في زمن الميليشيا.. أستاذ جامعي يتحول إلى بائع خضار

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أقل من عامين كان أحمد الاستاذ بجامعة صنعاء يقضي وقته بين طلابه وفي مدرجات الجامعة أو فِي مراجعة الدروس والتحضير لها استعداداً لليوم التالي ومتابعة كل ما يستجد من الأبحاث العلمية.

فرضت وقائع الحرب التي أشعلتها الميليشيا وضعاً غريباً بالنسبة لمن يمتهن العمل الأكاديمي في ظل سيطرة عقلية الميليشيا على الحياة العامة، ومعها تولدت الأزمة الاقتصادية والعبث بالاحتياطي النقدي للدولة ووقف صرف رواتب الموظفين وتوجيه موارد الدولة لصالح مقاتليها وتراكمت المعاناة.

كان قطاع التعليم هو الأكثر تضرراً بعد قطاع الصحة من ممارسات الميليشيا والحرب وهو ما جعل الكثير من المعلمين في المدارس وأساتذة في الجامعات يبحثون عن أعمال اخرى لتغطية احتياجات عائلاتهم بعد أن أوصدت في وجههم الأبواب وأوقفت رواتبهم منذ مايزيد على عام ونصف.

لا رواتب

مرت شهور دون أن يتسلم احمد وغيره من أعضاء هيئة التدريس رواتبهم، فبدأ ببيع ساعته الفاخرة وسيارته لتوفير ما عليه من التزامات لأسرته ونفقات تعليم أبنائه الثلاثة، واستمر ببيع مقتنياته وفِي حالات نادرة كانت الميليشيا تصرف نصف راتب لكن ما لديه من مخزون للبيع انتهى وتوقفت نهائياً فكرة صرف نصف راتب ومعها بدا التفكير بمهنة اخرى.

ووسط تهديدات لأساتذة الجامعات بالفصل إنْ توقفوا عن التعليم أو احتجوا، وافق الرجل بفكرة البطاقة التموينية لأنها ستوفر لأسرته الاحتياجات الأساسية وأرغم على تناسي الكثير من الاحتياجات الطبية ورسوم المدارس وغيرها لكن ذلك لم يستمر أيضا فتوقفت البطاقات التموينية وتوقف نصف الراتب.

طال الحال وتخلى احمد عن أساسيات حياته شيئاً فشيئاً ثم غادر شقته الجميلة بكل ماتحويه من ذكريات دافئة مستأجراً شقة صغيرة تحويه هو وعائلته وماتبقى له من أثاث منزلي وفي لحظة حاسمه قرر أن يتحول من استاذ جامعي إلى بائع خضار متجول فلم يعد بإمكانه فعل شيء ولا توفير الغذاء له ولأسرته.

ولأن الرجل ينحدر من أسرة فلاحية فإنه يمتلك خبرة جيدة في أنواع الخضار والمتاجرة بها، ولهذا باع ماتبقى من ذهب زوجته واشترى «عربة» واقتحم سوق الخضار وبالقليل من الحياء خوفاً من اللقاء بأحد طلابه أو زملائة وبالكثير من الأمل والتطلع لكفاية احتياجات أسرته الصغيرة بدأ مشواراً جديداً من المعاناة.

في إحدى زوايا أسواق الخضار في صنعاء تجد احمد، الاستاذ الجامعي يتمركز في احد المداخل الرئيسيّة منذ الصباح الباكر بعربته المتنقلة يعرض بضاعته على المتسوقين حتى زوال اليوم بعدها يعود إلى منزله بالقليل مما كسب منهكاً متبرماً لكنه مطمئن بأنه وأولاده لن يموتوا من الجوع.

تغيرت الكثير من عادات احمد ونمط حياته اليومية فقد اصبح ملزماً بالذهاب إلى النوم مبكراً لأنه لابد أن يستيقظ من الفجر لكي يظفر بنوعية جيدة من الخضار وزبائن اكثر قدرة على الشراء وسط مأساة إنسانية عامة امتدت إلى ملايين اليمنيين الذين يعانون بسبب الحرب التي فرضتها الميليشيا.

Email