«حكومة إنقاذ لبنان» تحت المجهر

ت + ت - الحجم الطبيعي

وأخيراً، بات للبنان حكومة عشرينيّة بامتياز، هبطت بوحيٍ ما بتوزيعتها العادلة بين أبناء «اللون الواحد»، بعد انقضاء 34 يوماً على تكليف رئيسها حسّان دياب، و97 يوماً على اندلاع شرارة الانتفاضة الشعبيّة، و83 يوماً على استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، ومحطات لا تُحصى من الصراع المرير مع مجموعة من أمراض الجسم السياسي اللبناني.

وفي سباق محتدم مع الزمن، سرّع ولادة حكومته «التكنوقراطيّة»، ثبّت الرئيس دياب المكلّف، قدميه على أرضيّة السراي الكبير، ولم يضيّع فرصته التاريخيّة في الاستحواذ على عضويّة نادي رؤساء الحكومات، رغم التضحيات التي لم يتوانَ عن دفعها، بعدما اعتلى سدّة الرئاسة الثالثة في لبنان تكليفاً، في 19 ديسمبر الفائت، بأصوات أكثريّة نيابيّة، بلغت الـ 69 صوتاً من أصل 128، متحدّراً من خارج الطبقة السياسيّة «المستهلَكة»، وإنْ كانت تسميته جاءت في ضوء اتفاق «التيار الوطني الحرّ» وحركة «أمل» و«حزب الله» وحلفائهم.

وذلك بعد إعلان سعد الحريري عزوفه عن المهمّة، في ظلّ رفض شرطه الأساس بحكومة تكنوقراط، تكون مؤهلة للقيام بعملية إنقاذ، وترضي المحتجين في الشارع.

مرحلة جديدة
وبدءاً من أمس، انتقل لبنان إلى مرحلة جديدة من التحدّي، ذلك أنّ الحكومة الثالثة في عهد الرئيس العماد ميشال عون، مثّلت انعطافة في آلية تأليف الحكومات، منذ التوصّل إلى «اتفاق الطائف» عام 1990، عبر المعايير التي فرضها رئيسها حسّان دياب، ‏مستفيداً فيها من الواقع المأزوم، الذي أدّى إلى تكليفه.

مع الإشارة إلى أنّها، وللمرة الأولى في تاريخ الحكومات منذ الاستقلال، تضمّنت 6 نساء، وأكثر من ذلك، تعيين إحداهنّ (زينة عكر عدرا)، في منصب نائب رئيس ‏مجلس الوزراء، وزيرة للدفاع الوطني.

كما تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّه لم يسبق لأيّ تحالف سياسي في لبنان، أن واجه تجربة مربكة ومحرجة، إلى حدود الانكشاف التام، لعجز مكوّناته ‏عن الاتفاق على مشروع واحد، مثلما حصل مع تحالف العهد وتيّاره و«قوى 8 آذار»، في مأزق تأليف ‏الحكومة، إذ كاد أن يفقد فرصة فرْض حكومته، كأمر واقع داخلياً وخارجياً، ‏لفترة اختبار ولو محدودة.

إلى ذلك، وبمعزل عن تكوين الحكومة الجديدة، بشكلها ومحاصصاتها ومكوّناتها، وهي التي لم تتّسع للحراك، يبقى أنّ ‏الثابت الوحيد فيها، حسب القراءات المتعدّدة، هو أنّها أتت منفصمة عن الشارع، بعدما عادت لتستنسخ ‏ذهنيّة المنظومة السلطويّة نفسها، من خلال تركيبة وزاريّة مطعّمة بتلاوين اختصاصيّة.

3 تحديات
وفي المحصّلة، فإنّ العيون شاخصة إلى مرحلة الانتقال إلى العمل الحكومي الفعلي، في ضوء الخطّة التي سيضعها البيان الوزاري، بما يمكّن الحكومة الجديدة من المثول أمام مجلس النواب لنيل الثقة، ويمنحها «فيزا» الانطلاق و«تزييت عجلاتها»، ودخول حلبة السباق مع جملة من التحدّيات والاستحقاقات.

والدستور ينصّ على مهلة ثلاثين يوماً لتتقدّم الحكومة من مجلس النواب ببيانها الوزاري، من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها.

وستكون أمام ‏هذه «حكومة إنقاذ لبنان»، كمّا أسماها رئيسها، ثلاثة تحديات: الأوّل، امتصاص نقمة الشارع، بجزأيه الحزبي ‏المتضرّر، والشعبي المنتفِض.

والثاني، أن تكون ‏فريق عمل يضع الأزمة الماليّة - الاقتصادية أولويّة وحيدة أو مطلقة. ‏أمّا التحدّي الثالث، فيتمثل بترتيب العلاقة مع المانحين، من عرب ومجتمع دولي، وكسْب ‏ثقتهم.

وفي انتظار البيان الوزاري، ومن ثمّ ثقة المجلس النيابي بحكومة حسّان دياب، يقول معنيّون بالطبخة الحكومية التي جرى إنضاجها، إنّه يُفترض أن يشكّل التأليف حافزاً لبناء منظومة تؤمّن نجاح الحكومة الجديدة، وبالتالي، مصلحة كلّ مكّون من مكوّنات الحكومة، في ضوء التحديات المطروحة.

ففي التحدّي الأوّل، برزت معلومات مفادها أنّ تحضيرات تجري بين مكوّنات الانتفاضة الشعبيّة، المستمرّة منذ 17 أكتوبر 2019، للقيام بتحرّكات احتجاجية ‏وُصِفت بـ«النوعيّة»، من بوّابة كون الحكومة الجديدة، وفق رؤية المنتفضين، هي حكومة ‏سياسيّة مقنّعة بوجوه مُسمّاة «اختصاصية» ليست سيّدة نفسها، ‏وليست مستقلّة عن الطاقم السياسي الذي شكّلها، وستكون حكماً ‏مرهونة لمشيئته، وتُدار بالطريقة التقليديّة التي تسبّبت بالأزمة التي يشهدها لبنان.

وحيال التطوّرات التي تكاد تسبقها مع شارع مشتعِل، وانهيار اقتصادي خانق، وضيق اجتماعي ينذر بانفجار كبير، ما لم تسارع إلى سحب فتيله، يأتي التحدّي الثالث، ليبقى الرهان الأول والأخير لدى مكوّنات هذه الحكومة، على أن تحظى بالدعم ‏الخارجي، لتعويمها داخلياً.

وبالانتظار، فإن الشارع لا يهدأ، بل زاد من غضبه بعد الإعلان عن التشكيلة الحكومية. وأمس، تجمع عدد من المحتجين قرب ساحة النجمة وسط بيروت، وحصلت مواجهات بين المحتجين، الذين حاولوا الدخول إلى ساحة النجمة، حيث مقر المجلس النيابي، والقوى الأمنية التي تمنعهم من ذلك.

رفض
أعلن محتجون من مناطق عدة شمالي لبنان أن رئيس الحكومة حسان دياب لا يمثلهم، وأعلنوا رفضهم للحكومة لاعتبارها غير مستقلة، ولا تمثّلهم بل تمثل بعض أركان السلطة، وأعلنوا أن «هذه الحكومة تشكّلت من وزراء تابعين للسلطة السياسية، لذلك هذه الحكومة مرفوضة»

Email