بعد مرور 15 عاماً على الغزو

العراق.. بحث عن تحقيق الاستقرار

الضربة الأميركية الأولى على بغداد فجر 20 مارس 2004 | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

20 مارس 2003 يوم غير عادي في تاريخ العراق وفي أذهان العراقيين.. ففي الساعات الأولى من هذا اليوم بدأت أميركا وحلفاء غربيون عملية غزو العراق واحتلاله وإسقاط نظامه.

يختلف الرواة والكتاب والسياسيون في تسمية ما حصل ويحصل بعد ذلك اليوم «الرهيب»، الذي شهد فجره «فتح أبواب جهنم» على العراق والعراقيين، والتي ما زالت مواربة حتى اليوم، فمنهم من اعتبر ذلك اليوم، انطلاقة لـ «تحرير العراق»، حتى إن مجلس الحكم، الذي شكله الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، اعتبره «عيداً وطنياً»، فيما اعتبره آخرون بداية «التغيير».

وكانت تسميات الغزو والاحتلال شبه محرّمة في الداخل العراقي، ومثيرة لشبهة أن مطلقيها «إرهابيون»، أو داعمون للإرهاب، أو من اتباع النظام السابق، رغم أنهم يشكلون الغالبية بين عراقيي الداخل الذين عانوا من قسوة النظام السابق، ووحشية الحصار الجائر.

ويرى عراقيون أن ما جاء به «اليوم الأسود» ليس تحريراً أو تغييراً، وكذلك ليس غزواً واحتلالاً فحسب، بل عملية تدمير شاملة للدولة العراقية، ليتم «في ما بعد» تأسيس دولة مغايرة وفق مقاسات يعتمد تنفيذها على تدمير البنية المجتمعية.

ووفق هذا المنظور، ترى مجموعة الدراسات الاستراتيجية، برئاسة البروفيسور علي علاوي، ومشاركة د. عباس كاظم، ود. لؤي الخطيب، أن الدولة العراقية التي تأسست في العام 1920، انتهت في العام 2003، بعد أن مرت بأشكال عدة، هي الملكية والجمهورية والحكم العسكري ودولة الحزب الواحد، وأخيراً، النظام الطغياني.

أما الدولة الثانية، التي تأسست بعد العام 2003، فلم تستطع تحقيق الاستقرار المطلوب والأمن المقبول، وباتت تتأرجح بين الفشل في استعادة مقومات الدولة وبين ضغط الطائفية.

إصرار على الحرب

وحسب المحلل السياسي زيد الزبيدي، فإن هناك كثيرين من السياسيين، والمواطنين العراقيين كانوا مع «التغيير»، وفق تصوّرات وأحلام بحصول رفاهية «بعد رفع الحصار عن العراق، سواءً كان ذلك من خلال احتلال أو أي شكل آخر، وهؤلاء لم يكونوا على دراية بما سيحصل، أو ما هو مخطط له، لأن الغزو لم يستهدف الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين كشخص، بل البنية العراقية من الأساس، وبهدف تكوين دولة القطاع الخاص «الرأسمالية»، ودليل ذلك أن الولايات المتحدة المعروفة بإمكانياتها الفائقة لتدبير الانقلابات، سبق أن كشفت لصدام حسين محاولات انقلابية عدة ضده، وكان بإمكانها إسقاطه من دون حصار أو حرب واحتلال.

وينقل الزبيدي، عن أحد المقربين جداً من الرئيس الراحل جلال طالباني، قوله، إن ضباطاً كباراً في الجيش العراقي، اتصلوا بالأميركان (من خلال طالباني)، قبل الغزو، مبدين استعدادهم للتّحرك نحو بغداد، طالبين عدم استهدافهم من قبل الطيران الأميركي، إلا أن الرد الأميركي جاء حاسماً، بأنهم سيقصفون أي قوة عسكرية تتحرك باتجاه بغداد، لأنهم كانوا عازمين على شن الحرب، وليس حماية صدام من الانقلاب.

ويشير الزبيدي إلى أن الهدف كان تدمير القطاع العام، بما فيه النظام الصحي والتعليمي والخدمي، وكل الصناعات الأخرى، إضافة إلى النسيج المجتمعي، وهذا ما حصل بالفعل.

