عبر صفقات تخارج مؤلمة بأسعار بخسة

أزمة السيولة تشعل موجة تصفية الأصول القطرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تفاقمت أزمة السيولة في الاقتصاد القطري مما يؤشر لموجة جديدة من بيع الأصول القطرية في الشركات والمؤسسات العالمية عبر عمليات تخارج «مؤلمة» بأبخس الأسعار نتيجة تزايد الحاجة إلى السيولة النقدية.

وشهدت الأيام الماضية عمليات تخارج من قبل المؤسسات وجهاز قطر للاستثمار في محاولة لتدبير السيولة في ظل عجز «المركزي القطري» عن القيام بالمهام المنوطة به بشأن توفير الأموال السائلة للجهاز المصرفي. وأوضحت «جلينكور» أن شركة سي.إي.إف.سي ستشتري أسهماً بعلاوة تبلغ نحو 16% فوق متوسط سعر 30 يوماً لأسهم «روسنفت» لكنها لم تذكر السعر. وقال متحدث باسم الشركة الصينية إن الشركة ستدفع 9.1 مليارات دولار.

وتبلغ القيمة السوقية لروسنفت 57 مليار دولار وتجعلها الصفقة واحدة من أكبر الاستثمارات على الإطلاق التي تنفذها الصين في روسيا. وستحتفظ جلينكور وجهاز قطر للاستثمار بحصتين قدرهما 0.5 و4.7% بالترتيب في «روسنفت». ووافقت «جلينكور» و«جهاز قطر للاستثمار» على شراء حصة نسبتها 19.5% في «روسنفت» في ديسمبر 2016 مقابل أكثر من 10.2 مليارات يورو لمساعدة الكرملين على سد العجز في الموازنة.

حصاد العزلة

ويأتي قرار قطر بتقليص حصتها في «روسنفت الروسية» بعد أيام قليلة من قيام الدوحة ببيع حصتها في بنك «لوكسمبورغ» الدولي الأمر الذي يكس مدى التأثر الشديد للاقتصاد القطري جراء العزلة نتيجة السياسات المتعنتة للدوحة.

وأبرمت شركة «ليجند هولدنغز» الصينية صفقة للاستحواذ على حصة نسبتها 90% في بنك لوكسمبورغ الدولي من الأسرة المالكة في قطر أخيراً، حيث تبلغ قيمة الصفقة نحو 1.48 مليار يورو (1.76 مليار دولار)، لتصبح أكبر عملية استحواذ للشركة الصينية بالخارج. وتشتري «ليجند» المالكة لمجموعة «لينوفو» لأجهزة الكمبيوتر، بنك «لوكسمبورغ» الدولي الذي تأسس قبل 161 عاماً من «بريسيشن كابيتال»، الذراع الاستثمارية لأفراد في الأسرة المالكة القطرية من بينهم رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني. وذكرت «ليجند» أنها تجري عملية الشراء عبر «بيوند ليب»، وحدتها في «هونغ كونغ. وكانت وكالة رويترز كشفت عن أن «ليجند» أجرت في يوليو محادثات مع بريسيشن بخصوص استحواذ محتمل على بنك لوكسمبورغ الدولي.

وتوقعت شركة «فيش» لإدارة الأصول قيام قطر بتسييل بعض أصولها بالفترة المقبلة، مثل حصتها في بنك كريدي سويس لتجنب المخاطر.

وتوقع «بنك أوف أميركا» نزوح 35 مليار دولار من النظام المصرفي، فيما كشف مصرفيون وصناديق تحوط أن الاحتياطيات المالية للدوحة لن تكون كافية للدفاع عن الريال في الأجل الطويل.

خروج الأموال

وأكدت مصادر اقتصادية أن عمليات تصفية الأصول القطرية ستتواصل خلال الفترة المقبلة مع ترنح الاقتصاد القطري في ضوء المقاطعة من الدول العربية المناهضة للإرهاب للدوحة ومع تزايد شح السيولة المصرفية نتيجة نزوح الأموال ونزوح الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة وهروب الودائع من البنوك.

وأمام ضعف السيولة المتفاقم باع مصرف قطر المركزي، أخيراً أذون خزانة بقيمة مليار ريال (274.7 مليون دولار) في عطاء شهري، بعد أن رفع العائد عن العطاء السابق لجذب المستثمرين، فيما هبط صافي ربح أهم القطاعات الاقتصادية القطرية خلال النصف الأول من 2017.

