أطفال مجنّدون يروون لـ «البيان» قصة الزج بهم في القتال

ت + ت - الحجم الطبيعي

تواصلت «البيان» عبر مركز إعادة تأهيل الأطفال مجندي الحرب في اليمن مع ثلاثة أطفال سردوا لنا قصصهم وكيف أصبحوا وقوداً للحرب في اليمن يقاتلون مع جماعة الحوثي المتطرفة، والمؤسف في هذه القصص أن المحرك الرئيسي للزج بهم في تلك المآسي أشخاص من الأقرباء، ساهموا بشكل مباشر في غسل أدمغة هؤلاء الأطفال وتحويلهم إلى جنود لصالح الحوثي.

الحرب حولت «علي» ابن الـ13 عاماً من طفل طبيعي يحب اللعب مع أصدقائه في الحي إلى شخصية كتومة، تتهرب دائماً من ماضيها. لا يحب الحديث مع الآخرين، قليل التركيز وانطوائي، يميل للعزلة، تلاحظ في ردوده نوعاً من العدوانية المغلفة بالقلق.

علي الذي كان يسكن في قرية تابعة لمحافظة مأرب، جنّدته الميليشيات المسلّحة منذ سيطرتها على المديرية ليشارك معهم في حروبها، تعرض لصدمات عنيفة أثناء ذلك. يقول: قبل الحرب كنت في القرية مع أسرتي نعمل في الزراعة ولدينا بقالة أعمل فيها بعد عودتي من المدرسة وحين أتت الميليشيات، انقلب الحال.

ويضيف «كان هناك مشرف من الحوثيين يقال له أبو سرحان أتى ليجندني وطلب مني الانضمام إليهم ومع كثرة الحاجة لم أتمكن من مقاومته فتمكن أخيراً من الزج بي في أحد المراكز التابعة للحوثي، حيث تلقيت دورات كثيرة في الأفكار والعقيدة لأجد نفسي في نهاية المطاف وبلا وعي جندياً في إحدى النقاط الأمنية التابعة لهم، حيث دربوني على تركيب السلاح. وأثناء ذلك جعلوني أتناول القات وأتعاطى السجائر، وكل ذلك كان يترافق مع إنشاد الزوامل».

ويتابع «حين بدأ الجيش الوطني يتقدم نحو مديريتنا اتصل خالي الذي يعمل قائداً في الجيش لينصحني بالهروب من الميليشيات ونجحت في العودة إلى مأرب بعد معاناة مريرة لألتحق بالمشروع في أول دوراته واستطعت أن أتخلص من العدوانية والقلق وأقلعت عن عاداتي السيئة كمضغ القات والدخان ولا أخفي أني كنت خائفاً ومتوجّساً من المشروع حتى مضت الأيام وتعلمت كيفية التخلص من الصدمات النفسية وحقوق الطفل وفن الرسم والخط وكيف أختار أصدقائي وأخطط لمستقبلي».

كابوس مرعب

رضوان ابن الـ14 عاماً جاء من إحدى قرى مديرية مجزر في محافظة مأرب ويدرس حالياً في الصف الخامس الابتدائي، حيث تأخر ثلاثة أعوام عن مواصلة الدراسة جراء الحرب. يقول: «كنا نعيش في أمن ووئام في قريتنا وكنت طالباً مجتهداً في مدرستي، أشاطر أصدقائي اللعب في أزقة الحارة.

لكن كل ذلك تحوّل إلى كابوس مرعب عندما جاء الحوثي إلى قريتنا، حيث فقدنا كل هذا وحل مكانه الخوف والذعر والقلق من القادم وكان خوفنا يتصاعد يوماً بعد آخر مع كل قذيفة تدوي ورصاصة تطلق ومع كل بيت يلغم ويفجر، ولا أبالغ إذا أخبرتكم أنني شاهدت تفجير أكثر من عشرة منازل في حيّنا على أيدي الميليشيات المسلّحة».

ويتابع «كان عمي يعمل مشرفاً مع الحوثيين وأبلغهم للأسف أن والدي ضدهم وفي مساء أحد الأيام أتت مجموعة تحاصر منزلنا وتطالب والدي بالخروج من المنزل وبتسليم نفسه لهم فتملكنا الذعر أنا وأمي وإخوتي ولم نترك والدنا يخرج إليهم».

يتنهد رضوان بعمق ويواصل حكايته فيقول: حاصرونا منذ المساء حتى ظهر اليوم التالي عندها خرجت والدتي إليهم وأخبرتهم بأن أبي غير موجود في المنزل وأنه في مدينة مأرب ولم يصدقوها بل حاولوا اقتحام البيت لكن أمي أغلقته دونهم وبدأوا بإطلاق النار على البيت وانتابنا الخوف الشديد حتى وصل عمي الذي يعمل مشرفاً معهم وهددنا بأنه سيعتقل (الداعشي) يقصد بذلك أبي، متناسياً أنه شقيقه وهو ما شكل لي صدمة يصعب نسيانها.

تحقيق الحلم

ويضيف رضوان «بعد فترة أقنعني والدي بالالتحاق بمركز إعادة التأهيل واستكمال ما فاتني من سنوات دراسة وهذا ما حدث، فقد شعرت بعد مضي أسبوع في إعادة التأهيل بالراحة والاطمئنان وتخلصت من الصدمات النفسية والقلق والخوف وها أنا أعود للمدرسة لأحقق حلمي بعيداً عن الصراع والحرب فسلاحي الأقوى هو القلم والعلم».

نصار لا يتجاوز عمره 13 عاماً، كان من الأطفال الذين استخدمهم الحوثي لزرع الألغام على مدى أشهر في إحدى جبهات محافظة الجوف، وكان المحرض الأول له هو ابن عمه الذي كان مع جماعة الحوثي والذي استخدم معه مختلف أساليب التأثير النفسي للانضمام لهذه الميليشيات ساهم وانطلق مع ابن عمه إلى مدينة عمران والتي خضع فيها لدورات هدفها تجنيده لصالح الحوثي.

استقر نصار في منطقة الجوف وعاد للتعليم بعد انقطاع سنوات، حيث كان من المشاركين في إحدى دورات التأهيل النفسي والاجتماعي، الذي يموله مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وتنفذه مؤسسة وثاق للتوجه المدني.

Email