وحسب تقرير لمؤسسة «صقر» العراقية للدراسات، يعيش أكثر من 40 بالمئة من العراقيين تحت خط الفقر، مع تدمير شامل للبنية التحتية، حيث توقفت 90 بالمئة من المعامل الكبيرة والمصانع عن العمل، وأدى تدهور مستوى التعليم إلى اتخاذ منظمة اليونسكو قراراً برفع الاعتراف بشهادات الجامعات العراقية، وانتشار للكحول والمخدرات القادمة من إيران بين طبقة الشباب بصورة غير مسبوقة بحسب إحصاءات وزارة الصحة.

وليست هناك تقديرات دقيقة لخسائر العراق المالية أثناء فترة الغزو، لكنها تصل بحسب بعض المراقبين إلى 3 آلاف مليار دولار، وهناك أكثر من 4 ملايين مهجّر بين الداخل والخارج لم يردوا في التقرير.

الرأسمالية الجديدة

يؤكد خبراء اقتصاديون وجود قلّة ضئيلة جداً من أصحاب الملايين، قبل العام 2003، وهم غير مؤهلين لاستثمارات كبرى، إلا أن الفساد المقصود، يمكن أن يوجد مثل هذه الثلّة.

وسبق للرئيس السابق جلال طالباني أن قال قبل أعوام: كان لدينا في إقليم كردستان شخصان مجموع ثروتيهما 1,5 مليون دولار، أما الآن فلدينا أكثر من 300 مليونير، وعدد من أصحاب المليارات، ويمكن على هذا الأساس تقدير عدد أصحاب الملايين والمليارات في عموم العراق، بمقابل شعب يتضور أغلبه جوعاً. ويتساءل الطالباني عن نسبة الحلال في هذه الثروات، ومدى استشراء الفساد، بلا رقابة أو حساب.

ويقول الخبير الاقتصادي هشام النعيمي، إن عملية نهب ثروات البلد كانت بحاجة إلى فوضى اجتماعية، وتوافق سياسي للتغطية عليها، وكان معظم الناس يعتقدون أن عمليات تخريب ونهب دوائر ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وفتح مخازن السلاح أمام من هبّ ودب، تحت أنظار قوات التحالف، بعد التاسع من أبريل 2003، مجرّد أعمال فوضوية غير مدروسة، يمارسها الرعاع، إلا أنها أعطت مدلولاً آخر عندما أصبح الطن الواحد من مادة الـ «تي. أن. تي» المتفجرة يباع في الشوارع بسعر 25 دولاراً، فيما يباع رشاش الكلاشنكوف، مع عتاده ب 50 دولاراً فقط، وسرعان ما تحولت العمليات الفردية، إلى عمليات تقوم بها جهات منظمة.

الكراهية المجتمعية

وتضيف مجموعة البروفيسور علاوي، أن تنوعنا الإنساني جرى تقويضُه، إذ حَجبت أنظمة ما قبل العام 2003 الجنسية المستحقة عن مئات الآلاف من الناس وسفرت فئات كاملة من العراقيين على أسس واهية، ودفعت بالملايين إلى المنافي، وقُتلت أعداد كبيرة من الناس من دون تمييز، ومُلئت المقابر الجماعية بأجساد الأبرياء.

ويستمر الوضع ما بعد 2003 حيث تسود الطائفية والكراهية المجتمعية وتهميش مجاميعَ كاملةٍ من الشعب، في حين لا تزال الأعمال الشنيعة التي كانت الدولة ترتكبها تُرتكب اليوم من قبل مجاميع غير مرتبطة بالدولة، وإرهابيين، وعصابات الجريمة المنظمة، ولا تزال أعداد غير مقبولة يُدفع بها إلى الخارج أو تحاول الخروجَ من البلد.. الأقليات والشباب وأعداد كبيرة أخرى ممن يرون أن مؤسسات الدولة منحازة ضدهم ولا يرون لأنفسهم مستقبلاً في البلد، أما ملايين العراقيين في الخارج، وهم ثروة مهمة لإعادة إعمار البلد، فقد جرى تجاهلهم تماماً، ويشاهدون هذه الدراما تدور أمامهم وهم في قلق وتوجس، فيما ضاعت أصوات العقلاء ورجال الدين المعتدلين في صخب أجندات مختلفة يشيطن كل منها الآخر وتحاول أن توظف الإحساس العام بالمظلومية إلى إجازة للمصادرة والقتل، فحرفت تعاليم الدين إلى ضدها، وكانت النتائج كارثية في حين اختُلقت تبريرات دينية للإبادة والعنف المتطرف والوحشية وتقسيم المجتمع وكثير من أنماط السلوك البغيضة الأخرى.

