من قطّاع طرق إلى «أسياد» يستولون على الأرض

عادوا إلى فرنسا وأصبحوا قوّة ضغط

ت + ت - الحجم الطبيعي
كان الاستيطان الفرنسي للجزائر على مرحلتين، عسكرية (1830 ـ 1870) ومدنية (في الشمال أساساً) (1870 ـ 1900). وتحت مظلة «أن الأراضي غير الأوروبية تُعد مناطق خالية من الحضارة، فهي ملائمة للاستعمار»، وتحوّل حُفاة وقطاع طرق وعاطلون في فرنسا وأوروبا من «خدم» إلى «أسياد» استولوا على أراضي غيرهم وحَقروا أهاليها.

في فرنسا حالياً نحو مليون ممن ينعتون بلقب «الأقدام السوداء»، نصفهم تقريباً يعيش في المقاطعات الفرنسية الجنوبية على شواطئ المتوسط، النقطة الأقرب إلى ما زالوا يعتبرونه موطنهم الأصلي.
«الأقدام السوداء» لم يطردوا من الجزائر، بل فضلوا هم الرحيل، لكنّهم يدّعون اليوم ملكيتهم في أراضٍ ومساكن جزائرية تركوها بعد استقلال البلاد في بداية الستينيات، على الرغم من أن جبهة التحرير الوطني الجزائرية (1954 ـ 1962)، كرّرت نداءاتها لهم حينها، باعتبار أن الحاجة كانت ماسة إلى جميع أبناء الجزائر مهما اختلفت أصولهم ودياناتهم لإعادة الإعمار. لكنّهم فضلوا الرحيل، بل إن تنظيمات إرهابية تابعة لبعض المدنيين الأوروبيين مثل «اليد الحمراء» و«منظمة الجيش السري OAS» قامت يوم وقف إطلاق النار في مارس 1962 بسلسة من الجرائم البشعة في حق المدنيين العرب، وتضاعفت وتيرة القتل والحرق المتعمد للمؤسسات، بينها مكتبة جامعة الجزائر.

قوة ضغط

يشكل «الأقدام السوداء» قوة ضغط لا يُستهان بها في فرنسا. وهم متغلغلون في جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والإعلامية والفنية. ذكرنا اسم الصناعي بابالاردو، ولكن هناك أسماء أكثر شهرة كالمغني انريكو ماسياسي (وريث عائلة موسيقية في عاصمة الشرق الجزائري مدينة قسنطينة)، أو السينمائي روجيه حنين (عديل الرئيس السابق فرانسوا ميتران)، وعدد لا بأس به من الفكاهيين والكتّاب والممثلين، وبينهم نسبة كبيرة من اليهود، ما يعطي لدورهم وتأثيرهم طابعاً خاصاً.

وقد استطاعوا تحقيق لعبة الجذب السياسي ومقايضة أصواتهم الانتخابية كلّما حلت مناسبة سياسية ولم تعد مسألة الأقدام السوداء بفرنسا تتعلق بمسألة التعويضات المالية فقط بل بنظرة للتاريخ من زاوية المنظور الإيجابي.
اليسار الفرنسي، وبالضبط فرنسوا ميتيران ظل من أشد المدافعين عن «الأقدام السوداء»، حيث التزم بإعادة إدماجهم وإعلان العفو الشامل عن قدماء منظمة الجيش السري الإرهابية، بما في ذلك الجنرالات الذين شاركوا في انقلاب أبريل 1961 ضد الجنرال ديغول· بالإضافة إلى كل الإداريين المطرودين من الوظيفة الحكومية بين 1961 و1963 بتهمة الانخراط في المنظمة السرية·
وعوضت الحكومة الفرنسية من فقدوا أملاكهم على دفعتين: عندما غادر معظمهم البلاد يوم استقلال الجزائر عام 1962، ثم عند صدور مرسوم تأميم الأراضي الزراعية في 20 مارس 1963، بخاصة «المهجورة» منها. صدرت لاحقاً 3 قوانين لتعويضهم في عهد الرؤساء جورج بومبيدو (1970)، فاليري جيسكار ديستان (1974) وفرانسوا ميتيران (1987).
Email