الدوحة تعمّدت التعاون مع طهران رغم أطماع إيران التوسعية

اللعب على الحبلين منهاج سياسة «الحمدين»

ت + ت - الحجم الطبيعي

نشر مركز الدراسات السياسية العالمية «سنتر فور غلوبال بوليسي» بقلم أحد كبار باحثيه مقتدر خان، دراسةً جديدة تناولت الشأن القطري. وأكد البروفسور المتمرس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة ديلاوير الأميركية أن اتباع سياسة اللعب على الحبلين هو التوصيف الأمثل الذي يجسّد نهج قطر في مجال السياسة الخارجية على امتداد السنوات الأخيرة.

فالدولة التي تعدّ المصدّر الأكبر في العالم للغاز الطبيعي المسال تودّ أن تكون جزءاً من مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية، من جهة، لكنها تعمل على الجانب الآخر على اتباع سياسةٍ خارجية أحادية تتجاوز من خلالها إطار العمل المتعدد للمجلس. ترغب قطر باختصار، في الحفاظ على علاقات جيدة مع السعودية، وفي الوقت ذاته مع غريميها الإقليميين الأساسيين المتمثلين بتركيا وإيران.

هدف واضح

تعد قطر عضواً في مجلس التعاون الخليجي الذي تأسس 1981 بهدف معلنٍ واضح هو التكامل الاقتصادي لخلق سوق وعملة موحدتين داخل دول الخليج العربي. وأصبح التكتل الذي نشأ رداً على التهديد الإيراني التوسعي أكثر تماهياً مع صورة الحلف المعادي لطهران. ومع ذلك، تعمّدت الدوحة التعاون مع إيران التي استعادت معها العلاقات الدبلوماسية في 24 أغسطس الماضي.

وتزعم الجزيرة، المحطة التلفزيونية القطرية، أنها تدعم الحريات النسبية في العالم العربي، على الرغم من افتقادها محلياً. وترى الدول المجاورة إلى دعم الدوحة للحريات السياسية على أنها نوع من الترويج للتعصب الديني. وعلى الرغم من مطالبة قطر ظاهرياً بمحاسبة الأنظمة التي تعتبرها مستبدة فهي تغض الطرف عن حجم الأوتوقراطية المتنامية في تركيا، إحدى الدول الحليفة لها.

وتعمل بالرغم من انتقادها اللاذع للسياسة الأميركية الخارجية على إيواء المقار الأساسية الإقليمية للقواعد العسكرية المركزية على أراضيها.

سياسة ازدواجية

وأمعنت قطر وفق كلام خان على مدى أعوام في انتهاج سياسة ازدواجية في علاقاتها الخارجية من دون أن تخضع فعلياً لأية محاسبة حقيقية. لقد وضعت الأزمة الراهنة قطر على مفترق طرق يحتّم عليها الاختيار إما البقاء في كنف التعاون الخليجي الحاضن، أو الدخول في علاقة معقدة وغير متكافئة مع إيران وتركيا. ويبدو أن الدوحة تسير في الخيار الثاني بعدم امتثالها لمطالب الدول الداعية لمكافحة الإرهاب.

ولعلّ خيار الدوحة اللعب على أكثر من حبل، نظراً لصغر مساحتها وضعف قوتها العسكرية وتطويق قوى إقليمية قوية لها، هو الاكتفاء بلعب دور العميل لإحدى القوى الكبرى.

تدهور بطيء

تعكس الأزمة القطرية، من المنظور الدولي التدهور البطيء للنظام الليبرالي الجديد الذي تسيّد السياسة العالمية منذ تسعينيات القرن. ونشهد اليوم حالةً من التصدي الآخذ شكل القومية الانتقامية العاملة على تقويض العولمة. وليس ما نراه في المنطقة إلا امتداداً لحالة وهن تحالفات القوميات المتعددة، والصراع بين منطق الهوية الجماعية لكيان مجلس التعاون الخليجي، والمصالح القومية الفردية.

إن قطر اليوم ناقلة أمراض تحمل عدداً من الفيروسات السياسية المتمثلة أولاً بتنظيم الإخوان التي يجد مفكروها وناشطوها في قطر الملاذ الآمن، وفي محطتها الجزيرة، البوق المروج والممول السخي. وفي حين يعد التنظيم الإخواني الإرهابي طاعوناً لا بدّ من استئصاله ترى فيهم قطر وسيلة لحشد كمّ غير متكافئ من النفوذ في المنطقة.

ولهذا السبب قررت الدول الداعية لمكافحة الإرهاب فرض مقاطعة على قطر يجبرها على مواجهة نتائج سياستها، ودرء فيروساتها الخبيثة عن دول المنطقة، كما أعرب يوسف العتيبة، سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن.

عاصمة منبوذة

تترك الأزمة القطرية بصمات واضحة على النظام القائم في العالم العربي وتجرّ تداعيات تدوم طويلاً. وفي حين لا يزال مبكراً التنبؤ بالمحصلة النهائية للأزمة المتكشفة فصولها تباعاً، يمكن تبيّن ملامح الخاسرين والرابحين حتى الآن.

وتبدو قطر في لعبة موازين القوى خاسرةً، وقد تردد صدى إدانة سياستها الخارجية في الخليج والمنطقة قوياً. وتحوّلت الدوحة، التي أملت أن تصبح أكثر أمناً ونفوذاً، بدعمها الربيع العربي والإخوان والجزيرة وحماس، إلى عاصمة منبوذة في دول الخليج والعالم العربي عموماً. ولم يسهم تقرّبها من إيران وتركيا إلا في تفاقم الأمور.

Email