«الصلة الداعشية» ظاهــــرة إلحادية تغذيــها دوحـــة الشرور

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يحذر الكاتب د. أحمد خيري العمري، من الممارسات الفكرية الإرهابية القطرية، التي أنتجت ظاهرة جديدة بدأت تنتشر بين أوساط الشباب العرب، بفعل أعمال ودعوات «دواعش الإرهاب» المُمولين من قطر.

ويقول في هذا الشأن: لا يمكن لأي متفاعل على قنوات التواصل الاجتماعي، في السنوات الأخيرة، إلا أن يلاحظ ازدياد ظاهرة الإلحاد «الجديد»، عند بعض الشباب العرب، وأسميه بالجديد لتمييزه عن الإلحاد الذي كان يعرف سابقاً.

والذي كان يتخذ الفلسفة مدخلاً للإلحاد ويملك لغة مختلفة في الطرح. إن الإلحاد الجديد مختلف والأسباب الفلسفية فيه تأخذ مركزاً متأخراً، فمداخله المعلنة هي مزاعم تناقض العلم الحديث مع الدين، وشبهات أخرى ترتبط بالنصوص الدينية وبتاريخ الأديان بشكل عام، ولغته شديدة الحدة مقارنة بالإلحاد المعروف تقليدياً.

.وهو فعلياً، يقف خلفه فكر تنظيم داعش ومن ورائه دول الشر بزعامة قطر. وهذا عمليا ينضوي في إطار تهديم الفكر القويم والنهج الإبداعي الخلاق لدى الشباب العرب..ومحاولة نشر التقهقر والتخلف كنهج عصري يسم مجتمعاتنا.

ويضيف العمري: لا يمكن فصل الظاهرة بشكل عام، ونتيجة لمخططات قطر الإرهابية، عن كل المتغيرات التي حدثت في السنوات الأخيرة، في ما بعد 2011، ومن ضمنها (انتشار وسائل التواصل الاجتماعي نفسها)، لكن ثمة عامل آخر شديد الوضوح لا يمكن تجاهل أثره على الظاهرة، هذا العامل يمكن تسميته بـ«الصلة الداعشية».

ويشرح العُمري عن «الصلة الداعشية»: الصلة الداعشية هنا، ليست داعش كتنظيم مسلح له قوانين خاصة بالانضمام له والبيعة لقائده، بل أيضاً بكل من يحمل فكراً داعشياً، وإن لم ينتم بل حتى إن انتمى لتنظيم آخر يحمل اسماً مختلفاً وشعارات تبدو أكثر سلمية (لكن الاستعداد للتحول متوافر لديه).

«الصلة الداعشية» هنا هي ما يمكن تسميته برابطة أو (فريق مشجعي داعش) على التواصل الاجتماعي، والذي يلعب دوراً لا يقل وربما يزيد في بعض الجوانب، على خطورة دور ذلك التنظيم الفعلي.

ويتابع : ويتابع: هذه الرابطة على وسائل التواصل الاجتماعي، تعطي للتنظيم صورة مختلفة عن صورة الجريمة التي يفاخر بها التنظيم، فعلى سبيل المثال يرى المشاهد العادي في فيديو ما، جريمة التنظيم المقترفة باسم الإسلام، كما يزعم هؤلاء القتلة، فتأبى فطرته إلا الاشمئزاز والرفض، ثم يأتي فريق مشجعي داعش ليدافع ويبرر ويستخدم المزيد من النصوص الدينية ووقائع السيرة ليشرع الجريمة.

مشرعو الجرائم

ويشرح أحمد العمري الأثر التراكمي المتشابه لـ«مشجعي داعش» المدعومين قطرياً: الجريمة المرتكبة في فيديو ما ينشره «الداعشيون» مثلاً ستجد مَن يبررها في التعليقات، مَن سيذكر المتلقين بوجود جرائم أخرى مشابهة لا يلتفت إليها الإعلام كثيراً (مثل جرائم الميليشيات الموالية لإيران التي لا تقل بشاعة عن جرائم داعش).

وهذا سيترك أثراً تراكمياً بلا شك على المتلقي المتابع للتعليقات. وربما تكون هناك حسابات وهمية فعلاً، أو يكون هناك جيش إلكتروني داعشي يقوم بوضع التعليقات، ولكن هناك بالتأكيد فريق مشجعين حقيقيين لا يرتبطون بالتنظيم إلا فكرياً، ومؤكد أن غالبيتهم ممولة من دولة الإرهاب.

ويستطرد: أكثر التعليقات تأثيراً تأتي من أشخاص يقيمون في الغرب مؤيدين لداعش، هؤلاء يمنحون داعش جزءاً من (عقدة الخواجة) التي يعاني منها الكثيرون تجاه الأجنبي الغربي خصوصاً. وتأييد هؤلاء لداعش عبر تعليقاتهم، يرسل رسالة ضمنية إلى المتلقين العرب «لا بد من أن داعش فيها ما هو جيد بحيث يؤيدها غربيون/‏‏‏‏‏‏‏‏ أو أشخاص يعيشون في الغرب من أصول غير غربية».