شكل النظام القائم

النظام السياسي الذي تشكل في العراق بعد العام 2003، احتوى، حسب المراقبين بعض عناصر تهتم بخدمة ذاتها وأنتج حلقة ضيقة من المصالح جرى تصميمها وتشريعها على أيدي جماعات سياسية معيّنة وشرعنتها بادعاءات دستورية وباسم الديمقراطية والقانون.. وهي سياسة مصمّمة لإنتاج مخرجات يجري التحكم فيها بحيث لا تنحرف عن صفقات المعدة سلفاً في غرف خلفية.

ورغم أن الديمقراطيات ليست محصّنة ضد السياسات الفئوية والمناورات المحمومة، لكن دولاً قليلة جداً بلغت ما وصل إليه الفشل والفساد في العراق حيث تجتمع السياسات الفئوية مع آليات فاشلة.

ويرى مراقبون أن معظم الأحزاب والجهات التي ادعت أنها كانت تحارب النظام السابق، بلا استثناء، تلطّخت أيديها بدماء العراقيين، ولم تسقط عنها قانونياً تهمة «الخيانة العظمى» بمشاركة العدو في الحرب ضد العراق، فهي كانت تقتل الضباط والجنود ومن يقع تحت أيديها ممن كانوا محسوبين على النظام الحاكم.

وحسب أحد المحللين السياسيين، فإن إلقاء مسؤولية البؤس القائم في العراق على الأميركيين وحدهم هو موقف منقوص واحادي الرؤية، لأن ثمة آخرين لا يقلّون مسؤولية عنهم، وهم من أولئك الذين عملوا في ظل الاحتلال وأداروا الحكومات تحت ولايته والولاية الإيرانية.

 

مناهج التعليم الأميركية تتجاهل «حرب العراق»

كشف تقرير لصحيفة هافينغتون بوست الأميركية أنه وعلى الرغم من مرور 15 عاماً على الغزو الأميركي للعراق عام 2003 فان معظم طلاب الثانويات الأميركية لا يعرفون شيئاً عما قامت به بلادهم في منطقة الشرق الأوسط من حروب.

وذكر التقرير أن «التحديات التي يواجهها المعلمون واضحة، ففي العالم المليء بالامتحانات الموحدة بشكل سائد يميل التعليم إلى التخلي عن أحداث التاريخ الحديث وإهماله، حتى لوكان هذا التاريخ ضروريا لفهم الجغرافيا السياسية الحديثة، خصوصا وان التواجد الأميركي في العراق لم ينته بعد».

وأضاف إن «متطلبات الفصول الدراسية تختلف حسب الموقع الجغرافي في الولايات المتحدة الأميركية، كما إن التعامل مع القضية العراقية يختلف أيضاً باختلاف الولاية ففي مدينة شيكاغو قال البروفيسور جوناثان زيمرمان أستاذ التاريخ في جامعة بنسلفانيا «لقد تم وضع بعض المناهج التي تناولت حرب العراق بمناسبة الذكرى العاشرة للغزو، لكن في المناطق التي تعاني من ضائقة مادية تظل الكتب القديمة هي القاعدة».

وتابع إنه «في نيويورك على سبيل المثال ضمنت وزارة التعليم هناك اسم العراق فقط في سطر واحد في القسم الفرعي من معاييرها عن دور الولايات المتحدة في العالم بعد عام 1990، حيث تم جمع العراق مع أحداث 11 سبتمبر وقانون باتريويت المتعلق بالحرب على الإرهاب، ويتم الطلب من الطلاب تفحص قرار غزو العراق وتعقب مسار النزاع الذي يكبر مع الحرب».

وأشار التقرير إلى أنه لا يوجد في الواقع أية معرفة على مستوى القاعدة بحرب العراق على الرغم من أنها لعبت دورا هائلا في تشكيل السياسة الخارجية الحالية للولايات المتحدة والمساهمة في ظهور تنظيم داعش الإرهابي.

وقال مدرس الاجتماعيات في مدارس وارين الابتدائية ادم موغليفسكي «الكثير من الأطفال ليست لديهم خلفية كافية، فمن الواضح أنهم يعرفون عن أحداث 11 سبتمبر أكثر مما يعرفون عن العراق»، مضيفاً «لديهم فكرة بدائية للغاية عن الحرب لكن الكثير من المعلومات مضللة بالنسبة لهم».

وقال مدرسون آخرون إنه «ما لم يكن لدى الطلاب أحد من أفراد العائلة مشترك بحرب العراق فانهم نادراً ما يسألون المدرسين عن تلك الحرب».

Email