حل النزاعات بوساطات أفريقية يُعزز دور دول القارة السمراء

أبرزت الوساطات الأفريقية لنزع فتيل الأزمات في السودان، دور الأفارقة أنفسهم في حل الأزمات داخل القارة السمراء دون الاعتماد على أطراف خارجية أخرى، سواء كان ذلك من خلال التكتلات السياسية المختلفة بالقارة أو عبر الاتحاد الأفريقي ككيان جامع للدول الأفريقية، أو الوساطات والجهود المنفردة التي تقوم بها دول بعينها من أجل إحلال السلام، ذلك بما يعزز دور دول القارة كقوة سياسية فاعلة في إحلال الأمن والسلم بواحدة من أكثر المناطق التي تواجه تحديات جمّة على عديد من الأصعدة.

والمتتبع لدور الاتحاد الأفريقي ومن قبله منظمة الوحدة الأفريقية في تأسيس هياكل الوساطات في النزاعات السياسية في القارة الأفريقية، يجد أن هذا الأمر له أصل في لجنة الوساطة والتحكيم داخل منظمة الوحدة الأفريقية التي تم تأسيسها في العام 1970.

اللبنة الأولى

كانت هذه هي اللبنة الأولى داخل منظمة الوحدة الأفريقية، قبل الشروع في تأسيس الاتحاد الأفريقي وتأسيس لجنة الوساطة والتحكيم والتوفيق داخل الاتحاد، وفق خبير الشؤون الأفريقية بالهيئة المصرية العامة للاستعلامات رمضان قرني، الذي يشير، في حديثه مع «البيان» إلى أن «الإشكالية الحقيقية التي كانت تواجه هذه اللجنة هي أن دورها اختياري، وأنها تتشكل بموافقة الدول طرفي النزاع».

لكن كان هناك تطور مهم في تحرك الاتحاد الأفريقي فيما يتعلق بالوساطات في الأزمات المختلفة، ذلك أن لدينا جهازين رئيسيين في هذا السياق، الأول هو مجلس السلم والأمن داخل الاتحاد، وهو يضاهي وبطبيعة الحال والتشكيل (الذي تمثل فيه الأقاليم الخمسة داخل الاتحاد) نفس الدور الذي يقوم به مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

ويقول قرني إن «هذا المجلس هو بمثابة أداة تنفيذية للاتحاد الأفريقي في الأزمات والصراعات التي تشهدها القارة الأفريقية، رأينا أبرز الأمثلة على دور هذا المجلس وهو دوره في وقف (تجميد) الأنشطة داخل الاتحاد أو إرسال قوات حفظ سلام أفريقية إلى بعض مناطق النزاع، ووجدنا ذلك في الصومال وليبيريا وأفريقيا الوسطى.. إلى آخره من النزاعات التي عرفتها القارة».

لجنة الحكماء

كما أن هناك آلية أخرى انتهجها الاتحاد أخيراً وتم تأسيسها في العام 2007 (أي بعد ثلاث سنوات من تأسيس مجلس السلم والأمن الأفريقي) وهي لجنة الحكماء التي ينظر إليها على أنها مجلس شيوخ قارة أفريقيا من أجل السلام.

دور متنامٍ

وطبقاً لخبيرة الشؤون الأفريقية الدكتورة هبة البشبيشي، فإن الدور الأفريقي-الأفريقي هو دور جديد نسبياً بالقارة «صحيح كانت هناك أدوار ووساطات حلَّ الأفارقة من خلالها مشكلاتهم بأنفسهم وبينهم البعض، لكننا الآن ومع تنامي هذه الأدوار خلال الفترات الماضية أمام دور أكبر جديد يظهر بصورة واضحة».

وتشير البشبيشي، في حديثها مع «البيان» إلى عدد من النماذج التي بدا فيها الدور الأفريقي ناجحاً إلى حد كبير، بداية من الدور الذي قامت به جنوب أفريقيا في حل أزمات في ناميبيا (جنوب غربي القارة الأفريقية)، وكذلك دور جنوب أفريقيا أيضاً في الكونغو (وسط أفريقيا) وتشجيعها لنتائج الانتخابات الأخيرة.

ويمكن هنا أيضاً الإشارة للدور الإثيوبي، سواء في مسألة المصالحة مع إريتريا، وكذا وساطة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لنزع فتيل الأزمة في السودان. وحتى دور الخرطوم مع جنوب السودان في العام 2018 أثناء حكم الرئيس السوداني عمر البشير، في مسألة الوساطة لحل نزاع جنوب كردفان والنيل الأزرق.

وتشير البشبيشي إلى أن «منطقة غرب أفريقيا متطورة أكثر في هذا الإطار، ذلك أن لديهم غطاء سياسياً ممثلاً في الإيكواس». ويضاف إلى تلك النماذج الأدوار المنفردة لبعض الدول، من بينها دور إريتريا في السودان أخيراً، وكذا دورها في اتفاق السلام في جنوب السودان، وأيضاً السلام مع إثيوبيا بعد 20 عاماً من الحرب.

وتختتم خبيرة الشؤون الأفريقية حديثها مع «البيان» بالإشارة إلى الدور المصري، الذي تعتبره «الدور القائد»، ذلك أن مصر تقود القارة لطموحات أكبر من مجرد دور الوسيط.

العصا والجزرة

وفي المقابل، فإن خبير الشؤون الأفريقية عطية عيسوي، يتبنى رأياً مغايراً بخصوص تقييم الوساطات الأفريقية، ويصفها في حديثه مع «البيان»، بأنها «لم تكن ناجحة»، على أساس أن الدول الأفريقية وحتى الاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية لا تمتلك «العصا والجزرة» التي يمكن من خلالهما إجبار طرفي النزاع في أي نزاع على الاستجابة لتلك الوساطة، إذ ليس لدى الوسطاء الأفارقة قوة مؤثرة تغري المتنازعين بالمساعدات والمعونات، ولا قوة تطبيق عقوبات حاسمة.

الأكثر مشاركة