الدوحة سمسار سياسي يستلهم تجربة دولة الاحتلال

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كتاب «أحلام العظمة القطرية: ميراث الفضائح للثالوث الحاكم» للكاتب الصحافي شريف تغيان الصادر عن دار «بيسان» اللبنانية، ورد في كلمة الناشر أن «السر الذي صاغته أميركا بدقة متناهية، هو الفكرة الأساسية للاعتماد على قطر في أن تكون الجوكر الذي يقوم بدور السمسار السياسي في المنطقة لصالح الغرب وربيبته إسرائيل، وحتى يتم هذا الدور بنجاح، فقد تم تحديد الهدف الأساسي بعرقلة دور الدول الكبرى في المنطقة العربية سواء في عصر قيادتهم الحاكمة قبل ثورات الربيع العربي أو العصر الذي يليه، وبذلك يتم نقل مركز الثقل العربي من القلب إلى الأطراف حيث كانت الفلسفة التي حركت الدوائر الصهيونية إلى الاعتماد على قطر، أنها دولة صغيرة مثل إسرائيل، ومن المهم أن تضرب مثلا على قدرتها على قيادة المنطقة، ليصبح الدور الذي تحرص إسرائيل على لعبه في المنطقة مقبولاً.. فكان السلاح الأساسي الذي استخدمته قطر في تحقيق دورها هو الإعلام من خلال قناة الجزيرة، أما السلاح الثاني الذي حملته قطر كان المال، والشاهد أن الأموال تدفقت على بعض القطاعات في تونس ومصر، ومنها بعض دوائر الشباب تحت مسميات براقة مثل تشجيع الديمقراطية والإطاحة بنظامي بن علي ومبارك وتغيير الأنظمة العربية.

تناقض

وجاء في سياق كلمة الناشر أن الأفكار التي صدرتها قطر عبر دوائر معينة إلى الشباب المصري تحديداً كانت معقولة في السياق الداخلي لكل دولة، لكنها كانت مخبولة من حيث خروجها من دولة تقع على أرضها أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، كما أنها تغازل إسرائيل غزلاً صريحاً لا عفة فيه، وفي الوقت ذاته تداعب إيران مداعبة الخلان، كما أنها تقف مع دولة عربية أو نظام حاكم ثم تنتقل إلى عكس مواقفها تماماً، وذلك كله وفقاً للتعليمات التي تأتيها من مراكز صنع القرار الدولي، وكذلك تمشياً مع طبيعة السمسرة السياسية التي لا تتوقف بدءًا من المجالات السياسية وتصدير الغاز، وصولاً إلى المجالات الرياضية حيث منحت الدوائر العالمية قطر حق تنظيم كأس العالم في 2022 دون أن تستحق أو تكون مؤهلة لذلك على الإطلاق.

قفاز

ويقول الكاتب إن هذا الدور الخطير الذي تضطلع به قطر في تسويق الإستراتيجية الأميركية والعمل كقفاز يخفي القبضة الأميركية الضاربة، كان سيصطدم بالإمكانيات المحدودة لقطر، لولا الخطة الجهنمية التي طبقتها القيادة القطرية بدعم أميركي صهيوني واضح والمتمثل في إعادة تطبيق النموذج الإسرائيلي في هذه الدولة الخليجية الصغيرة.

وقد فسر المؤلف أن مدى ولع حكام قطر بالنموذج الإسرائيلي، راجع إلى اكتشاف الساسة القطريين أن إسرائيل هي إعلام ومال ورعاية أميركية، طارحاً مجموعة من الأسئلة التي تفضي إلى كشف الترابط بينهما من قبيل: لماذا لا يكونون هم كذلك ما داموا يمتلكون المقومات نفسها التي تؤهلهم لذلك؟ والسؤال هنا هل أخطأ الساسة القطريون في هذه القراءة أم لا؟ وهو سؤال قابل لأكثر من إجابة أو وجهة نظر حسب الكاتب الذي يعتقد أن الساسة القطريين وقعوا في مقاربة خاطئة وقراءة مقلوبة للواقع، فإسرائيل تمتلك قوتها من تمركزها في البنية السياسية والاقتصادية والإعلامية الأميركية والغربية تحديداً، بل تشكل أحد أهم مدخلاتها ومخرجاتها إضافة إلى أن الحالة اليهودية تشكل جزءاً هامّاً من الذاكرة الجمعية الغربية في سردية تاريخية تعود نقطة البدء في تشكلها إلى أكثر من 3 آلاف سنة ويزيد، فالبعد الروحي مكون أساسي في النظرة الغربية إلى هذا الكيان ليأتي الدور الوظيفي ملتحقا به، فالمساحات المشتركة بين إسرائيل والغرب لا تتوفر إطلاقا بين الغرب بجناحيه، وإمارة قطر دون الإشارة إلى بنية وطبيعة ومقومات إسرائيل وما تمتلكه من إمكانات وفارق تقني ومعرفي قياسا على الحالة القطرية.

استلهام

وفي السياق ذاته، أوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة د.طارق فهمى، إن النموذج الإسرائيلي الذي تستلهم قطر أبعاده جيدا سيظل هو الملهم الأول والأخير للمسؤولين القطريين الذين درسوا جيداً كيفية التعامل مع مطالب تسليم بعض الأسماء المتهمة بدعم شبكات الإرهاب وتمويل بعض التنظيمات والكيانات الإرهابية والضلوع بالقيام بعمليات تأليب الأوضاع المستقرة في عدد من الدول العربية المقاطعة، وهو نفس ما اتبعته إسرائيل في المراوغة بغلق ملف المطالبة بمحاكمات بعض قادة حروب غزة الأخيرة بل نجحت في تهريب عدد من المسؤولين الإسرائيليين الذين كانوا مطلوبين أمام القضاء الدولي، ولعل واقعة تهريب إيهود باراك وتسبي ليفني وشاؤول موفاز دليلا على هذا، وهو ما يتشبه به القطريون الذين يعلمون أن هناك قوائم كاملة تضم أسماء قطرية بارزة متورطة للقيام بأعمال إرهابية في عدد من الدول العربية، ومعرفون بالاسم وأن المطلوب بالفعل تسليم بعضهم لمحاكمته أمام التنظيم الدولي.

ويضيف فهمي: إذا كانت عصابات الأرجون وشترين وهاجناه هي التي أسهمت في إنشاء إسرائيل وإقامة كيانهم على أرض عربية، فإن هذه التنظيمات اليهودية هي التي وضعت أسس الإرهاب اليهودي في المنطقة منذ سنوات طويلة، فإن قطر هي التي دعمت ومولت عشرات التنظيمات الإرهابية في المنطقة، والتي نشأت في السنوات العشر الأخيرة بل قبلها بكثير، وسعت للسطو على سيادة الدولة الوطنية مثلما فعلت إسرائيل سلفا عندما هجرت الشعب الفلسطيني من أرضه، وأقامت "دولة إسرائيل".

من الواضح إذن، أن قطر استلهمت بالفعل التجربة الإسرائيلية، ودرست خبراتها جيداً وتتعامل في الوقت الراهن مع خلاصة عناصرها، وهو ما يستوجب ردا عربيا مدروسا ومباشرا للوقوف أمام المخطط القطري التركي الإيراني، وهذا ما بدأ بالفعل بالتحرك المصري الخليجي صوب مجلس الأمن لندخل المرحلة التالية من سيناريو مواجهة قطر، ولننتظر لنرى.

Email