«إندبندنت»: الدوحة تنتهك أبسط الحقوق الإنسانية لآلاف العاملين في منشآتها

كأس العالم 2022 تشيد ملاعبها على جثث العمّال في قطر

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتوالى التقارير التي تشرح الأوضاع المزرية التي يعانيها العمال في قطر، وتحديداً في المنشآت الخاصة بتنظيم بطولة كأس العالم 2022، والتي تواجه حملات متزايدة لسحبها من الإمارة الداعمة للإرهاب، والتي تنتهك أبسط الحقوق الإنسانية لآلاف العاملين في منشآتها. صحيفة إندبندنت البريطانية تناولت في تقرير موسع معاناة العمال في منشآت كأس العالم في قطر، وجاء فيه:

تصور اسمك سمون، وتعيش في قرية صغيرة ريفية في بنغلاديش.

في يوم ما يزورك شخص تعرفه بشكل عرضي، منذ الطفولة، لديه فرصة لك. وهو يسعى لتوظيفك من أجل عمل مكتبي، وهو يعلم أنك كنت دوماً لامعاً وطموحاً، ويريدك لهذا العمل. وهو سيهتم بكل شيء، بالأوراق وجواز السفر والسجل الطبي. حتى إنه سيكون مرجعاً لك إذا ما احتجت إلى قرض من المصرف.

الراتب الموعود 400 دولار أميركي في الشهر، هو حرفياً أكبر من أي مبلغ رأيته في حياتك، ولكنك في الطريق إلى كأس العالم 2022، البطولة يجري بناؤها على مقبرة الجثث البشرية.

بالطبع سمعت مثل هذه القصص، لكن هذا صديق قديم. يذهب أطفالك إلى المدرسة مع أطفاله، ويعمل لصالح الحكومة المحلية. ويريد المساعدة، هي بداية جديدة، وضمانات مالية ومستقبل أفضل لأسرتك. ثم، ما هو البديل؟ البقاء في قريتك والتقدم في العمر ببطء؟

فتوقع على الأوراق. هناك رسم توظيف صغير ينبغي دفعه، إضافة إلى الفحص الطبي والتأمين. تبيع الأرض، وتنفق مدّخراتك، وتطلب العون من عائلتك، وتستدين الباقي في مقابل إيرادات مستقبلية. هذه خطوة كبيرة في حياتك. لكن مع راتبك الجيد، تعتقد أنك ستكون قادراً على الوفاء بكل هذه الديون بل والادخار، والبدء بإرسال المال إلى موطنك في غضون بضعة أشهر. تقوم بذلك حتى لا يضطر أولادك للقيام به مستقبلاً.

الحلم بقطر

للأسف، عندما تحط رحالك في قطر، تجد تحوّلاً في كل ما حلمت به. يبدأ الأمر عندما يتم تسليمك خوذة وسترة وإبلاغك بضرورة القدوم إلى موقع بناء في تمام الساعة السادسة صباحاً في صباح اليوم التالي. فأنت لن تعمل في مكتب، بل ستبني ملعباً لكرة القدم. ليسوا متأكدين من قال لك إن الراتب هو 400 دولار أميركي في الشهر، لكنّه في الواقع 200 دولار فقط، تخصم منها التكاليف.

رسوم التوظيف ليس تلك التي وافقت عليها مسبقاً وقيمتها 200 دولار، بل هي 2000 دولار، زائد كلفة سفرك إلى قطر. كما يتم مصادرة جواز سفرك الجديد، ولا يمكنك إنهاء عملك، ولا مغادرة البلاد.

وحتى قبل أن تقوم بتسجيل الحضور لمناوبتك الأولى، تكون مديناً لرب عملك ما يعادل أجرة سنتين.

وهكذا فجأة، تسقط في عالم مذهل من الاغتراب والاستغلال، ساعات عمل طويلة وكد يقصم الظهر في شمس محرقة. 12 ساعة عمل في اليوم، وست أيام في الأسبوع. في الليل، تنام على سرير قذر بطابقين. لكن على الأقل راتبك يدفع في وقته. فأنت من المحظوظين،، فعندما تتحدث إلى عمال مهاجرين آخرين في أحد المخيمات المؤقتة الكثيرة المنتشرة حول أطراف الدوحة، تجد أن غيرك لا يحصل على أمواله التي يتم احتجازها، ويظلون بلا رواتب لفترات تتجاوز ثلاثة أشهر وأحياناً ستة أشهر.

