تقارير «البيان »

إقالة غندور تشعل جدلاً في السودان

ت + ت - الحجم الطبيعي

لماذا أقيل غندور؟ هو السؤال الأكثر إلحاحاً في السودان هذه الأيام، فالإقالة المفاجئة لوزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، مساء الخميس الماضي.

مثلت صدمة لمن يرون فيه الرجل المناسب لقيادة دفة الدبلوماسية السودانية في أكثر مراحل البلاد تعقيداً، بينما مثلت لآخرين ضرورة لحفظ ماء الوجه الذي أراقه غندور في العلن قبيل أربعة وعشرين ساعة من إبعاده بعد خطابه أمام البرلمان والذي كشف فيه عجز الدولة عن سداد التزاماتها المالية تجاه بعثاتها الدبلوماسية في الخارج، بينما لم ينظر إليه آخرون بسوى أنه صراع أجنحة داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم.

ورغم أن إقالة إبراهيم غندور الذي كان مقرراً أن يغادر مع الرئيس عمر البشير إلى أثيوبيا مشاركاً في ملتقى تانا الاقتصادي بمدينة بحر دار الأثيوبية، جاءت في قرار جمهوري مقتضب لم يفصح عن أسباب ولا دواعي الإقالة، إلا أن المراقب لما يجري في الساحة السودانية، يستشف بأن هناك مؤشرات عديدة، جعلت صدر القيادة السودانية يضيق بغندور، بجانب أن الرجل نفسه أبدى زهداً في المنصب نتيجة لعدة تقاطعات اضطرته لتقديم استقالته في يناير الماضي ولكنها رفضت حينها.

صراع أجنحة

فغندور طبيب الأسنان الذي دخل معترك السياسة منذ وقت مبكر، اتخذ أخيراً عدة مواقف مغايرة لتوجهات حزبه المؤتمر الوطني، مما أثار حفيظة المتنفذين فيه، وظلوا يتحينون الفرص لإبعاده من قيادة العمل الخارجي، ويشير المراقبون إلى أن غندور استطاع بمواقفه تلك من ترجيح كفة التوازن في علاقات البلاد الخارجية، لا سيما المتعلقة بدول الجوار خاصة العلاقة مع مصر.

وينسب إليه ما تم من اختراقات أعادت العلاقات بين السودان ومصر إلى دائرة الهدوء خلال فترة التوتر الأخيرة التي أدت إلى استدعاء السفير السوداني بالقاهرة، كما أجبر غندور متنفذين في حكومته على التراجع عن إغلاق حدود بلاده مع مصر، وعمل مع نظيره المصري سامح شكري على امتصاص حالة الاحتقان وتحجيم أثارها.

ويرى آخرون أن ما أحدثه وزير الخارجية إبراهيم غندور من اختراق في العلاقات السودانية الأميركية، توّج برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، لم يرض دوائر متشددة داخل مركز القرار بالحزب الحاكم، لما تعتبره من تنازل و«انبطاح» للولايات المتحدة التي لا تزال تمثل لتلك الفئة العدو والمهدد الأول لمشروع الحكم الذي ناصبته كل الإدارات الأميركية العداء منذ بدايته في مطلع التسعينيات من القرن الماضي. ويعتبر الخبير الدبلوماسي السوداني الرشيد أبو شامة في حديث لـ«البيان»، أن إقالة وزير الخارجية في هذا التوقيت ستحدث ارتباكاً في العمل الدبلوماسي السوداني.

ويشير إلى أن غندور ظل مجتهداً في عمله طوال فترة تقلده للمنصب، ووصف قرار إقالته بالمتسرع الذي لم يراعِ ما قيمه الرجل وما أحدثه من انفتاح خارجي، ويؤكد أبو شامة بأن غندور قاد الحوار مع الإدارة الأميركية بكل ثقة وجدارة واحترافية.

قاصمة الظهر

ويبدو أن البيان الذي أدلى به الوزير غندور تحت قبة البرلمان السوداني واستنجاده بالهيئة التشريعية لتدارك الأوضاع التي وصفها بالمأساوية التي تعيشها بعثات البلاد الدبلوماسية، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ يرى المراقبون أن غندور المعهود له بالمرونة الدبلوماسية ووزن تصريحاته، ما كان ليدلي بتلك المعلومات لولا أنه ضاق بالأمر ووصل حبل الصبر لديه إلى منتهاه.

حيث قال أمام نواب البرلمان «ولولا أن الأمر بلغ مبلغاً خطيراً لما تحدثت فيه في العلن، وها أنا اليوم أدق ناقوس الخطر وأقول، عدد من السفراء والدبلوماسيين طلبوا العودة إلى السودان للظروف التي يعيشونها وتعيشها أسرهم».

 

 

Email