انتهاك حقوق العمال وصمة عار في ضمير المنتمين إلى عالم كرة القدم

الدوحة تجسّد الجانب القبيح للرياضة

ت + ت - الحجم الطبيعي

رصدت منظمة حقوقية حملة تصيد إلكتروني استهدفت حسابات تابعة لصحافيين ونشطاء من المجتمع المدني في قطر والنيبال ينشطون في مجال حقوق الإنسان.

حسب المنظمة الدولية شهدت أواخر العام 2016 ورود رسائل إلكترونية لعدد من الأفراد المعروفين لديها من طرف حساب لامرأة تدعى «صافينا مالك» قدمت نفسها على أنها ناشطة متحمسة ومهتمة بحقوق الإنسان بشكل كبير لتدخل في حوارات ودردشات مع أهداف منتقاة، قبل أن يتضح أن ذلك يندرج في إطار حملة هجمات تصيد إلكترونية لسرقة هوية أصحاب هذه الحسابات والتجسس عليهم.

ويوجد ضمن هؤلاء صحافيون وحقوقيون ونقابيون وناشطون عماليون، والقاسم المشترك بين هؤلاء هو دورهم في تسليط الضوء على قضية حقوق العمال الأجانب في قطر.

في تقرير موثق، كشفت منظمة العفو الدولية أن العمال الأجانب، الذين يشيدون «استاد خليفة الدولي» في الدوحة استعداداً لاستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم في 2022، عانوا من انتهاكات منظَّمة، بلغت في بعض الحالات حد العمل بالسخرة.

ويوجه التقرير، الصادر بعنوان: «الجانب القبيح لرياضة جميلة: استغلال العمال في موقع بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر 2022»، انتقاداتٍ حادةً للاتحاد الدولي لكرة القدم («الفيفا») بسبب ما يبديه من لامبالاة صادمة إزاء المعاملة المروِّعة للعمال الأجانب. ومن المقرر أن يزداد عدد العاملين في الموقع المزمع لبطولة كأس العالم بنحو عشرة أضعاف، ليصل إلى حوالي 36 ألف شخص في غضون العامين القادمين.

وتعليقاً على ذلك، قال سليل شيتي، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، «إن انتهاك حقوق العمال الأجانب هو وصمة عار في ضمير المنتمين إلى عالم كرة القدم. فبالنسبة للاعبين والمشجعين، يُعد استاد كأس العالم مكاناً للأحلام والطموحات. أما بالنسبة للكثيرين ممن تحدثوا إلى منظمة العفو، فإن هذا المكان يُعد بمثابة كابوس فعلي».

ومضى سليل شيتي قائلاً: «بالرغم من الوعود المتكررة على مدى خمسة أعوام، فقد تقاعس الاتحاد الدولي لكرة القدم، بشكل كامل تقريباً، عن أن يضع حداً لتشييد بطولة كأس العالم على تلال من انتهاكات حقوق الإنسان».

ويستند تقرير المنظمة إلى مقابلات مع 132 من عمال البناء الأجانب الذين يعيدون تشييد «استاد خليفة»، والذي سيكون أول ملعب من ملاعب البطولة يتم الانتهاء من إنشائه، ومن المقرر أن يستضيف الدور قبل النهائي للبطولة.

كما أُجريت مقابلات مع 99 عاملاً آخرين كانوا يعملون في تجهيز المساحات الخضراء في المناطق المحيطة بمجمع «أسباير زون» الرياضي، حيث تدربت فرق «بايرن ميونخ» و«إيفرت» و«باريس سان جيرمان» في شتاء العام الحالي.

شهادات موثقة

ووصف كل عامل من عمال البناء والحدائق الذين تحدثت معهم منظمة العفو الدولية، نوعاً أو أكثر من الانتهاكات، ومن بينها: أماكن الإقامة المزرية والمكتظَّة، ودفع رسوم باهظة (تتراوح بين 500 دولار و4300 دولار) لشركات التوظيف في البلدان الموفدة للعمالة من أجل الحصول على فرصة في قطر، والتعرض للخداع فيما يتعلق بالأجر أو نوع العمل (تحدث معظم الذين أُجريت معهم مقابلات، على أنهم تلقوا أجوراً أقل من الأجور التي وُعدوا بها لدى وصولهم، وفي بعض الأحيان كانت الأجور الفعلية تقل بمقدار النصف).

وعدم تلقي الأجور لأشهر عدة، ما يؤدي إلى ضغوط مالية ومعنوية شديدة على العمال المثقلين بديون باهظة أصلاً، وعدم قيام أصحاب الأعمال بمنح العمال تصاريح الإقامة، أو امتناعهم عن تجديدها، ما يجعل هؤلاء العمال عرضةً لخطر القبض عليهم وترحيلهم باعتبارهم عمالاً «هاربين»، وقيام أصحاب الأعمال بالتحفظ على جوازات سفر العمال، والامتناع عن إصدار تصاريح خروج لهم، ما يجعلهم عاجزين عن مغادرة البلاد، وتهديد العمال إذا ما تقدموا بشكاوى عن أوضاعهم.

