المُلزمة «تحرّرت»، إذا جاز التعبير، من ترشيح الرئيس سعد الحريري، بفعل إعلانه عزوفه عن هذا الترشيح، وانتهت بإعلان تكليف السفير أديب، وبدأت مرحلة التأليف التي لم تكن غاية في السهولة. ذلك أنّ الرئيس المكلّف واجه تحدّي صياغة حكومة إنقاذ وطني تتجاوز، بتركيبتها وبرنامجها، الاصطفافات السابقة، لتلامس التحديات المصيريّة التي تواجه اللبنانيّين، في حاضرهم كما في مستقبلهم. ومنذ تكليفه، أعدّ أديب العدّة للانطلاق في مشوار التأليف بروحيّة المتفهّم والمنفتح على ما قد طرحته المكوّنات النيابيّة من أفكار وهواجس. أمّا سعيه، فانصبّ على محاولة نزْع الألغام والتعقيدات من طريق الحكومة التي كانت منتظرة. 

وفي المحصّلة، وعلى مدى نحو شهر من الاتصالات والمشاورات، لم يكن هناك أيّ طرف داخلي قادراً على إحداث خرْق في جدار المأزق الحكومي، في حين أنّ فرنسا، عرّابة عملية التكليف والتأليف، أفرغت ما في جعبتها من مقترحات ومخارج، قبل أن تكتشف أنّ ما يجري في لبنان ليس مسألة تشكيل حكومة، بل «ترسيم» حدود صلاحيات الطوائف والمذاهب، فأبقت مبادرتها متموضعة بلا حراك على رصيف التأليف.

Email