«البيان» تفتح ملف إرهاب «الحمدين» بحق القطريين (2- 2)

إمارة الرعب ..مأساة قبيلتي الغفران والمرة نموذج صارخ لتعسّف نظام الدوحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتمد تنظيم الحمدين في الدوحة سياسة قمع الحريات وتكميم الأفواه، إذ لم يسلم من هذه السياسة شاعر ولا ناشط ولا إعلامي ولا شيخ قبيلة، فالجميع في «إمارة الرعب»، معرّض للاختطاف أو الاعتقال أو سحب الجنسية أو الملاحقة القانونية. وتعبر مأساة قبيلة الغفران نموذجاً صارخاً لممارسات النظام القطري التعسفية ضد شعبه.

فقد طالبت الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان، مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بأن يدرج قضية قبيلة «الغفران» القطرية على أجندته، داعياً للتدخل بأسرع ما يمكن لوقف جرائم السلطات القطرية ضد أبناء هذه القبيلة. وجاءت المطالبة على هامش ندوة نظمتها الفيدرالية العربية داخل مقر المجلس في جنيف، بعنوان «جماعات حقوق الإنسان الدولية وقضية قبيلة الغفران».

وقال مؤسس ورئيس الفيدرالية د.أحمد الهاملي، «لن نتخلى عن قضية قبيلة الغفران الذين يعانون اضطهاداً لم يعد يمكن السكوت عليه». واستنكر الهاملي السياسات القطرية تجاه أبناء القبيلة، وأضاف: إنه «من الغريب أن تدعم الحكومة القطرية جماعات إرهابية مسلحة تزعزع الاستقرار في مختلف دول المنطقة، ثم توقف الدعم والحقوق المستحقة لأبناء شعبها القطريين».

استهداف «الغفران»

وقبيلة الغفران هي أحد الفروع الرئيسية لعشيرة آل مرة التي تشكل، حسب أحدث الإحصاءات بين 50 و60 في المئة من الشعب القطري. وكان أبناء «المرة» من أشد المخلصين لخليفة بن حمد آل ثاني، جد تميم، وكان «الغفران» يشكلون عصب حراسته وحاشيته والمقربين له، حيث كان يسند إليهم معظم الأعمال ويثق بهم لشعوره بأنهم يحبونه.

وبعد «الانقلاب» وتولي الشيخ حمد بن خليفة الحكم، أعلن عن أكثر من محاولة انقلابية لإعادة خليفة الأب إلى سدة الحكم من جديد، ولكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل، ما دفع بالنظام الحالي إلى توجيه الاتهامات والإجراءات التعسفية إلى قبيلة الغفران.

وفي قرار وصفوه بأنه مخالف لقوانين الدولة، شكا مواطنون قطريون ينتمون إلى قبيلة الغفران من قيام السلطات في الدوحة في مارس 2015 باتخاذ خطوات لنزع الجنسية بشكل جماعي عنهم وعن أولادهم بل وعن آبائهم وأجدادهم المتوفين بأثر رجعي، وذلك ضمن إجراءات يتعرض لها ذلك الفرع منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها أمير قطر السابق خليفة بن حمد آل ثاني، لاستعادة الحكم من ابنه حمد، إذ اتهم عدد من أفراد تلك القبيلة من العاملين في الشرطة والجيش، بالمشاركة في ذلك الانقلاب.

وطالت قرارات نزع الجنسية التي تعرضت لها «فخيذة الغفران» - وهي أحد فروع قبيلة «آل مرة» التي تستوطن قطر تاريخياً منذ أكثر من 200 عام - 972 رب أسرة،.

وامتدت لتشمل جميع أفراد عائلاتهم بالتبعية والبالغ عددهم 5266 فرداً هم عدد أبناء فخيذة «الغفران» بأكملها. وتبع تلك القرارات، إجراءات حكومية بفصلهم من أعمالهم ومطالبتهم بتسليم المساكن التي يقيمون فيها كمواطنين، وحرمانهم من جميع امتيازات المواطنة.

وقال فهيد المري، كبير إحدى الأسر التي توفي عميدها بعد رفض أحد المستشفيات القطرية علاجه، إن والده وعمره 70 عاماً، «أصيب باضطرابات كبيرة بعد سحب جنسيته، فأدخلناه إلى مستشفى حمد في الدوحة حين انهارت حالته الصحية، وتم التشخيص بأنه يعاني من فشل كلوي.

وقالت لنا إدارة المستشفى إن حالته سيئة ولا بد من سفره للعلاج خارج قطر، أو إرسال خطاب إلى الشيخة موزة بنت المسند، زوجة أمير قطر السابق لكي تتكفل بعلاجه في مستشفى حمد، وقمنا بإرسال خطاب للشيخة موزة وذكرنا حاله وأرفقنا التقرير الطبي.

