قطر نموذجاً.. وإيران تتحايل بها على العقوبات

العملات الإلكترونية.. الممر الخلفي لتمويل الإرهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

من بين أبرز التحديات المعاصرة التي تواجه التصدي للإرهاب اعتماد التنظيمات الإرهابية على التقنيات التكنولوجية الحديثة، سواء في التسليح أو في استقطاب عناصر موالية جديدة أو حتى في عمليات التمويل والدعم، سواء ذلك الدعم الذي تحصل عليه التنظيمات من دول وجهات داعمة للإرهاب، أو ذلك الذي تجنيه بنفسها من خلال استغلال ثروات المناطق التي كانت تلك التنظيمات تسيطر عليها، وكذا عمليات غسيل الأموال بالتواطؤ مع دول وجهات صاحبة مصلحة تُسهل تلك العمليات.

العملات الرقمية أحد تلك الأوجه التي قد تمثل ممراً خلفياً لتمويل الإرهاب بعيداً عن أعين الرقابة ورصد التدفقات المالية عبر البنوك المركزية والجهات ذات الصلة، وعلى رغم ما تتمتع به تلك العملات من مزايا باعتبارها إحدى منصات التمويل الحديثة التي يمكن توظيفها بصورة إيجابية، إلا أن عدم خضوعها لرقابة حقيقية يجعلها فرصة أمام التنظيمات الإرهابية والدول الداعمة للإرهاب كأداة تمويلية جديدة.

ثمة العديد من الشواهد المرتبطة باستخدام وتوظيف العملات الرقمية في دعم وتمويل الإرهاب، تدفع إلى دق ناقوس الخطر بشأن مخاطر تداول تلك العملات في إطار بعيد عن الرقابة على رغم ما تتمتع به من مزايا مختلفة. وقد وجدت دولة مثل «قطر» في تلك العملات وسيلة أو ممراً خلفياً لمواصلة تدفقاتها المالية للإرهاب - على حد قول خبراء اقتصاد وطبقاً لتقرير حديث بثته قناة مباشر قطر - فضلاً عن إيران التي تجد في العملات الإلكترونية وسيلة للالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.

عمليات التتبع

والعملات الرقمية تعد من العملات التي يصعب تتبع قيودها ومعرفة المتمولين والممولين بها، كما أنها لا تخضع لرقابة البنوك المركزية ومعايير ومتطلبات إصدار وتداول العملات التقليدية، لذا يمكن القول إنها إحدى أدوات «التمويل القذر» الذي يسعى طرفا العلاقة إلى إخفائها عن الجهات الرقابية وإخفاء كل من له علاقة بها، وربما يكون هذا الأمر من مسببات ازدهارها عالمياً، طبقاً للمحلل الاقتصادي والمصرفي السعودي فضل بن سعد البوعينين.

ويُعتقد بأن هناك الكثير من التدفقات المالية التي تصل إلى أيدي التنظيمات الإرهابية من خلال المدفوعات الرقمية، وهي جزء من الانتقادات العالمية الموجهة للعملات الرقمية. ويقول المحلل الاقتصادي لـ«البيان»: «أعتقد بأن غالبية ممولي جماعات الإرهاب باتوا على علاقة بالتحويلات الرقمية، ومنها الحكومة القطرية التي اعتمدت على آلية التمويل الرقمي بعد أن كشف أمر تمويلها النقدي الذي كانت الطائرات الخاصة تنقله إلى وجهتها النهائية».

ويبدو أن العملات الرقمية أصبحت تحت المجهر، وباتت الجهات الرقابية الدولية تطالب بتطبيق متطلبات ومعايير الرقابة عليها، وهي وإن كانت صعبة التنفيذ – بحسب البوعينين - إلا أن المطالبة بتحقيقها قد تعيد تشكيل منظومة العملات الرقمية لتكون تحت مظلات بنوك مركزية بدلاً من مرجعياتها المجهولة عالمياً.

وأطلقت الدوحة في وقت سابق منصتها الإلكترونية لتبادل العملات الرقمية المدفوعة والتي تحمل اسم «آي دينار»، وذلك على هامش فعاليات مؤتمر الدوحة الخامس للمال الإسلامي الذي شاركت فيه أيضاً كل من تركيا وإيران. بينما عدَّ تقرير بثته قناة «مباشر قطر» لجوء «تنظيم الحمدين» لإطلاق تلك المنصة بمثابة «محاولة ضمن محاولات البحث عن سبل جديدة تتمكن الدوحة من خلالها من مواصلة دعم الإرهاب والتطرف».

بوابة لدعم الإرهاب

وطبقاً للتقرير ذاته، فإن «تنظيم الحمدين يسعى للتعتيم على الهدف الرئيس من وراء إطلاق تلك المنصة التي هي في واقع الأمر بوابة لدعم وتمويل الإرهاب، على أساس أن هذا النوع من العملات يعمل خارج المظلة الرقابية وهنالك صعوبة في تتبعها». ووصف التقرير ذاته المنصة القطرية الجديدة بأنها «وسيلة آمنة لقطر لتمويل الإرهابيين وغسيل الأموال التي تصب في جيوب العناصر والتنظيمات المتطرفة».

