في وداع الشهيد المسعف | من المصدر

الجديلي مسعف أنقذ مصاباً واستُشهِد

على سرير مستشفى الشفاء في المكان الذي كان يتلقى فيها المسعف محمد الجديلي العلاج، أقام أهله حفل عيد ميلاد له تصادف مع وجوده في المستشفى، لكنه فاجأ الجميع وأحضر شمعة واحدة وأشعلها بنفسه، وعندها سألته زوجته عن السبب، فأبلغها أنه سيبدأ عاماً جديداً مختلفاً عن سنواته الماضية.

لكن بعد رحلة علاج بدأت في مستشفى الشفاء بغزة، ثم مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، ثم انتقاله للعلاج في الخليل، عاد محمد شهيداً إلى أهله.

محمد الجديلي (36 عاماً) كان يعمل في جهاز الإسعاف الخاص بالهلال الأحمر الفلسطيني، لكن رصاص الاحتلال لا يفرق بين متظاهر ومسعف وصحافي في المظاهرات السلمية على طول السياج الفاصل، فلحق الجديلي بركب الشهداء.

جلس محمد مع أطفاله الأربعة في ليلته الأخيرة داخل منزله، بعدما تم نقله إلى بيته بعد رحلة علاجه في مستشفى الشفاء، وطلب طعام السحور في آخر شهر رمضان، وهو اليوم الوحيد الذي عاد فيه لمنزله لوداع أطفاله، قبل أن تتدهور صحته وينقل لمستشفى الأقصى. جهّزت زوجته الطعام وجلس الجميع، وبدأ محمد بإطعام أطفاله بيديه، قائلاً لزوجته: «بدي أجيب لأولادي كل حاجة لما أسافر للعلاج».

على الأكتاف

وبدموع انهمرت قبل قرب وصوله إلى بيته محمولاً على أكتاف رفاقه في جهاز الإسعاف لإلقاء نظرة الوداع عليه، قالت زوجته أم عادل لـ«البيان»: كان محمد حنوناً على أطفاله، ولا أعرف كيف سأتعامل معهم وأعوّضهم حنان الأب.

محمد متزوج منذ 12 عاماً، ولديه 4 أبناء أكبرهم يبلغ من العمر 11 عاماً، وأصغرهم 7 أشهر. وشعر بوجع كبير قبل مغادرته لبيته في زيارته الأخيرة لعدم حصول طفله الأصغر على الحنان الكافي منه لصغر سنه.

«مش عارف كيف بدهم يعيشوا أولادي من وراي» كانت هذه الجملة التي رددها محمد أكثر من مرة في زيارته الأخيرة لبيته، وكانت تزعج زوجته التي أوحت لها هذه الكلمات بقرب رحيله، وتصده بالقول: «أنت حتروح تتعالج وترجع سالم غانم».

وأصيب محمد في مسيرات العودة منتصف رمضان الماضي، خلال إسعافه لطفل أصابه الاحتلال برصاصة في يده في منطقة أبو صفية شرق جباليا، ورفض الاحتلال علاجه من خلال استهداف كل من يقترب منه.

هول المشهد

عم الصمت أرجاء المكان من هول المشهد، وعدم قدرة أحد من الاقتراب من الطفل بعد إحاطته بقنابل الغاز وقربه من السياج الفاصل.

لكن محمد تحدى الاحتلال من أجل إسعاف الطفل، وعندما تقدّم نحوه وبدأ بعلاجه، استهدفه الاحتلال بالرصاص، فتدهورت صحّته على الأثر وتوقف قلبه مرات عدة خلال رحلة العلاج التي استمرت أسبوعين تقريباً. تلطخت السترة البيضاء للمسعف بدمائه، ورحل شهيداً، لتبقى السترة شاهدة على جرائم الاحتلال، وتحتضنها زوجته أم عادل، بعد رحيله الأبدي، وتستقبله فيها في وداعه الأخير.

لم تتحمل زوجته مشهد غيابه فلحقت به مع أطفالها إلى المسجد القريب من منزلها قبل الصلاة عليه، وهناك صرخت طفلته الصغرى: «بدي بابا، بدي بابا»، لتنهمر دموع الحاضرين.