وجلسنا ننتظر إلى أن توفي والدي بعدما طلبت منا إدارة المستشفى إخراجه لتردي حاله». وأضاف أن «الأسرة أصيبت بمعاناة شديدة، لكنها تعتبر نفسها محظوظة وأفضل من غيرها بعد لجوئها إلى السعودية ومنحها الجنسية، لكنني أؤكد أن أسرتي التي انتزعت منها حياتها لا تزال تعيش اضطرابات نفسية، ولم تتمكن من استعادة حياتها الطبيعية إلى الآن».

وأفاد المري أن «السلطات القطرية بدأت بقطع الماء والكهرباء عن المنزل من دون سابق إنذار، ثم بدأت قوات الأمن رصد أبناء القبيلة على أبواب المساجد، ومداهمة البيوت واعتقال الرجال والشباب، وتوقيعهم بالقوة على صكوك التنازل عن الجنسية في مركز العاصمة في الدوحة».

وأضاف أن «نصف آل مرة المسحوبة جنسياتهم ما زالوا إلى الآن في قطر، وهم يعتبرون أنفسهم في معتقل لأنني عشت شعورهم وعرفته جيداً، فهناك حالة من الخوف سائدة عند الجميع، إذ يخافون من الكلام وحتى التفكير، في مخاطبة الصحافة أو غيره، لأن بعض من حاول الوصول إلى الصحف الأجنبية حين كنا في قطر تم اعتقاله، لذلك يسود جو من الخوف على من هم هناك الآن».

تهجير جماعي

وقال مسعود جارالله المري، في تصريحات صحافية نشرت آنذاك، إن السلطات القطرية بررت هذا القرار الصادر في أكتوبر 2004 بأن تلك القبيلة تنحدر من السعودية وأنهم ما زالوا يحتفظون بالجنسية السعودية.

وأضاف أن عدداً كبيراً من أسر «فخيذة الغفران» أصبحت في وضع لا تحسد عليه بسبب وقف رواتبهم منذ شهور عدة، ورفض الجمعيات الخيرية وصندوق الزكاة القطري، الممول من تبرعات المحسنين، تقديم المساعدات لهم.

واعتبر المري أن اتهام السلطات القطرية لأبناء «فخيذة الغفران» بحمل الجنسيتين القطرية والسعودية دون غيرهم من القبائل والأسر الأخرى هو «ضرب من الكذب والافتراء»، مؤكداً أن كثيراً من مواطني وقبائل دولة قطر ما زالوا يحتفظون بالجنسيات السعودية والبحرينية والإيرانية معاً، وما زالت تلك الجنسيات سارية المفعول، ورغم ذلك لم تتخذ السلطات أي إجراء ضدهم، ووصف ما تتعرض له «فخيذته» بأنه يدخل في باب «التمييز العنصري» و«التطهير العرقي».

وأكد في هذا الصدد أن قبيلة «آل مرة» تعد من أقدم القبائل التي سكنت قطر منذ مئات السنين، وأنها كانت على علاقة قوية «بآل ثاني» منذ عهد المؤسس الأول الشيخ قاسم بن محمد ومن تبعه من الأسرة الحاكمة.

مشيراً إلى أنه لما تولى الأمير خليفة بن حمد آل ثاني مقاليد الحكم عام 1972 بعد عام من الاستقلال، فتح الباب لكل من لديه رغبة في اكتساب الجنسية من أقارب القبائل والأسر المعروفة في الدولة من دون مطالبتهم بجنسياتهم السابقة فوفدت بطون وأفراد من السعودية والبحرين وإيران واليمن ودول أخرى، وحصلوا على الجنسية واستقروا في الدولة ولم يطالبوا بالتخلي عن جنسياتهم السابقة، ولم يسألوا عنها أبداً.

وكشف المري أن التنكيل الذي تعرضت له «فخيذة الغفران» بدأ عام 1996 بعد استيلاء حمد بن خليفة آل ثاني على الحكم من والده، وحاول الأب استعادة حكمه بمعاونة بعض الأفراد من ضباط الجيش والشرطة.

ولكن الفشل كان من نصيب تلك المحاولة، وبعدها اتهمت السلطات «الفخيذة» بالتحريض والتخطيط للانقلاب، باعتبار أن عدداً كبيراً من المشاركين فيها من الضباط كانوا من أبنائها، في حين برأت ساحة آخرين من أبناء القبائل الأخرى لأسباب اجتماعية أو لقرابتهم لمسؤولين.