السقوط

وعندما يسقط زملاء العمل، تتم «إزالتهم» تحت غطاء كثيف، ويعلن عن «غيابهم» من العمل ولا تتم رؤيتهم مجدداً. وإذا حاولت وزرت مركز تسوق في يوم عطلة، وهو أمر نادر، فإن حارس الأمن سيقول لك بنظرات صارمة هذه «منطقة للعائلات»، ويرافقك بعيداً خارج المبنى. حقاً، لست موظفاً على الإطلاق، بل عامل مقيّد. وحقاً، لست تبني ملعباً لكرة القدم، بل تبني ضريحاً سيضم رفاتك أنت ومن مثلك من العمال.

بلا شك، ربما تكون سمعت أشياء سيئة من قبل، عن كأس العالم 2022 فالأخبار التي تناولتها الصحافة منذ نجاح قطر في شراء تنظيم مونديال 2022 تمنحك بعض الصورة عن الواقع. المحصلة هي أنه مهما كنت تعتقد أن كأس العالم 2022 سيئ، فإن ما تراه بعينك يؤكد لك أنه أسوأ من كل ما سمعت عنه من قبل.

غياب الوجوه البشرية التي يمكن التعرف إليها لوضع القصة هو عامل آخر. ولهذا قمت بابتداع شخصية سمون، فهو غير موجود، وقصته لم تحدث مطلقاً. لكن بالتأكيد هو موجود وقصته تحدث. سمون موجود 2.3 مليون مرة أكثر. قصته حصلت البارحة، وسوف تحصل مجدداً اليوم، ومجدداً غداً.

موت مستمر

الأسبوع الماضي، أصدرت منظمة «هيومن رايتس واتش» الخيرية تقريرها الأخير بشأن أوضاع العمال المهاجرين في قطر، ووجدت أن الأنظمة التي تهدف إلى حماية العمال من الحرارة والرطوبة لا تزال غير مناسبة بشكل يرثى له. كما وجدت أن مئات العمال المهاجرين يسقطون موتى في مشاريع البناء كل سنة، لكن من الصعب التأكّد تحديداً من عددهم وكيف توفوا بالضبط، لأن قطر لن تخبرنا، أو حتى تقوم بتشريح الجثث.

الوفيات القليلة التي يجري تعدادها رسمياً تعطى عموماً وصفاً مبهماً مثل «أسباب غير معروفة»، «أسباب طبيعة» أو «سكتة قلبية»، ما يعطي الانطباع إنها مجرد جزء من دورة الحياة في مونديال الفساد.

ماتوا فقط، حسناً؟ تلك الأمور تحدث. وكانت منظمة «هيومن واتش» تضرب على هذا النوع من الوتر على مدى سنوات، مشيرة بصبر إلى الطرق التي تحاول قطر بها مقاومة الرقابة الخارجية، ووعود الإصلاح التي لا يتم فرضها أو تطبق فقط على شريحة صغيرة من القوة العاملة التي تقوم ببناء ملاعب كرة القدم فعلياً. لكن تقرير المنظمة الأخير بالكاد أثار همساً. قصة أخرى عن قطر؟ نعم كم هي فظيعة.

من الأسباب التي لا نرى أو نسمع من ضحايا الوحشية القطرية هو انه من المستحيل تقريباً الوصول إليهم. في مارس العام الماضي، زار وفد من الأمم المتحدة قطر للتحقق من التقدم، والتحقق من ظروف العمل، والتطور في معاملة العمال بشكل عام، تحدثوا إلى عامل بناء من النيبال الذي كان لديه إجابة لكل سؤال من أسئلتهم وبوضوح شديد. فكانت النتيجة أن طُرد العامل وأمر بصعود أول طائرة تعيده إلى نيبال. وعلى الطريق، أدرك أحدهم أن العامل «لم يعد له كفيل»، وموجود في البلاد بشكل غير قانوني منذ أن أومر بمغادرتها في التو واللحظة، ولكنه تأخر مسافة الطريق من مقر عمله إلى المطار، وهي فترة طويلة خالف بها قانون العبودية القطري، لذا يجب إيداعه في السجن فوراً، وهذا ما حدث، ومع ذلك، فإن وصف كأس العالم في قطر بأنه مجرد فضيحة خاصة بحقوق العمالة ستكون طريقة بشعة للسماح لها بالتهرب من مسؤوليتها.

