شهداء فلسطين يكتبون وصاياهم عبر «فيسبوك»

الشهيد الفلسطيني ابراهي ابو ثريا(أرشيفية)

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ بدء المأساة الفلسطينية، كان للكلمة فعل الرصاصة. وقد أدرك الفلسطينيون مبكّراً هذا الدور للكلمة، لذلك أنشأوا صحفاً وطنية عكست همومهم وأهدافهم، كما لجأوا لهتاف الشعارات في التظاهرات وكذلك الكتابة على جدران الزنازين وأسوار المنازل والأماكن العامة، وصولاً لاستغلال منصات مواقع التواصل الاجتماعي.

تاريخياً، استعمل الفلسطينيون كتابة الشعارات الجدارية، منذ ثورة عام 1936، إذ كتب أحد الفدائيين (عوض النابلسي)، شعارات بالفحم على جدران زنزانته في سجن عكا، دللت على هويته وإعدامه من قبل سلطات الاحتلال البريطانية.

وقبل 30 عاماً، وفي خضم الانتفاضة الفلسطينية الأولى، كان الشبان المنتفضون، يخطّون شعاراتهم الوطنية على جدران المنازل وأسوار المدارس والمساجد، التي تحوّلت إلى لوحات فنية، ومنصّة يخاطب من خلالها «جنرالات الحجارة» أبناء شعبهم، بإعلان الفعاليات الوطنية، علاوة على توضيح المواقف السياسية لمختلف القوى والفصائل الوطنية الفلسطينية.

هذه الظاهرة، أزعجت وأربكت سلطات الاحتلال، التي لجأت إلى فرض الغرامات المالية الباهظة على أصحاب المنازل التي تُخط عليها الشعارات، وإجبارهم على مسحها، وأحياناً هدم أسوارها، ولطالما استشهد شبان ملثمون، وهم يخطون تلك الجمل الثورية.

منذ هبّة القدس الجماهيرية التي انطلقت شرارتها مطلع أكتوبر 2015، بدأ الشبان الفلسطينيون يدوّنون ما يجول في خواطرهم ومشاعرهم الوطنية، وإظهار مواقفهم من القضايا ذات العلاقة بالموضوع الفلسطيني، والتطورات السياسية والميدانية، على حائط «فيسبوك»، ومن ثم أصبحوا يكتبون وصاياهم، للدلالة على نيتهم الاستشهاد، ولطلب «المسامحة» من أهاليهم.

وصية الشهيد المقدسي بهاء عليان، الذي فجر تلك الهبّة، لم تكن إلا البداية، حيث خط على صفحته، وصية لأهله وأصدقائه، طالبهم فيها بألا يبكوا على فراقه، وأن يسامحوه، ويقتفوا آثاره على طريق الدفاع عن القدس ومسجدها الأقصى المبارك، ومنذ ذلك الحين، أصبحت وصايا الشهداء تتوالى، ومع ارتقاء كل شهيد جديد، كان الأهالي يهرعون إلى صفحته على "فيسبوك"، ليتعرفوا إلى آخر ما خطته أنامله.

سامحوني

الكلمة الأكثر شيوعاً في المنشورات الأخيرة للشهداء، بل إنها أصبحت دلالة واضحة على نية هؤلاء لخوض مواجهة ما، أو تنفيذ عملية فدائية، وغالباً ما تتضمن عباراتهم، رسائل يطيرونها على أثير الرحيل لوالديهم، من قبيل:

«سامحيني يا أمي، لا تزعل مني يا أبي، ارفعوا رؤوسكم ابنكم شهيد»، ولطالما طاردت سلطات الاحتلال، العشرات من الشبان والفتيات، واعتقلتهم، لمجرد أن خطوا كلمة «سامحوني» على صفحاتهم، حتى لو لم يكن المقصود بها، نية الشهادة.

بسام حماد، من بلدة سلواد شرق رام الله، أوضح لـ«البيان»، أنه اعتاد على متابعة ما يخطه نجله أنس (18 عاماً)، على صفحته، وكان أحياناً يطلب من والديه أن يدعو له بالتوفيق، ولدى سماعه نبأ استشهاده، أول ما تبادر إلى ذهنه، أن يراجع صفحة أنس على الفيسبوك، ليجد عبارة «سامحيني يا أمي.. ارضَ عني يا أبي.. كلنا فداء القدس ».

بعض الشهداء، كحال الشهيد أحمد عامر (16 عاماً)، من بلدة الزاوية بمحافظة سلفيت، شمال الضفة الغربية، طالبوا في وصاياهم، بسداد بعض الديون المستحقة عليهم.

أحمد خط وصية طالب فيها بسداد دين لبعض أصحابه، لا يتجاوز الـ (40) شيكلاً، وطالب الجميع بأن يدعو له بالرحمة، وبعد ساعتين وبضع دقائق، أعلن عن استشهاده، وكان أن تضمنت وصيته، اعتذاراً مسبقاً لعائلته، معتبراً أن استشهاده سيتسبب بهدم منزل أسرته.في الأيام الأخيرة، طاردت قوات الاحتلال، أحمد نصر جرار، ولم تنجح باغتياله إلا في المرة الثالثة.

ولعل العمليات المتعاقبة التي استهدفته، جعلته يشعر بقرب الرحيل، فخط على صفحته كلمة واحدة، دللت على هذا الشعور «اقتربت».. فكان أن استشهد في اليوم التالي!! طقوس الشهداء غالباً ما تتشابه في لحظاتهم الأخيرة، وعادة ما تظهر كراماتهم على حوائط «الفيسبوك»، وهذا ما يبقيهم الأجمل حتى في لحظات وداعهم.

Email