مصر .. لاجئون سوريون مرضى في «طابور الانتظار»

«عندي عملية صار لي ثمانية أشهر مقدمة عليها، ولهلا (حتى الآن) ما أجا (لم يأتِ) الرد.. لح (سوف) تعمى عيوني»، صرخة استغاثة نشرتها السيدة السورية أم أحمد سالم، عبر الصفحة الخاصة باللاجئين السوريين في مصر التابعة لـ«المفوضية السامية لشؤون اللاجئين» عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك».

روت فيها جانباً من معاناتها مع مرضٍ ألم بعينيها تطلب تدخلاً جراحياً عاجلاً حتى لا تفقد البصر، لكنّها حتى اللحظة وعلى مدار أكثر من ثمانية أشهر لم يأتِها الرد من جانب المفوضيّة والجهات التابعة بخصوص إجراء العملية المطلوبة، حتى صارت مُهددة بفقدان نظرها.

تزدحم الصفحة بالكثير من التعليقات المماثلة التي يشارك فيها بعض اللاجئين معاناتهم مع أمراض مزمنة (حرجة وغير حرجة) يعانون منها، وبعضهم بحاجة ماسّة إلى عمليات جراحية عاجلة يقفون في طابور الانتظار أملاً في ردٍ بتحديد موعد لإجراء العملية من طرف الجهات المختصة بدعم ومساندة اللاجئين السوريين في مصر.

«ك.ك» هو واحد من أولئك الذين يعانون من أمراضٍ مزمنة ويقفون في «طابور الانتظار» وقد كان يحصل على العلاج من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر لكن علاجه توقف منذ ما يزيد على شهر كامل، اضطر مع ذلك طرق كل الأبواب لتأمين الحصول على العلاج المناسب، بخاصة أنه يعجز عن توفيره لنفسه لارتفاع تكلفته الشهرية.

مرض مزمن

بكلمات ممزوجة بأسى وغضب عميقين، يروي (ك.ك): القادم إلى مصر من غوطة دمشق قبل سنوات - قصة معاناته لـــــ «البيان» مستهلاً حديثه بالإشارة إلى أنه يعاني من أكثر من مرضٍ مزمن وليس مرضاً واحداً، فهو يعاني من التهاب القولون مع تقرحات ونزيف.

إضافة إلى إسهال دموي، وذلك فضلاً عن التهاب المفاصل والأنيميا، وقد كان يحصل بصورة طبيعية على العلاج المناسب لحالته من قبل المفوضيّة السامية لحقوق الإنسان خلال العام الماضي 2018، لكن بحلول العام الجديد توقف العلاج، بعد أن تم تغيير الجمعية التي تقدم الخدمات الصحية للاجئين السوريين في مصر بالتعاون مع المفوضية.

يقول (ك.ك) الذي نتحفظ على ذكر اسمه كاملاً بناءً على رغبته، إنه منذ أن توقف العلاج ذهب إلى الجمعية الجديدة فأحالته إلى جهة أخرى تابعة للمفوضية، ثم أحالته تلك الجهة إلى الجمعية، وهكذا أخذ الطريق ذهاباً وإياباً بين الجهتين أكثر من مرّة، كلفه ذلك وقتاً وجهداً كبيرين.. هو الذي يعاني من أمراض عدة، والذي اضطر أن يقطع تلك المسافات الطويلة بين الجهتين لتأمين علاجه دون جدوى.

يُقدر (ك) كلفة العلاج الشهري الذي يحصل عليه بنحو أكثر من 700 جنيه مصري (بما يعادل 40 دولاراً تقريباً)، وهو مبلغ كبير نسبياً بالنسبة للاجئ سوري يعاني جملة من الأمراض المزمنة التي تؤثر عليه وعلى طبيعة عمله، بموازاة الضغوط الحياتية التي يواجهها اللاجئون من دفع إيجارات المنازل وغير ذلك من مصروفات شهرية تثقل كاهل الأسر.

مرض إضافي

يتساءل (ك): لماذا «يعذبون الناس، وهم لهم حق رسمي في أخذ العلاج للمرض المزمن»؟ ويقول،: إن تلك المعاناة ما هي .إلا مرض إضافي يُضاف لقائمة الأمراض التي يعاني منها. ويشير في الوقت ذاته إلى أنه ليس الوحيد ممن يعانون من أمراض مزمنة (حرجة أو غير حرجة) من اللاجئين السوريين المسجلين بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان ــ التي تواصلت معها «البيان» دون أن تتلقى رداً بعد بشأن تلك الحالات - لكن الكثيرين غيره ينتظرون صرف العلاج أو إجراء عمليات جراحية عاجلة غير قابلة لأي تأجيل.

وعبر صفحة المفوضية الخاصة باللاجئين في مصر، ثمة العديد من المنشورات التي تشرح طريقة وأماكن الحصول على العلاج لأصحاب الأمراض المزمنة، سواء الأمراض الحرجة أو غير الحرجة، بموازاة ذلك تبزغ شكاوى مختلفة من صعوبة الوصول أو توقف العلاج وتأخر الرد في مسألة إجراء عمليات جراحية خطرة.

130

يقدر عدد السوريين في مصر بنحو 130 ألفاً، وأصبحوا يشكلون إحدى أكبر الجاليات في مصر، بل إن بعضهم قرر البقاء فيها مهما كلّفه الأمر، وأصبح حلم البعض الآخر الحصول على الجنسية المصرية.

السوريون في مصر، عنوان بدا لافتاً لكل الجهات الرسمية المصرية، ولمراكز الأبحاث والدراسات، وظاهرة بدأت جهات رسمية وغير رسمية في رصدها وتناول تطوراتها وأبرز مراحل نموّها، فقد شكّلوا حالة من الزخم لفتت انتباه الجميع، وأعطوا دروساً في كيفية التأقلم والحياة رغم الظروف الصعبة التي تمر بها بلادهم.

وفي عام 2014 قُدر عدد السوريين في مصر بـ 500 ألف، غادر عدد كبير منهم إلى الدول الأوروبية، حيث شكّلت مصر بالنسبة للعديد من السوريين محطة عبور نحو أوروبا. وتتنوع المهن التي يبرع فيها السوريون بمصر، ولعل أبرزها صناعة الحلويات السورية المعروفة على مستوى عالمي، وكذلك المطاعم التي تقدم «الأكلات الشامية».