والخطورة في العملات الرقمية تكمن في كونها عملات لا تمارس البنوك المركزية أية رقابة عليها، وبالتالي عملية تمويل الإرهاب وغسيل الأموال وأية أنشطة مشبوهة وغير شرعية يُمكن أن تتم من خلالها، على أساس عدم وجود رقابة عليها، وبالتالي يتم استخدامها في أية تجارة غير مشروعة، طبقاً لما يؤكده الخبير الاقتصادي نائب المدير التنفيذي لمركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية الدكتور علي عبدالرؤوف الإدريسي لـ«البيان»، والذي يشدد أن ذلك ينضم إلى ما تنطوي عليه تلك العملات من نسب مخاطرة عالية.

دراسة إيطالية أجريت في ديسمبر الماضي ونشرتها مجلة «بيزنس إنسايدر إيطاليا» الإلكترونية، حذّرت من مخاطر عملة البيتكوين، وكشفت عن «زيادة تمويل الإرهاب من خلالها»، وأن عناصر تلك الجماعات الإرهابية وكذا المتعاطفين معهم يستخدمون تلك العملة المشفرة ويقومون بالترويج لها منذ سنوات.

ومن بين أبرز الشواهد المؤكدة لاعتماد التنظيمات والعناصر الإرهابية على العملات المشفرة، نشر تنظيم داعش الإرهابي في العام 2015 عنواناً على شبكة الإنترنت ليتمكن أنصاره من إرسال الأموال للتنظيم باستخدام عملة «البيتكوين». وكانت وزارة الدفاع الأمريكية في العام 2014 قد أعلنت عن تحققها من تهديدات أمنية متوقعة من خلال عملة افتراضية «يمكن أن تستخدم في دعم الإرهاب والهجمات الإرهابية».

محاولة إيرانية

وعلى النهج ذاته، فإن طهران الساعية إلى الهروب من تداعيات العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، تتخذ خطوات فعلية للالتفاف على تلك العقوبات ومنها إطلاق عملة رقمية – طبقاً لما ذكرته وكالة مهر الإيرانية في نهاية يناير الماضي - ويُعتقد بأن تلك العملات المشفرة – وبخاصة البيتكوين - من الممكن أن تساهم إلى حد كبير في مساعدة نظام الملالي على تلك المواجهة والالتفاف على العقوبات بوضوح، وذلك بالاستفادة من عدم خضوع تلك العملات لنظام رقابي. يقول الباحث بالشؤون الإيرانية أحمد أمير لـ«البيان» في ذلك الصدد إن «البيتكوين أو العملة الإلكترونية يصعب تتبعها، وبالتالي فإن إيران تسعى من خلالها للالتفاف على العقوبات».

ويتابع: «إن تسمية المرشد الإيراني للعام الشمسي الجديد (ازدهار الإنتاج) علامة واضحة على أن تركيز النظام الإيراني الآن ينصب على إنتاج البضائع المحلية ومحاولة إنعاش حركة النشاط التجاري للبضائع الإيرانية لتقليص حجم التعلق بالاقتصاد النفطي قدر الإمكان (..) وعلى اعتبار أن العقوبات الأمريكية تشل حركة الاقتصاد الإيراني كان يجب على النظام الإيراني أن يجد حيلة أخرى تسهل له عملية التبادل التجاري ومن هنا نجد أن البيتكوين أو العملة الإلكترونية يصعب تتبعها».

فإذا كانت الشركات الكبرى في أوروبا بصفة خاصة أو في العالم بصفة عامة تخشى من العقوبات الأمريكية القاسية فربما تتجه الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى تسيير صفقاتها التجارية مع إيران عن طريق العملات الإلكترونية، بحسب أمير الذي يستطرد قائلاً: «فلا ننسى أن نظام العملات الإلكترونية أو البيتكوين قد تم إنشاؤه بهدف الابتعاد عن التعامل مع البنوك المركزية والمؤسسات المالية الكبرى.. كما أن البيتكوين يسمح لإيران بشراء بضائع لا تستطيع شراءها بالعملة التقليدية».

ضوابط مقترحة

يقول الخبير الاقتصادي الدكتور وائل النحاس، إن هنالك عملية تمويل إرهاب عبر العملات الرقمية تم رصدها في لندن، وهو ما يؤشر على أن تلك العملات يمكن استغلالها فعلاً في تمويل الإرهاب إلى جوار الوسائل التقليدية الأخرى، ومن ثمّ فإن هناك مخاوف فعليّة ناتجة عن تلك العملات، لكن في الوقت ذاته هنالك أيضاً مزايا لها ومن بينها سرعة التحويلات وسرية وتأمين الحسابات والأرصدة، وعليه يمكن إخضاعها إلى رقابة البنوك المركزية كإحدى منصات التمويل، ووضع محاذير واضحة وضوابط لعدم استغلالها في تمويل الإرهاب، بحيث يتم منح تراخيص للمتعاملين بها تحت رقابة البنوك المركزية.

ويشير النحاس لـ«البيان» إلى أن التقلبات السياسية والاقتصادية في بعض البلدان يمكن أن تكون حافزاً لتلك العملات، كما يمكن أن تلجأ دول إليها بشكل مباشر للتغلب على أوضاعها الاقتصادية الداخلية، ويمكن أيضاً لمستثمرين أن يهرّبوا أموالهم من الداخل للخارج بسهولة من خلالها، وهذا من بين المخاوف التي يمكن أن تكون مقلقة أيضاً في ما يتعلق بالعملات الرقمية، والتي يمكن التغلب عليها من خلال وضعها تحت رقابة البنوك المركزية.

Email