مخيم عين عيسى ممارسة عفوية لإرادة الحياة

من المخيم البيان

ت + ت - الحجم الطبيعي

على مقربة من الحدود التركية السورية شمالاً، وعلى الخط الواصل بين مدينة الرقة والحسكة قذفت الحرب السورية آلاف الهاربين من هذه المحرقة إلى مخيم عين عيسى، ولعلها الصدفة هي التي جمعت أبناء المناطق الشرقية من محافظة دير الزور والرقة في هذا المكان المعزول عن كل مقومات الحياة.

لا حيلة لهؤلاء الهاربين من الحرب إلا الحياة والتأقلم مع المدينة الجديدة التي أسسوها بعائلاتهم وأعادوا إلى الصحراء الحياة، وكأن قدر السوريين إعادة الحياة إلى الصحارى من تل الزعتري في الأردن إلى مخيم عين عيسى.

وقفت «البيان» على تفاصيل الحياة اليومية في هذا المخيم، ورصدت يوميات مخيم مجهول الهوية لا يحظى إلا برعاية أممية يسيرة. مع مرور الأيام واستمرار الحرب في مناطق تلك العائلات تحول هذا المخيم إلى مجتمع متكامل، سياسي واجتماعي واقتصادي فكل ما تحتاجه يتوفر في هذا المخيم من المواد الغذائية إلى الحوالات المالية وحتى بالعملة الصعبة، ولم تمنعهم صعوبة الحياة من الاستمرار في الأمل، وإن كانت الحياة في حدودها الدنيا.

وسط الحركة اليومية في هذا المخيم، وفي «العصرية الصغيرة»، توجهت «البيان» إلى هذا المخيم لترى كيف يعيش هؤلاء وتنفذ إلى أعماقهم وتفكيرهم، كانت خيمة أم عيسى في المقدمة، لافتة ومليئة بالبؤس، إذ إنها عائلة نزحت من دير الزور إلى المجهول لتتجه بالصدفة إلى مخيم عين عيسى.

بعيداً عن الخطر

العائلة تتكون من الزوجة والزوج وطفل لم يتجاوز الخامسة، وكذلك طفلة في العام الثاني من عمرها، جاءت في العام الماضي إلى مدينة الحسكة المجاورة، ليتم نقلها إلى وسط الصحراء دون توفر أي مكان. استقبلتها وحدات حماية الشعب الكردية التي جمعت كل هؤلاء الهاربين لتضعهم في مخيم بعيداً عن المخاطر الأمنية، ذلك أن حجم النزوح يفوق طاقة دول فكيف بالإدارة الذاتية المتواضعة في مناطق شمالي سورية.

تقول أم عيسى لـ «البيان»، كان الجو بارداً جداً واتجهنا إلى المخيم مع بعض الأمتعة التي اصطحبناها معنا، كانت الظروف صعبة للغاية واضطررنا إلى جمع بعض الخيم المهترئة لنخيطها مرة أخرى ونصنع منها خيمة جديدة تقينا الحر في الصيف وتدفع عنا بلاء المطر في الشتاء.

تضيف «مرت أيام صعبة تحت هذه الخيمة، خصوصاً في الشتاء، فقد كانت العائلات في هذا المخيم تجتمع في خيمة واحدة من نساء وأطفال ورجال من أجل وضع بعض الحطب للتدفئة، أما الطعام فالمساعدات التي تقدمها المنظمات لا تكفي على الإطلاق ونحن لم نشبع منذ أن وطأت أقدامنا هذا المخيم، نسينا فكرة الشبع من الطعام».

فصل الصيف بالنسبة لهم أقل ألماً من الشتاء، فالأعشاب التي تنتشر في المنطقة تساعدهم أن تكون وجبة مقبولة، في حال لم تتوفر المساعدات، خصوصاً وأن زوجها حوّلته الحرب إلى معاق لا يقوى على الحركة والعمل.

حين اقتربنا من الخيمة، حاولت أم عيسى أن تخفي شخصيتها، فهي من عائلة ميسورة الحال في دير الزور ولا تريد أن يراها أحد، وتردّد «ارحموا عزيز قوم ذل».

بالفعل وجبة من الأعشاب البرية كانت أم عيسى تعمل على تحضيرها لتكون العشاء الدسم للعائلة، وتؤكد هذه المرأة المهجرة أنها لم تأكل الوجبات الثلاث في أي من أيام هذا المخيم، منذ ما يقارب العام. تقول بألم وقهر «صباح كل يوم أرفع يدي إلى السماء وأدعو أن تنتهي هذه الحرب ونتخلص من كابوس داعش الإرهابي.

وسنعود إلى بيوتنا ولو كانت مدمرة، فهي أرحم من مخيم وسط الصحراء». ورغم كل هذه الصعوبات والعثرات اليومية في الحياة، إلا أن كل من يقطن هذا المخيم مصمم على استمرار الحياة مهما كان الثمن.. إنهم يمارسون بعفوية إرادة الحياة.

Email