خبراء طاقة لـ« البيان»: تعطيل الملاحـــــة يهدّد السـلام الاجتمـاعي في أوروبا

ت + ت - الحجم الطبيعي

حذر مستشارون وخبراء في مجال الطاقة من خطورة اللعب بورقة «الاستهداف التخريبي» لناقلات النفط في المياه الدولية، سواء على حركة الاقتصاد العالمي، أو مؤشرات التنمية المستدامة في العالم، وحتى بالنسبة للمخاطر البيئية التي قد تنجم عنها كوارث بيئية يصعب مواجهتها، إضافة إلى الهزات العنيفة للأسواق خاصة في الدول الصناعية والدول ذات الاستهلاك العالي للنفط .

 

والتي تعتمد بنسبة كبيرة على مصادر النفط من الخليج العربي، مؤكدين لـ«البيان» أن مفوضية الطاقة الأوروبية والجهات المعنية بأمن الطاقة في العالم تنظر لهذا الحادث تحديداً بقلق بالغ، سيما أنه ليس الأول، وبالتأكيد لن يكون الأخير ما لم يتحرك المجتمع الدولي لمواجهة الجاني الذي بات معروفاً للجميع، ويصر أن «يعض على إصبع» المجتمع الدولي.

إرهاب متعمد

وقال مدير مركز الطاقة بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والمستشار بالوكالة الدولية للطاقة (IEA)، جان كلود فوكس، لـ«البيان»، إن الطاقة، وخاصة النفط ومشتقاته، هي بمثابة الدماء في جسد الإنسان، وحركة الملاحة التجارية عموماً والنفطية على وجه الخصوص لا يمكن قبول التلاعب بها، أو استغلالها لـ«العض على أصابع المجتمع الدولي» لأهداف سياسية.

وتكرار حوادث استهداف السفن وناقلات النفط في منطقة الخليج ومضيق هرمز وبحر عُمان وبحر العرب ومنطقة باب المندب أمر مثير للقلق الدولي، سيما أنها في تزايد وأخذت شكلاً إرهابياً متعمداً، وتحولت سفن النفط «شريان حياة الدول الصناعية» لرهائن في يد أشخاص متهورين، وهذا يعني أن العالم كله في خطر، ليس خطر شلل الصناعة والنقل وكل القطاعات المعتمدة على النفط في التشغيل.

لكنه شلل أيضا في التنمية المستدامة، وحركة الاقتصاد العالمي، وأسعار النفط، وهو ما يهدد السلام الاجتماعي في دول أوروبا على وجه الخصوص، في وقت تعاني فيه الموازنة العامة الفرنسية من تداعيات تخفيض الضرائب على الطاقة، وشهدت الدولة احتجاجات لمدة 7 أشهر، والأمر نفسه حدث بشكل أقل في دول أوروبية أخرى مثل بلجيكا وألمانيا، ولاحظنا منذ صباح يوم الخميس حالة الفزع التي انتابت المفوضية الأوروبية للطاقة بسبب تهديد حركة الملاحة في مضيق هرمز، تهديداً يستدعي تحركاً سريعاً وحاسماً من المجتمع الدولي.

شظايا طالت الجميع

في السياق، أكد أستاذ اقتصاديات الطاقة بجامعة مونبلييه ومدير مركز البحوث الاقتصادية في الطاقة بباريس، جوني كاستيلون، أن مسألة تأمين مصادر الطاقة لدول الاتحاد الأوروبي مسألة مقلقة منذ أزمة الطاقة عام 1974، كون الطاقة البترولية وخاصة القادمة من منطقة الخليج العربي نحو الكثير من دول العالم بحجم يتجاوز 30 في المئة من إمدادات النفط في العالم، تعد عماد الاقتصاد الأوروبي، وحتى الدول الصناعية الكبرى في آسيا وعلى رأسها الصين واليابان وماليزيا وسنغافورة، واستهداف ناقلات نفط في بحر عُمان يوم الخميس الماضي حادث لم يصب أمريكا أو موجه لترامب أو دول الخليج، إنما شظاياه طالت المجتمع الدولي ككل، ومست ميزانياته وخزانة أغلب الدول بعد ارتفاع أسعار النفط.

وما تبع الحادث من تحركات اقتصادية سريعة مثل ارتفاع أسهم شركات نقل النفط، والتأمين، وغيرها من تداعيات وارتباكات باتت «لعبة» في يد أشخاص متهورين، في طريقهم لشل نصف اقتصاد أوروبا في لحظة، ما لم يتم العمل سريعاً على تأمين الملاحة في الخليج، ومواجهة الهجمات الإرهابية ضد السفن التجارية وناقلات النفط.

إرهاب بيئي

وأشار رئيس لجنة الطاقة وتغيير المناخ في المجلس الوطني للبحوث العلمية بباريس، بيير كنتيز، إلى أن الاستهداف التخريبي لناقلات النفط عمل إجرامي إرهابي خطير للغاية على التوازن البيئي وسلامة العالم، ولو حدث تسريب نفطي من إحدى الناقلات أياً كان المشتق النفطي الذي تحمله سوف يؤدي لكارثة بيئية سوف يدفع الجميع ثمنها غالياً، سيما أن المشتقات النفطية بجميع أنواعها أقل كثافة من الماء، ما يعني أن تسريب ناقلة نفط واحدة كفيل بتغطية سطح بقعة مهولة من الماء في المحيط، يعني كارثة بيئية بكل المقاييس.

وهذه المشتقات البترولية يصعب تذويبها أو جمعها أو التخلص منها بسهولة، كارثة لا يمكن أن يتصور مداها أحد، وقد عملت لجان السلامة البحرية حول العالم خلال ربع قرن على ضمان عدم حدوث مثل هذه الكوارث، بالتنسيق مع القوى الدولية والمؤسسات الأممية والهيئات المعنية بالمناخ، منظومة بالكامل عملت لسنوات من أجل ضمان عدم وقوع كوارث مثل هذه، وهناك قوانين رادعة واتفاقيات ملزمة وقعت عليها جميع الدول المطلة على الخليج العربي ومضيق هرمز، وعلى المجتمع الدولي التدخل الناجع لمواجهة هذه الجريمة التي هددت السلام البيئي في العالم، لضمان عدم حدوث كارثة جديدة.

Email