وقال المري: إن الإجراءات التي طالت أعداداً كبيرة من المسؤولين والموظفين والضباط والمواطنين من أبناء «الغفران» شملت الفصل من الوظائف وسحب جنسية بعضهم، واعتقال آخرين لمدد طويلة دون محاكمات حيث تعرضوا لأشكال من التعذيب الشديد داخل السجون.

وأبرز المري أن الإجراءات امتدت إلى إنهاء خدمات كثير من الموظفين والعسكريين (من هذه الفخيذة فقط) دون غيرهم ممن أدرجت أسماء أقربائهم في العملية الانقلابية، فضلاً عن حرمانهم من الوظائف المدنية الأخرى ثم تطور الإجراء إلى منع أبنائهم من الالتحاق بالوظائف المدنية عند اكتمال دراساتهم الثانوية أو الجامعية وذلك عن طريق عدم تحرير شهادة حسن سيرة وسلوك التي بموجبها يتم قبول طلبات التوظيف، كما مورست ضغوط نفسية على من هم على رؤوس أعمالهم المدنية.

وقال: إن الجديد في القرارات الأخيرة، أنها وسعت دائرة الظلم الواقع على «الفخيذة» فلم يشمل إسقاط الجنسية أفراداً بعينهم فحسب ولأسباب معلنة، بل شمل أيضاً المتوفين والشيوخ الطاعنين في السن والأرامل والأيتام والرجال والنساء والأطفال من أقاربهم بدون استثناء، في مخالفة لأبسط قواعد قانون الجنسية القطري لسنة 1961 الذي تنص مادته رقم (15) على أنه «يترتب على إسقاط الجنسية زوال الجنسية القطرية عن صاحبها وحده إذا وجد السبب».

وأضاف: إن لجنة حقوق الإنسان لم تبدِ أي استجابة للمطالبات والتظلمات التي قدمها أبناء «فخيذة الغفران» ولم تقم بأي فعل لمساندة من انقطعت موارد رزقهم، وذلك بسبب كونها جهازاً حكومياً لا يستطيع التعليق على قرارات السلطات، مبدياً اندهاشه.

من جهته، أكد عميد سابق في الجيش القطري من قبيلة المرة فخذ الغفران أن ما حدث لقبيلة وفخذ الغفران خاصة في قطر لم يكن وليد اليوم، وقال إنه «ومنذ الانقلاب الأبيض، وتولي حمد بن خليفة حكومة قطر والقبيلة تعاني المرارة وما زالت».

وأضاف أن «قطر لم تكن لتقدم على ما أقدمت عليه في هذه الأيام من طرد لأكثر من سبعة آلاف قطري من «المرة» لولا التواجد الأميركي الكثيف في قطر الذي يعد صمام الأمان للحكومة جراء اتخاذ أي خطوة من الممكن أن تفكر فيها حالياً أو مستقبلاً».

وقال: إن «فخذ الغفران ليسوا وحدهم من عانوا عبر سنوات مضت من جور الحكم القطري، بل إن كثيرين من قبيلة المرة ومن أفخاذ أخرى عانوا، ولعل الأضواء سلطت إعلامياً على فخذ الغفران بوجه الخصوص لكونهم السواد الأعظم من هذه المعاناة»،.

مشيراً إلى أن مثل هذه الخطوة التي حدثت سبقتها خطوات عديدة كإجراءات تعسفية لا مبرر لها كطرد بعض كبار المسؤولين في الدولة وخاصة ذوي المناصب العسكرية من وظائفهم والتضييق عليهم بالتهديد والوعيد بالطرد من قطر إذا صعدوا الأمر إعلامياً.

واضاف: «حينما كنت خارج قطر مقيماً في السعودية، تم طرد أخي من وظيفته وهددوني بطرد ولديَّ من وظائفهما واعتقالهما، لذا سلمت نفسي للحكومة القطرية كي أنتهي من دوامة القلق النفسي الذي عانيت منه سنوات البعد عن الوطن والأهل، ولم يمض من الوقت سوى سنة ونصف السنة حتى أتى القرار الجائر بطرد كل أفراد فخذ الغفران من قطر وسحب جنسياتهم بطريقة يصعب عن النفوس السليمة تقبلها».

وتابع : إن «هناك حالات من التعذيب الجسدي والنفسي والملاحقات ما زالت تطال الكثيرين من قبيلة المرة، ولا أستبعد مزيداً من الإجراءات السرية ضد هذه القبيلة، كونها الأشهر في قطر انتماءً وقرباً من الحاكم المخلوع خليفة بن حمد ولكون علاقتهم بالقبيلة في السعودية ذات أواصر وثيقة من الصعب أن تفرقها سياسات الدوحة، فهي علاقة نسب وقرابة ورحم».

 

 

Email