محمد وردي.. الحاضر الغائب في الثورة السودانية

الفنان السوداني الراحل محمد وردي سجّل حضوراً طاغياً في ثورة ديسمبر التي أطاحت بواحدة من أشد الديكتاوريات الإفريقية. ورغم الغياب إلا أن أغانيه كانت الملهمة والملهبة لحماس الثوار في ميادين الثورة السودانية التي أنهت ثلاثة عقود من حكم الرئيس المخلوع عمر البشير المسنود من جماعة الإخوان، التي عملت طوال عهدها على طمس الكثير من القيم السودانية التي طالما تغنّى وردي ممجّداً لها. وكم علا صوته وترنّم بـ«عَشانَك يا بَلَد، يا نيل، يا ليل، يا سَمِح.. يا زين، يا بَلدي يا حَبوب، أبو جلابيَّة وتوب».

وتألّقت أغاني وردي الفنان الثائر في ميادين الثورة الشعبية الراهنة بذات الألق والحضور التاريخي الذي سجّله وردي مشاركاً فاعلاً في ثورتي أكتوبر 1964 التي أطاحت الرئيس إبراهيم عبود، وأبريل 1985 التي أطاحت الرئيس جعفر نميري. وظلّت أناشيده الثورية التي تغنى بها في الانتفاضتين ملهمة للجماهير السودانية رغم مرور السنوات وتبدل الأجيال.

تحدّي الظلم

ومثّلت قصيدته التي صاغ كلماتها الشاعر السوداني الراحل مرسي صالح سراج، واحدة من أروع الغناء الثوري لما تحمله من معانٍ تتحدى الظلم وقهر الشعوب وكيف تمكّن الشعب السوداني من إملاء إرادته، حيث يقول مطلع القصيدة: «قالوا تخاذل واندثر، ومضى وليس له أثر، قالوا تملّكه الحذر، ورأى السلامة في التمنّي واستكان إلى الخدر، قالوا سهى.. قالوا لهى من قالها؟، اليوم جاءهم الخبر، كالفجر كالبوق المدوي في ركاب المنتصر، الشعب ليس بغافل مهما تمالك أو صبر، الشعب إن رام المحال له مضى وبه ظفر، الشعب يعرف كيف يملي ما يريد على القدر»، هذا بجانب قصيدته ذائعة الصيت يقظة شعب «هامَ ذاك النّهرُ يستلهـمُ حُسنا، فإذا عبْرَ بلادي ما تـمنّى، طرِبَ النّيلُ لَدَيْها فتثنَّىَ، فأروي يا تاريخ للأجيالِ عنـّا، ثائرٌ إذ هبَّ من غفوتِهِ، ينشدُ العلياءَ في ثورتِهِ، كاندفاع السّيلِ في قوّتِهِ».

أكتوبريات

هذا بجانب مجموعة من القصائد التي أبدع في أدائها وردي عبر ثنائيته مع الشاعر الدبلوماسي محمد المكي إبراهيم أو ما عرف بمجموعة «الاكتوبريات» والتي جميعها تمجد ثورة الشعب السوداني ضد نظام الرئيس عبود، وعلا صوت وردي مردّداً قصيدة «باسمك الأخضر يا أكتوبر الأرض تغني، والحقول اشتعلت قمحاً ووعداً وتمني، والكنوز انفتحت في باطن الأرض تنادي، باسمك الشعب انتصر، حائط السجن انكسر، والقيود انسدلت جدلة عـُرس في الأيادي».

ولمحمد وردي آراء واضحة تجاه الحكم الدكتاتوري، وتصدى لذلك بعدد من القصائد والتي بسببها تعرض للسجن والمضايقات، ولم يسلم من ذلك بعد تولي الجبهة الإسلامية للحكم في العام 1989، ما اضطره للهجرة لأكثر من عقد قضى جلّها في القاهرة. ويتجلى ذلك في أغانيه المناهضة للسجون وكبت الحريات، حيث غنى للشاعر السوداني الكبير محمد مفتاح الفيتوري «أصبح الصبح، ولا السجن ولا السجان باق، وإذا الحزن الذي كحل هاتيك المآقي، والذي شد وثاقاً لوثاق، والذي بعثرنا في كل واد، فرحة نابعة من كل قلب يا بلادي».

أيقونة الأجيال

ومثلت أغنيته التي صاغ كلماتها الشاعر الثائر محجوب شريف أيقونة ثابتة ترددها الأجيال في محافل الثورات، ويحفظها الجميع كواحدة من الإرث الثوري لملاحم الشعب السوداني ضد الظلم: «على أجنحة الفجر ترفرف فوق أعلامك، ومن بينات أكمامك، تطلع شمس أعراسك، يا شعباً لهبت ثوريتك، أنت تلقى مرادك وفي نيتك، عمق إحساسك في حريتك، يبقى ملامح في ذريتك».

استطاع الفنان وردي بما تركه من إرث غنائي للثورات أن يلهم الأجيال السودانية المتعاقبة بما فيها الجيل الحالي الذي حرّك ثورة ديسمبر التي أطاحت البشير.

وكان حضور وردي الطاغي في ثورة ديسمبر من خلال ترديد قصائده في ميادين الاحتجاجات، وفرضت روح فنّه نفسها أدباً للثورات السودانية، وباتت أغنياته صالحة لجميع الأزمان لما فيها من معانٍ ثورية سامية، روت عطش الجماهير المتطلعة للحرية والسلام والعدالة، وشكلت وجداناً ثورياً متّقداً، ومثّلت منبعاً عذباً لدى شباب اليوم الذين لم يعاصروا الثورات السابقة، وجعلت من وردي أيقونة سودانية.

 

الأكثر مشاركة