وباع مصرف قطر المركزي أذوناً لأجل 3 أشهر بقيمة 650 مليون ريال بعائد 2.25%، بما يتجاوز العائد البالغ 2.14% الذي باع به البنك أذوناً بقيمة 750 مليون ريال قبل شهر، ما يعني أنه سيدفع فوائد أعلى للمستثمرين مقارنة بالإصدار السابق، في محاولة لاستجداء الاستثمار في شراء الريال.

ونقلت شبكة «سي إن إن» الإخبارية عن محللين قولهم، إن البنوك القطرية تواجه حالياً أزمة في السيولة منذ قطع السعودية والإمارات والبحرين ومصر للعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الدوحة، لدعمها الإرهاب اعتباراً من 5 يونيو الماضي.

وكشفت بيانات أصدرها مصرف قطر المركزي في وقت سابق، أن ودائع المتعاملين الأجانب في المصارف القطرية بلغت في يونيو الماضي 170.63 مليار ريال (أو ما يعادل 46.86 مليار دولار) مقابل 184.58 مليار ريال قطري في مايو الماضي (أو ما يعادل 50.7 مليار دولار).ومثل ذلك تراجعاً شهرياً حجمه 14 مليار ريال (أو ما يعادل 4.12 مليارات دولار) وبنسبة 7.58%.

مراقبة سلبية

من جانبها ذكرت وكالة «فيتش» العالمية لخدمة المستثمرين أن بنوك قطر تتعرض لضغوط شديدة من حيث التمويل والسيولة بسبب خروج الودائع الأجنبية موضحة أن وضع البنوك القطرية التي تصنفها تحت المراقبة السلبية، ما يعكس المراقبة السلبية على التصنيف السيادي لقطر وينذر بتخفيضات جديدة له في المستقبل القريب.

وسوف يؤدي طول أمد المقاطعة إلى رفع تكاليف التمويل في سوق الدين العالمي على البنوك وسوف يعتمد الأثر على كل بنك على حدة على مدى اعتماده على المصادر غير المحلية في التمويل.

وتشمل قائمة البنوك التي تعتمد على مصادر تمويل خارجية كلاً من البنك الأهلي والخليج التجاري وبنك الدوحة وقطر الإسلامي أما البنوك التي يقل اعتمادها على مصادر التمويل الخارجية نسبياً فتشمل كلاً من بنك بورة وبنك قطر الدولي وبنك قطر الإسلامي الدولي.

رافد للتمويل

وبحسب خبراء ومصرفيين تعد الودائع رافداً رئيسياً للتمويل وتمثل الودائع 75% من التمويل في غير الأوراق المالية للبنوك القطرية وفي نهاية مايو بلغت الودائع غير المحلية في البنوك القطرية 25% من إجمالي الودائع، بارتفاع نسبته 10% عما كانت عليه من عامين عندما سحبت الحكومة القطرية مبالغ ضخمة عقب تراجع أسعار النفط العالمية الذي قلل العائدات التصديرية.

ومع تزايد إقراض البنوك بسرعة كبيرة لم تستطع الودائع غير المحلية أن تعوض الفجوة، خاصة من دول مجلس التعاون (وبخاصة السعودية والإمارات) وآسيا، التي جذبتها بنوك أخرى ذات تصنيفات أعلى. والودائع الخارجية أقل ثباتاً من الودائع المحلية. وتسببت المقاطعة في زيادة حدة المشكلة.

وكان هناك خروج كبير للودائع غير المحلية (خرجت 4 مليارات في يونيو و4 مليارات دولار في يوليو) والودائع غير المحلية بين البنوك (خرجت 11 ملياراً في يونيو و4 مليارات في يوليو)، وفق بيانات المصرف المركزي القطري وتمثل البنوك الممولة من مجلس التعاون نسبة مرتفعة من هذه الودائع.

فجوة كبيرة

ويشكل خروج الأموال البنوك القطرية تهديداً كبيراً في ظل الفجوة الكبيرة بين الودائع والتزامات البنوك المالية.