وكشفت منظمة العفو الدولية النقاب عن أدلة تثبت أن الموظفين في إحدى شركات استقدام العمالة لجأوا إلى تهديد بعض العمال الأجانب بعقوبات من قبيل عدم دفع أجورهم، أو تسليمهم إلى الشرطة، أو منعهم من مغادرة قطر، وذلك بغرض إجبارهم على العمل. ويُعد هذا بمثابة نوع من العمل القسري بالسخرة وفقاً للقانون الدولي.

أجور زهيدة

وقال سليل شيتي: «إن أوضاع العمال الأجانب، المثقلين بالديون والذين يعيشون في مخيمات مكتظَّة في الصحراء ولا يتقاضون سوى أجور زهيدة، تتناقض بشكل حاد مع أوضاع لاعبي كرة القدم المرموقين الذين سوف يلعبون في ذلك الاستاد. وكل ما يريده جميع العمال هو أن يحصلوا على حقوقهم: أي أن يتقاضوا أجورهم في موعدها، وأن تُتاح لهم مغادرة البلاد متى أرادوا، وأن يُعاملوا بكرامة واحترام».

وقد ذكر بعض العمال النيباليين في مقابلاتهم مع منظمة العفو أنهم مُنعوا حتى من زيارة أهاليهم في أعقاب الزلزال الذي ضرب نيبال في إبريل 2015 وخلَّف دماراً شديداً في البلاد وأسفر عن مصرع آلاف الأشخاص وتشريد ملايين آخرين.

وذكر نبيل (حُجب الاسم الحقيقي حرصاً على سلامة الشخص)، وهو عامل تعدين من الهند كان يعمل في تجديد «استاد خليفة»، أنه اشتكى لأنه لم يحصل على أجره طيلة أشهر عدَّة، فكان جزاؤه التهديد من صاحب العمل.

ومضى نبيل قائلاً:«كان يصرخ وينهال بالشتائم عليَّ، ويهدّدني بأنني لو اشتكيت مرة أخرى فلن أتمكن من مغادرة البلاد على الإطلاق. ومنذ ذلك الحين، أصبحت حريصاً على عدم الشكوى بشأن راتبي أو أي شيء آخر. وبالطبع، لو كان الأمر بيدي لغيرت عملي أو غادرت قطر».

أما ديباك، وهو عامل تعدين من نيبال، فقال: «حياتي هنا أشبه بسجن. فالعمل شاق، ونحن نعمل ساعات طويلة تحت الشمس الحارقة. وعندما اشتكيت أول مرة من وضعي، بعد وقت قصير من وصولي إلى قطر، قال المدير»بإمكانك أن تشكو إذا أردت، ولكن ستكون هناك عواقب جسيمة. أما إذا أردت أن تعيش في قطر، فعليك أن تظل هادئاً وتواصل العمل.

موقف ألماني

أعلنت ألمانيا رفضها إقامة المونديال بقطر، لوجود شبهات فساد في عملية الاختيار أو بسبب حرارة الطقس وسيلجأ الفيفا لإقامة المباريات في الفترة ما بين 21 نوفمبر و18 ديسمبر 2022، أو دعم الإرهاب وخاصة بعد مقاطعة الدول العربية للدوحة.

ولم تتوقف التصريحات الرسمية الألمانية الرافضة لقطر عند المستشارة انغيلاميركل، بل طالب لرينارد جريندل رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم، بضرورة سحب تنظيم كأس العالم 2022 من قطر.

وقال «جريندل»: «الاتهامات الموجهة لقطر بدعمهم الإرهاب قطعت الطريق أمام أحلامها لتنظيم المونديال.. بلد ناشط في دعم الإرهاب مثل قطر من الصعب أن تنجح في تنظيم المونديال، وأن يسمح له بتنظيم البطولة الكبرى».

كذلك طالبت كلاوديا روث، نائب رئيس مجلس النواب الألماني، بإزاحة قطر من مونديال 2022 قائلة: «قطع العلاقات السياسية مع الدوحة من بلاد الجوار والبلاد العربية دليل واضح أن قطر ليس البلد المناسبة لتنظيم المونديال». وأضافت: «اختيار قطر منذ البداية كان قراراً خاطئاً وجاء بالفساد والرشاوى»، متسائلة: «كيف يتم منح تنظيم كأس العالم لبلد ليس لها تاريخ كروي وتدعم الإرهاب ولا تراعي حقوق الإنسان.

Email