تقارير «البيان»

سباق بين عدّادي الشارع والسلطة

متظاهرون أمام جامع محمد الأمين في بيروت | إي.بي.إيه

ت + ت - الحجم الطبيعي

لليوم الرابع على التوالي، بدا الداخل اللبناني وكأنّه في خضمّ معركة عدّادات شعبيّة وسياسيّة بين الشارع والسلطة: الأوّل سجّل حتى الآن أكثر من 72 ساعة للناس على الأرض من دون انقطاع، منذ السابعة من الخميس الفائت، والمؤشرات دلّت على أن لا خروج من الشارع في القريب العاجل. أما الثاني، فهو عدّاد السلطة الذي «عيّره» رئيس الحكومة سعد الحريري على 72 ساعة، تنتهي عند السابعة من مساء اليوم، مع انتهاء المهلة التي كان حدّدها الحريري لـ«شركائه» في السلطة، من أجل اجتراح الحلّ الكفيل بوقف تداعيات إحدى أخطر الأزمات الداخلية التي يواجهها لبنان، وهي تكتسب طابعاً مصيرياً، إذ يتوقف عليها واقعياً استشراف الوجهة التي سيسلكها لبنان، وسط عصف التحرّك الشعبي الاحتجاجي الهائل.

وبصرف النظر عن مهلة الحريري وعن الورقة الاقتصادية التي أعدّها، فإنّ ما جرى أمس أشار بوضوح إلى أنّ سقف الناس بات أعلى بكثير ممّا تطرحه الحكومة، علماً أنّ كلّ الفرقاء السياسيين وافقوا على مبادرة رئيس الحكومة بشأن القرارات الإنقاذيّة، لكن السؤال الأكبر الذي فرض نفسه بقوّة تمحور حول ما يمكن أن يكون عليه موقف الحراك الشعبي، الذي أظهر غضباً غير مسبوق على الطبقة السياسية، وثقةً مفقودة كلّياً في أدائها ووعودها، ما يمكن أن تطلّ عليهم به من مشاريع وأوراق عمل في الساعات المقبلة.

ساعات مفصليّة

إلى ذلك، وفي حين لا يزال متعذّراً تقدير المدى الذي سيبلغه فتيل الشارع الذي قرّر أن يستمرّ في توجيه صرخته في وجه السلطة على كلّ مستوياتها، تجدر الإشارة إلى أنّ اللحظة المفصليّة ستكون عند الساعة السابعة من مساء اليوم، موعد انتهاء المهلة التي أعطاها رئيس الحكومة لنفسه، ليتّخذ قراره الذي كان سيتخذه، مساء يوم الجمعة الفائت، لكنّه آثر إرجاءه: قراره الاستقالة، بحسب ما تردّد، لكنّ هذه الورقة تركها في جيبه إلى السابعة من مساء اليوم، فإمّا يسحبها من جيبه ويرميها في وجه الجميع، وتكون الخاتمة بتلاوتها في قصر بعبدا، وإمّا تنجح الاتصالات في ثنيه عن إعلانها والاتجاه إلى ترميم الحكومة.

يوم رابع

ويواصل اللبنانيون انتفاضتهم ضدّ السلطة الحاكمة وممارساتها، بحماسة اليوم الأول، فافترشوا الساحات على الأراضي اللبنانية قاطبة، من شمالها إلى أقصى الجنوب مروراً بالمتن والبقاع، ووسط العاصمة، رافعين شعاراً ضدّ العهد «كلّن يعني كلّن»، وذلك في وتيرة توسّعت لتشمل مناطق وقرى وبلدات لم يسمع اللبناني من قبل أنّه جرت فيها أيّ حركة احتجاجية، كما أنّ هناك مناطق كانت عصيّة على الاعتراض، لكنها شهدت ما يمكن اعتباره «انتفاضة»، سواء في صور أو في النبطية أو في بريتال.

وعلى مقربة من مقرّ الرئاسة الثالثة تحديداً، حيث وضِعت لافتة كُتِب عليها: «نحو مجلس الحرامية.. استعادة الأموال المنهوبة»، ورُسِم عليها سهمٌ يرشد إلى الشارع المؤدّي إلى ساحة رياض الصلح، الذي يقبع مجلس النواب على أحد تفرعاته، واصل المتظاهرون، في تظاهرتهم المليونيّة، قرارهم بكسْر الصمت وإطلاق العنان لصرخات الاحتجاج، بعيداً من مهلة الحريري، فأصرّوا على البقاء في الساحات، ما أبقى المشهد «مهتزّاً»، بفِعل الغضب الشعبي الذي تدحرج إلى مختلف شوارع بيروت وضواحيها ومعظم المناطق، رفضاً لفرض ضرائب جديدة في إطار موازنة 2020 التي يدرسها مجلس الوزراء، تمهيداً لإرسالها إلى مجلس النواب قبل انتهاء المهلة القانونيّة الثلاثاء المقبل، وذلك وسط ارتفاع منسوب المخاوف من دخول لبنان في الفوضى، إزاء مأزق بقاء الحكومة أو استقالتها، تاركةً البلد معلّقاً بلا موازنة أو حلول لأزماته المتفاقمة.

وفي السياق، تجدر الإشارة إلى أنه، وعلى إيقاع ما يحدث في سائر المناطق والمدن والبلدات اللبنانية، تحرّكت جاليات اللبنانيّين في المغتربات والعواصم العالمية، وأقامت وقفات تأييد لانتفاضة الشعب اللبناني على زعمائه السياسيّين، لعزلهم من سدّة الحكم والسلطة.

Email