لبنان.. المتسوّلة الثريّة قضت على قارعة الحياة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في يوم وفاتها، تمكّنت فاطمة محمد عثمان، من أن تبدّل سمعة المتسوّلين وتنقلهم إلى نادي الأغنياء المكتومي القيد المالي، متسوّلة بيروت، تركت وراءها خمسة ملايين ليرة لبنانية «نقداً»، وملياراً وسبعمئة وأربعة وسبعين مليون ليرة لبنانية في المصارف، ومئة ألف سؤال عن سر المهنة وعن مصير الورثة، وعن امرأة كانت من ذوي الاحتياجات الخاصة، عاشت حياة معدمة وبائسة، وفارقت الحياة تاركة كنزاً لا يفنى، ووصية وحيدة، تقضي ببناء مسجد في قريتها من حسابها.

نسج الفقر خيوط حياتها، وألقى بشاعته على وجهها، فاستعارت اسم بلدتها عين الدهب في عكار شمالي لبنان سرّاً، ونزلت إلى بسطة بيروت منذ نحو أربعين عاماً، وهناك كتمت سرّها، وامتهنت التسوّل، إلى أن وجدت بلا حراك، نتيجة أزمة قلبيّة ومعاناة طويلة مع مرض تشمّع الكبد، إلّا أنّ ما ادّخرته من أموال داخل سيارة أنقاض غير صالحة للسير، كانت تتخذ منها مسكناً لها بشارع الأوزاعي في بيروت، فضلاً عن حسابات مصرفية متحرّكة، باتت اليوم في متناول الورثة، أي عائلتها المؤلّفة من والدتها وسبعة أشقاء.

«شحّادين يا بلدنا».. هي العبارة التي رافقت الحرب الأهلية على المسارح، وباتت اليوم في حاجة إلى صيانة وتدقيق وإعادة سيناريو، لا سيّما مع جيوش المتسوّلين الذين يغزون الشوارع، وتجدهم وقد تسلّقوا السيارات فجأة، والتصقوا بزجاجها، وعرّضوا أجسادهم للخطر في سبيل تحصيل الحاصل، إلّا أنّ فاطمة عثمان، أسّست برحيلها لمرحلة جديدة، ضربت فيها صيت المتسوّلين، وبات كلّ لبناني يعتقد أن خلف كل متسوّل اعتاد أن يبحث في النفايات عن بقايا عيش، ثروة مخفيّة.

واقع وبؤس

ومهما بلغت أسرار فاطمة، التي عرفها الكثيرون متسوّلة، ليستفيقوا على خبر وفاتها مليونيرة، فإنها تبقى نقطة في بحر مشهد المتسوّلين الذين تمتلئ شوارع بيروت وغيرها من المدن لبنان، أطفالاً وكباراً، في غياب المعالجة الجدّية، إذ إنّ السجن أسبوعاً أو اثنين، والغرامة التي لا تتعدّى المئة دولار، لا تردع المتسول، لا سيّما أنّ الدخل الشهري للمتسوّل قد يتجاوز الألف دولار في الأشهر العادية، والألفين في أشهر السياحة.

يتنقّل المتسوّلون بين نوافذ العابرين، ويرهقون الشوارع بوقع خطواتهم، ذهاباً وإياباً، على مدار العام، دون كلل أو ملل، ويردّدون على مسامع المارة دعوات حفظوها عن ظهر قلب، فيرمقهم أولئك المتعجرفون بنظرات التهكّم، ثم ينهرونهم بثقة، وكأنّهم دفعوا شرور العالم كلّه بلحظة، ذلك، أن الكثير من اللبنانيين لا يثقون بالمتسوّلين في الشارع، الذين يحسنون استغلال المناسبات الدينية والاجتماعية، فتجدهم عند أبواب المساجد والكنائس أيام الجمعة والأحد، وتكثر حركتهم في شهور سياحية، ودينية كشهر رمضان.

ولا تعتبر ظاهرة التسوّل في لبنان طارئة، بل مستفحلة في صلب المجتمع، كغيرها من الظواهر العالقة، وهو ما أشارت إليه منظّمة العمل الدوليّة، إذ أثبتت أن لبنان يكاد يشكل النسبة الأعلى في العالم لجهة هذه الظاهرة، في حين تتباين المواقف منها في أوساط المجتمع اللبناني، فمنهم من يتعاطَف بقوّة ويساعد قدر المستطاع، ومنهم من يحايد متحفّظاً عن أيّ مبادرة في الإحسان أو البغض، أما البعض الآخر، فيذهب أبعد من ذلك، ليبدو قاسياً في التعامل، لا سيّما مع صغار المتسوّلين.

Email