آمال التغيير

مقاومة الانقسامات الداخلـــية والتدخلات الخارجية

ت + ت - الحجم الطبيعي

النار التي أشعلها الشاب التونسي محمد البوعزيزي في نهاية 2010، لا يُعرف موعد انطفائها، بعد أن امتد لهيبها إلى بعض دول المنطقة، منها من استطاع بشعبها المُضي قدماً نحو تحقيق حلم التغيير بإصلاحات وتغيّرات داخلية جذرية، ومنها من تعثّر- ولا يزال- وضلَّ طريقه نحو عودة الأمن والاستقرار الداخلي، وحتى مجرد العودة للأوضاع التي ثار عليها من قبل.

المشهد في العام 2019 وإن شهد تطورات وأحداثاً كاشفة وفاصلة، إلا أن النتيجة واحدة، بين دول- في تلك المنطقة المشتعلة- نجحت في تجاوز فترات الاضطراب وشرعت في بناء المستقبل (مصر وتونس نموذجاً، بدرجات متفاوتة) ودول غارقة في متاهات الفوضى والإرهاب والانقسامات الداخلية والتدخلات الخارجية، والقائمة هنا تطول لتشمل سوريا وليبيا والعراق ولبنان، وتطورات فاصلة قيد ترقب نتائجها وآثارها (السودان نموذجاً، بعد إطاحة البشير في أبريل 2019)، واحتجاجات عارمة بنهاية العام تُنذر بتطورات جوهرية خلال الفترة المقبلة (العراق ولبنان) تُحبس الأنفاس انتظاراً لنتائج تلك التطورات.

لم تفلح أصوات العقل والجهود الدولية- المُخلصة منها- في المساهمة في استعادة الأمن والاستقرار في تلك الدول الغارقة في مستنقع الفوضى؛ فما تزال أصوات الفتنة والانقسامات تثير زوبعة الفوضى، وسط بصيص نور لم ينقطع، وآمال لم تُبدد بعد بشكل كامل، ذلك أن العام المنقضي شهد محطات إيجابية، على رأسها تصاعد رفض التدخلات الخارجية في شؤون دول المنطقة، بخاصة التدخلات الإيرانية، وهو ما عبّرت عنه بوضوح الاحتجاجات المتواصلة في بيروت وبغداد، كما شهد كذلك خفوت الإرهاب الداعشي بعد دحره في سوريا، ومقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، وثمة أمل أن تسفر تلك التطورات في لملمة الأزمات وإعادة الاستقرار المنشود.

بحر الفوضى

في ليبيا، حرب دخلت مرحلة مفصلية في ظل تدخل تركي مباشر.. مشهد لا يزال على تعقيده لم يراوح مكانه في العام 2019 على رغم التطورات الكثيرة التي شهدها الملف الليبي، إذ لا يزال المشهد على تعقيده في ظل الانقسامات الداخلية الواسعة والتدخلات الخارجية، والإرهاب الذي ينمو في بيئة خصبة بلا هوادة.

وفي سوريا، لم تراوح الأزمة مكانها أيضاً، على رغم التطورات المُتتالية التي ماج بها الملف خلال العام 2019، ما بين خطوة في سبيل الحل السياسي (مثل انعقاد اللجنة الدستورية في أكتوبر الماضي)، وخطوات أخرى في عكس اتجاهه، تمثلت في التصعيد العسكري الداخلي، والعدوان العسكري التركي في أكتوبر، مع تباين مواقف الأطراف الدولية وتداخلاتها بالملف السوري وغيرها من التطورات الأخرى التي جعلت الأزمة «محلك سر»، في عام شهد مزيداً من التدهور الداخلي، لا سيما في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور، والانهيار غير المسبوق لليرة السورية. بخلاف أوضاع الشمال (آخر بقعة تحت سيطرة المعارضة)، تلك البقعة المشتعلة عسكرياً وسياسياً وأمنياً واجتماعياً وإنسانياً، وكذا الظروف والتحديات التي لا تزال تمزق اللاجئين السوريين حول العالم.

العراق

وعلى رغم أن العام 2019 شهد كتابة فصل مُهم في نهاية تنظيم داعش الإرهابي، اثر إعلان دحره في سوريا- بعد القضاء عليه في العراق- في الربع الأول من العام، ومع مقتل زعيم التنظيم في أكتوبر الماضي، إلا أن خطر الإرهاب لا يزال قائماً ويهدد البلدين والمنطقة، سواء الإرهاب الداعشي أو باقي الفصائل المتطرفة.

العراق الذي يشهد احتجاجات عارمة منذ مطلع شهر أكتوبر، لا يزال يضل طريق الاستقرار، ويأبى شعبه أن يعود خالي الوفاض دون تحقيق مطالبه في مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين (بخاصة في الطبقة الحاكمة)، ومعالجة الأوضاع الداخلية- بخاصة الاقتصادية- الصعبة التي يواجهها العراقيون الذين أنهكتهم الحروب، ويطالبون بإصلاحات جذرية من بينها أيضاً توفير فرص عمل وتحسين الخدمات وغيرها من المطالب العادلة.

نجح العراقيون في تجاوز الطائفية في احتجاجاتهم، سيما بعد أن تجرعوا مرارة التنظيم الداعشي وإرهابه. وعلى رغم نجاح العراق في التعافي خلال العام 2019 من آثار «داعش»، وقد تُرجم ذلك على أسعار النفط ومعدلات إنتاجه، وأثر ذلك على النمو، إلا أن المواطنين يعانون من خدمات عامة متدهورة ونسب بطالة مرتفعة فجرّت الاحتجاجات ضد الحكومة.

لبنان

لبنان الذي تجاوز عثرة الجمود السياسي السابقة بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً، انتفض شعبه في احتجاجات عارمة- منذ 17 أكتوبر- ضد الفساد وتدهور الأوضاع الداخلية، أدت لاستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، وسط ترقب لما سوف تسفر عنه تلك التطورات من تداعيات على المشهد اللبناني الداخلي، ونُذر تغيرات جذرية في الأشخاص المتصدرة والسياسات. واللافت في تلك الاحتجاجات- التي تُعد حدث العام في لبنان- نجاح اللبنانيين حتى الآن في تجاوز عثرة الطائفية البغيضة، بما يشكل ضربة موجعة للمراهنين عليها في تأجيج الأوضاع داخل البلد.

يأتي ذلك في خطٍ متوازٍ مع تصاعد الرفض الشعبي- في كل من بغداد وبيروت- للتدخلات الإيرانية، وهو الرفض الذي عبر عنه المتظاهرون في البلدين صراحة، ويهدد نفوذ النظام الإيراني وأذرعه في داخل عواصم عربية يتباهى بالسيطرة على مفاصل القرار فيها. وليس هنالك أبلغ من الشعار الموجز العفوي الذي رفعه المتظاهرون العراقيون: «إيران بره بره».

اليمن، حيث التحالف العربي ملحمة تاريخية لاستعادة الأمن والاستقرار ودعم الحكومة الشرعية، شهد تطورات مُهمة خلال العام 2019 على المستويين السياسي والعسكري، كان من بينها الاتفاق الذي تم برعاية المملكة العربية السعودية، بين الشرعية والمجلس الانتقالي، فيما عرف باسم «اتفاق الرياض»، والذي يعد خطوة تاريخية من المنتظر أن يكون لها دور في تغيير المسار.

Email