وفي نهاية أبريل بلغ 90% من الودائع استحقاقها لمدة عام واحد و60% لمدة 3 أشهر، رغم أن الودائع المحلية تميل إلى التجديد. وحاول صندوق الاستثمار السيادي القطري- جهاز قطر للاستثمار - وشركات حكومية أخرى تقديم المساعدة للبنوك القطرية عبر ضخ مزيد من الودائع في النظام المصرفي (2 مليار دولار في يونيو و7 مليارات في يوليو) ورفع المصرف المركزي تسهيلات الفوائد بين البنوك وضخ مزيد من الأموال (8 مليارات دولار في يونيو ومليار دولار في يوليو) إلا أن هذه الإجراءات كانت بمثابة المسكنات التي لا تعالج المرض الحقيقي أو تنهي معاناة القطاع المصرفي حيث تلاشت تأثيراتها سريعاً.

استنزاف الاحتياطيات

وذكرت وكالة «فيتش» أن السلطات القطرية تعاني من ضعف القدرة على دعم البنوك لا سيما وأن هذا الدعم سيتطلب استنزاف الاحتياطيات المالية.

وتتعرض البنوك المعتمدة بشكل أكبر على الودائع غير المحلية لضغوط أكبر من حيث تصنيفها الاعتمادي (مدى المخاطر).

وأضافت الوكالة العالمية أن سحب الودائع الأجنبية من البنوك القطرية يحتمل أن يرفع المنافسة بين البنوك من أجل جذب الودائع المحلية مما يرفع من تكلفة التمويل ويضغط على الأرباح، موضحةً أن البنوك ذات الاعتماد الأكبر على الودائع الخارجية سوف تضطر إلى دفع تكاليف أكبر لجذب الودائع المحلية من البنوك الأخرى، لأن تلك الأخيرة أكثر ثباتاً ومن السهل الحفاظ على ودائعها بدلاً من جذب ودائع جديدة.

وأكدت مؤسسات اقتصادية دولية ووكالات تصنيف عالمية تزايد المخاطر المحدقة بالاقتصاد القطري، حيث تسابقت في خفض التصنيف الاقتصادي للبلاد وللعديد من المؤسسات وكبريات الشركات والمصارف القطرية موضحة أن تواصل نزوح الودائع يضغط على هوامش ربح القطاع المصرفي.

ووضعت «فيتش» في وقت سابق، التصنيف الائتماني لقطر قيد المراجعة، مع احتمال الخفض مستقبلاً لتنضم بذلك إلى وكالتي «ستاندرد آند بورز» و«موديز»، اللتين خفضتا التصنيف الائتماني لقطر.

انعكاسات سلبية

وبحسب «فيتش»، سيكون لتواصل قطع كل من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر للعلاقات مع الدوحة انعكاسات سلبية على بيئة الأعمال في قطر إذا ما استمرت الأزمة لفترة أطول، حيث إنها ستضر بنموذج أعمال الشركات القطرية، بما فيها الشركات المملوكة للدولة، موضحةً أن هذا قد يؤدي إلى تعثر الشركات، ما قد يستوجب تدخل الحكومة لإنقاذها، وهو ما سيرتد على الوضع المالي العام.

وتأتي هذه النظرة السلبية من «فيتش»، بعد أن كانت وكالة «ستاندرد آند بورز» قد خفضت التصنيف السيادي لقطر إلى ــ AA ونتيجة لذلك خفضت الوكالة تصنيف بنك قطر الوطني QNB أكبر المصارف القطرية، ووضعته مع بنك قطر التجاري، وبنك الدوحة وقطر الإسلامي، على قائمة المراقبة لمزيد من التخفيض السلبي، نتيجة اعتماد هذه المصارف الكبير على الحكومة، الأمر الذي انعكس على معدل الفائدة بين المصارف، الذي قفز إلى 230 نقطة أساس، وهو المستوى الأعلى في 7 سنوات.

استدامة النمو

وكانت «موديز» قد بدأت سلسلة التخفيضات فخفضت التصنيف الائتماني لقطر من AA 2 إلى AA 3، نظراً لضعف المركز الخارجي للبلاد، والضبابية التي تحيط باستدامة نموذج النمو.

وتوقعت «موديز» انخفاض عدد سكان قطر ابتداء من عام 2020 أو حتى قبل ذلك، لأن الزيادة خلال السنوات القليلة الماضية اعتمدت على المشاريع التي أطلقت استعداداً لكأس العالم 2022 ــ ومع قرب انتهائها سيغادر كثيرون البلاد؛ الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع الاستهلاك والاستثمار.

Email