تقارير «البيان»

الخرطوم.. دموع وزغاريد وذبائح

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال أحمد وهو يغالب دموعه: «أنا ما مصدق إننا اليوم نهتف بالحرية والسلام والعدالة داخل فناء قاعة الصداقة»، لم يكن أحمد وحده الذي امتزجت لديه مشاعر الفرح بتوقيع الأطراف السودانية على وثيقة الإعلان الدستوري مع مشاعر الحزن على من سقطوا خلال الثورة التي أطاحت بنظام البشير وجماعة الإخوان التي جثمت على صدور السودانيين لثلاثة عقود.

فَقاعة الصداقة التي تم التوقيع بداخلها على الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير لم يكن متاحاً لأحمد الطالب بجامعة السودان الاقتراب من فنائها باعتبارها واحدة من أهم معاقل حزب الرئيس المخلوع، فيها يقيم فعالياته ومنها تنطلق مواكب التأييد لبقائه، ويعني أن يتم التوقيع والاحتفال بفنائها لعامة الشعب الكثير، لذلك لم يكن مستغرباً أن يتدفق السودانيون إليها وهم فرحون بحصاد ثورتهم التي اقتلعت أركان حكم البشير.

ورغم سُحب الضباب التي ظللت المشهد السوداني خلال الأشهر الماضية وحالة الشد والجذب التي شهدتها جلسات التفاوض المتطاولة، فإن التوقيع الذي تم على الوثيقة الدستورية أزال الكثير من تلك الغيوم وفتح باب الأمل لدى السودانيون في الانتقال من الحرب إلى السلام ومن التضييق إلى رحاب الحريات، ومن الظلم إلى دولة العدالة والقانون.

وعلى سرج الأمل تدافع أمس عامة السودانيون محتفلين ابتداءً من قاعة الصداقة التي تم فيها التوقيع على الاتفاق الدستوري، حيث هتف من بالقاعة بشعار «مدنياووو» الذي يردده شباب الثورة كمطلب مناد بمدينة الدولة، وليس انتهاءً بطرقات العاصمة الخرطوم ومدن الولايات بالاتفاق، ففي قاعة الصداقة كان الحضور الإعلامي الكثيف يُشير إلى أن حدث ما يمكن أن يحدث لتغيير مجريات الأمور، ويكتب سطراً جديداً في تاريخ البلاد التي ظلت غارقة في الأزمات منذ استقلالها في يناير من عام 1956.

وبذات شعارات الثورة التي اندلعت شرارتها الأولى في التاسع عشر من ديسمبر من العام الماضي هتفت حناجر السودانيين مرددين «حرية سلام وعدالة»، وعلى الطرقات أيضاً عبر المارة عن تلك الفرحة التي انتظروا قدومها لسنوات امتدت طوال سنوات حكم الجبهة الإسلامية الذي أحال نهارهم إلى ليل من البطش والتنكيل، والانطلاق نحو مرحلة جديدة ترمم ما طالته يد التخريب وتبني مؤسسات الدولة التي انهارت بفعل سياسة «التمكين» التي انتهجتها حكومة الإخوان منذ مجيئها في عام 1989، فالجميع غمرته حالة احتفال العام.

انطلقت مواكب الفرح التلقائي في المدن السودانية، التي شهدت بعض أحيائها نحر الذبائح احتفالاً بالمناسبة، فيما أطلقت النساء الزغاريد مع بِشارات التوافق التي من المقرر اكتمالها في السابع عشر من الشهر الجاري بالتوقيع النهائي على الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري، الذي سيمثل صافرة البداية لمرحلة جديدة مهرها السودانيون بالدماء والدموع، ما يضاعف التحديات أمام الحكومة الانتقالية التي يأمل السودانيون أن تحقق مطالبهم في الحياة الكريمة بعيداً عن النزاعات والحروب والضنك الاقتصادي.

Email