يوم عائلي

وفي الدوحة هناك بعض الأماكن العامة، كالأسواق ومراكز التسوق وساحات المدينة تم تصنيفها «كمناطق للعائلات». في الواقع، بالنسبة إلى المحليين والغربين فقط. ويقوم حراس الأمن المسلحين بالدوريات في تلك المناطق، ويرافقون من يكون بمظهر من جنوب آسيا تجاه المخارج. ويُمنع المهاجرون حتى من العيش في مناطق معينة. منذ بضع سنوات، اقترح المجلس المركزي للبلدية في البلاد تصنيف نهار الجمعة، اليوم العطلة الوحيد لمعظم العمال، «يوم عائلي» يمنع خلاله غير القطريين من دخول مراكز التسوق المشهورة العديدة في البلاد. هذا هو الفصل عن طريق الإخفاء.

وفي غضون خمس سنوات، هذه هي البلاد التي سوف تفتح ذراعيها لتستضيف أكبر حفلة كرة القدم على الأرض. كأس العالم 2022 هي بطولة تم بناؤها على مقبرة الجثث البشرية. مغامرة قطر تكمن في أن العالم الأوسع، الغارق بعيداً في مشكلاتها، لن يهتم بما فيه الكفاية لإيقافها. وهي مغامرة تفوز بها حتى الآن ولكن هل ستفوز بها حتى النهاية، بالطبع بدأ العالم يستيقظ.

وهنا يأتي السؤال الكبير. ماذا بإمكان الجمهور المتعاطف مع العمال حول العالم أن يفعل حيال ذلك؟، في ظل سقوط «فيفا» في جيب قطر. لكن الخطوة الأولى لحل أي مشكلة هي رؤيتها، والتعرف إليها، وفهم كيف نتعامل معها.

أصدرت «كورنرستون غلوبال» للاستشارات، تقريراً بشأن المخاطر المحيطة بإقامة كأس العالم 2022 في قطر، تضمن نصيحة للشركات التي تعمل في الدوحة، أو لها علاقة بالمشروعات الرياضية الكبيرة، محذرة من احتمالات الخسائر.

وتضمن التقرير تحليلاً للأرقام والمخاطر المالية والاقتصادية المحيطة بمشروعات مرتبطة بكأس العالم، إضافة إلى تحليل للمخاطر السياسية في ضوء أزمة قطر، ومقاطعة الدول الداعية لمكافحة الإرهاب لها.

ولخص التقرير استنتاجاته في عدة ملاحظات أولية، تقدم صورة للشركات المعنية، لتعينها على اتخاذ قرار بشأن أعمالها في قطر.

أرقام ونتائج

الملاحظة الأولية، أنه في حال أقيمت المناسبة فعلاً في قطر عام 2022، فإنها ستكون الأعلى كلفة بأضعاف مضاعفة في تاريخ مسابقات كأس العالم قاطبة.

إذ تشير التقديرات الأولية إلى أن قطر ستنفق 200 مليار دولار على استضافة كأس العالم، ما يعني أن نصيب الفرد من مواطني قطر (313 ألف نسمة) من تلك الكلفة سيكون 6.4 ملايين دولار.

ويمكن تصور مدى تضاعف الكلفة إذا عرفنا أن كأس العالم 2014 في البرازيل كلفت 15 مليار دولار، وفي جنوب أفريقيا 2010 كانت الكلفة 3 مليارات، وفي ألمانيا 2006 ملياري دولار.

وأدت أزمة قطر إلى زيادة كلفة المونديال بما بين 20 و25 في المئة للشركات التي تستورد المواد المستخدمة في مشروعات كأس العالم.

كما أن المشروعات أصبحت متأخرة شهراً عن جدولها المحدد، ولم يفلح المقاولون والشركات في إقناع السلطات القطرية بتحمل فارق الزيادة في التكاليف.

قضايا واحتمالات

وبلغ عدد قضايا الخلافات المرفوعة على قطر في غرفة التجارة العالمية بحلول 2015 ما يصل إلى 30 قضية، فيما وصل عدد القضايا على الدوحة في الغرفة في السنوات العشر السابقة إلى خمس قضايا.

ويعتقد أن هناك عدداً أكبر من قضايا تتخلف فيها قطر عن دفع مستحقات المقاولين والمتعاقدين، لكن الأخيرين يخشون نقل النزاع لغرفة التجارة العالمية، خشية إنهاء أعمالهم في الدوحة.

وفي خلاصة تحليل المخاطر السياسية، يحذر التقرير من أن المعارضة للنظام في قطر تجمع صفوفها في الخارج، ولا يعرف ماذا ستكون نتيجة ذلك.

Email