محمد أبو عكر الشهيد والأسير.. وبينهما سيرة «نضال»

محمد في زيارة لضريح عمّه الشهيد محمد - أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ساعات الفجر يبرز خبر في وسائل الإعلام وصفحات التواصل.. جيش الاحتلال اعتقل الشاب محمد أبو عكر من لاجئي مخيم الدهيشة. محمد أبو عكر.. ومخيّم الدهيشة؟ أهكذا يعيد الزمان والمكان نفسيهما والاسم نفسه؟

محمد أبو عكر استشهد قبل 28 عاماً متأثراً بجروح أصيب بها إثر رصاصات متفجّرة أطلقها جنود الاحتلال، وأتلفت كل محتويات بطنه، ولم يبق إلا القلب والرئتان على قيد العمل. عاش سنتين واستحق لقب «محمد العجيب» الذي اعتبره أطباء محلّيون وأجانب حالة فريدة في التاريخ، إذ ما من تفسير طبي لاستمراره على قيد الحياة سوى القدرة الإلهية والإقبال على الحياة. عاش قرابة ثلاث سنوات، يتغذى عبر الدم بجهاز خاص، ثم توقّف قلبه عن النبض.

إذاً من هو محمد أبو عكر هذا الذي يعتقله الاحتلال مجدداً ولم تكد يمضي على خروجه من السجن سوى عشرة أشهر، وبوحشية تستنسخ منهج الغابة؟

تصوّر مشهد الاقتحام دفعني لمحاولة أخذ الصورة من مصدرها. نضال أبو عكر الذي بدأ حديثه كأنما يستهجن السؤال عن ذرائع الاقتحام، يقول: «مجرّد فكرة وجودك في فراشك أعزل تغيظ كل هذه الترسانة المدجّجة بالسلاح».

الاقتحام الليلي

اقتحام المنازل ليلاً عادة معهودة بالنسبة للاحتلال، لتوظيف الظلام في منهجيّة الترهيب.

«بدا كأنهم يريدون قتلنا.. وحشية غير مسبوقة. واصلوا ضربي أنا وابني، منذ اللحظة الأولى لاقتحام المنزل إلى أن أطلقوا سراحي بعد ست ساعات». يشرح نضال ظروف الاقتحام. وإن لم يعد يتذكر عدد الاقتحامات، فإنه يتذكّر مرّات الاعتقال الست عشرة، وسنوات السجن الـ 14.

هذا الاقتحام بدا وقعه أشد وطأة، كما يقول نضال على شكل سؤال: «بتعرف شو معنى إنك تسجن مع ابنك أو يُضرب ابنك أمامك، أو تضرب أمام ابنك وبناتك وزوجتك؟».

اعتدى الجنود المتوحّشون على الجميع، رجالاً ونساء. داليا، أخت محمد، الطالبة في جامعة بيت لحم كسروا أصابعها. كرمل التي تدرس الفنون دافعت بشراسة عن أبيها وأخيها، فطالها ما طالهم من الهمجية.

أمّهم منال لم تقف مكتوفة الأيدي ودافعت عن زوجها وابنها وبناتها بشراسة، فلم تسلم من اعتدائهم، وكانت تعرّضت لإصابة خطيرة برصاص الاحتلال في صدرها، خلال الانتفاضة الأولى. وما زال صدرها، الذي انتزعوا منه ابنها فلذة كبدها، يعاني من الإصابة حتى اليوم.

عائلة مناضلة

في سجنته الأخيرة، كان مع نضال في السجن شقيقه رأفت الذي أمضى سبع سنوات خلال عشر مرات اعتقال، أما شقيقهم الثالث حازم فقد تعرّض في الانتفاضة الأولى لإصابة أفقدته إحدى عينيه. لكن اللحظة الأصعب كانت اللقاء في ظلمة السجن وظلمه بين نضال وابنه محمد الذي حمل اسم عمّه «محمد العجيب».

لقد ترك نضال في البيت طفلاً، وها هو يلتقيه شاباً مناضلاً وأسيراً، ليمضيا معاً في غرفة السجن نفسها 20 شهراً، ويعيشا معاً رفيقين أولاً، وابناً وابنه ثانياً.

محمد غادر السجن في ديسمبر الماضي، بعدما أمضى ستة وعشرين شهراً، وها هم يعاودون اعتقاله، ربما لمنعه من استكمال دراسته الجامعية، أو لأنه في هذا العمر الغض استثنائي في زمن رديء، ولأنه جريء ومتواضع وجدّي ومعطاء لأبعد الحدود، ولأنه متحدث وخطيب مفوّه.. قارئ ومثقّف مشتبك.

أم نضال

ولا تكتمل سيمفونية النضال إلا بأم نضال. «لا تنس الوالدة جدة محمد أم نضال عنوان التحدي والصمود والعطاء والمدرسة الثورية»، هكذا يراها أبناء المخيم والمنطقة، وهكذا يفتخر نضال بأمه، ثم يقول: بتظل أمي تذكّرني بأغنيتك الأولى للشهيد محمد:

نمشي عا درب الشهدا... ودربك يا ابو عكر. هذا ما أنشدناه للشهيد محمد أبو عكر، أما للأسير محمد أبو عكر ولكل أسير فنقول: «ولو صلبوك في البرد والشمس ستبقى العنوان، وأينما تخطّ قدماك العاريتان تكون وجهتنا للوطن.. كل الوطن».

Email