ولكن أليس رد الفعل والتساؤل الطبيعي تجاه تعليقات هؤلاء: لماذا لا تتركون الغرب إذن وتلتحقون بداعش ما دمتم تؤيدونها؟ وهذا ما حدث فعلاً. الآلاف من الغربيين التحقوا بداعش فعلاً. ولكن طرق تجنيد داعش لهؤلاء كانت معقدة وقد نُشرت عنها دراسات مهمة..

إضافة إلى أن استراتيجية تجنيد هؤلاء كانت تعتمد على سياسة (البيع بالتجزئة وليس بالجملة)، أي أنها كانت تقوم بدراسة الدوافع النفسية لكل شخص مستهدف على حدة، وتقدم له رسالة شخصية تخصه وتجذبه هو تحديداً، بينما كانت تتبع سياسة أكثر عمومية (بالجملة) في تجنيد غير الغربيين.

فلننتبه هنا إلى أن هذا التعقيد في استراتيجية التجنيد لدى داعش، إذ يحتاج معها إلى خبرات وتمويل قد يفوق تمويل الأسلحة المباشرة التي تستخدمها داعش (وهو يطرح حتماً تساؤلات عن ذلك).

مشكلة كبيرة

وأما بشأن المشكلة الكبيرة في أثر فريق (مشجعي داعش) على المتلقين، فيبين العُمري أنه حتى لو اقتنع البعض بأن داعش (صنيعة مأجورة للتخريب)، فإنه من الصعب أن يكون كل مشجعيها مأجورين كذلك، علماً أن هؤلاء من المسلمين الذين تعرضوا لغسل أدمغتهم وصاروا مقتنعين بما تفعله داعش من فظائع باسم الدين.

ويضيف: بنظرة عامة، لا يمكن مطلقاً الفصل بين صعود داعش التي تدعمها وتمولها قطر (وخصوصاً في ما بعد 2013) وتزايد ظاهرة الإلحاد الجديدة، ولكن بالتأكيد، فإنها ليست السبب الوحيد، ولكنها من ضمن أهم الأسباب، حيث لن يعترف الملحدون الجدد بأن داعش هي سبب إلحادهم، ففي الغالب هم يعزون ذلك إلى أسباب فكرية.

لكن النقاش معهم سيكشف أن لداعش يداً طولى في ذلك، ولا شك في أن فظائعها وإصرارها على أنها تفعل ذلك باسم الإسلام جعل الكثيرين منهم يسقطون قطعة الدومينو الأولى في إيمانهم، ومن ثم سقط كل شيء بالتتابع.

ويستطرد العمري: «الصلة الداعشية» لا تنتهي عند هذا الحد، فهناك ما هو أكثر.. ثمة شيء «داعشي» في هذا الإلحاد الجديد، الذي تجاوز مسألة عدم الإيمان، إلى مسألة العداء الصارخ للدين ومهاجمته وإهانة رموزه طيلة الوقت.

حيث إن هذا الإلحاد الجديد داعشي في خطابه. بمعنى أن خطابه يرفض فكرة التعايش مع المؤمنين ويرفضهم، بالضبط كما يفعل الدواعش مع الآخرين، والجدير ذكره أن المتطرفين في جوهرهم متشابهون حتى لو كانوا متناقضين، لديهم هذه الرؤية المطلقة الجامدة المتصلبة. كل شيء أبيض أو أسود. لا لون آخر.

لذلك ليس غريباً أبداً أن تحدث تلك الانقلابات الكبيرة المعروفة في وسائل التواصل الاجتماعي لأشخاص كانوا دواعش مثلاً أو قريبين من ذلك، عبر الانتماء لتنظيمات مقاربة، ولكنهم ينقلبون إلى ملحدين متطرفين في الإلحاد.

ويؤكد أحمد العُمري أن هذا الانقلاب الكبير حافظ على الصفات الشخصية للمتطرفين بدعم قطري، حيث بقي نظام التشغيل كما هو، لكن تغيرت المعلومات المدخلة.

برنامج متفرد

ويوضح العمري أنه عندما قدم برنامجه (Anti إلحاد)، على اليوتيوب في رمضان الماضي - وهو جزء من مشروع أكبر عن الإلحاد يعمل عليه - خصص 4 حلقات عن ظاهرة العنف باسم الإسلام، باعتبارها من أهم الأسباب التي تدفع الشباب إلى الإلحاد.

ويضيف: المختلف في ردود الأفعال على هذه الحلقات كان مثيراً للاهتمام، ففي الحلقات الأخرى التي تناولت موضوعات مختلفة، كانت ردود الأفعال طبيعية ومتوقعة، ملحدون يحاولون إيجاد نقاط ضعف في الحلقة، ومؤمنون يردون عليهم أو يأتون بما يقوي الحلقة، أو يعترضون على طرحها ولكنهم يبقون بمواجهة الطرف الآخر.

أما في حلقات العنف، فكان ثمة اتفاق غريب ومثير للاهتمام بين طرفين قد يبدوان للوهلة الأولى، مختلفين من دون أية أرضية مشتركة، حيث كان هناك اتفاق واضح بين الملحدين والدواعش بمواجهة الحلقة.

وبالنسبة للملحدين من المعلقين، كما يقول العمري، فإن تمثيل داعش للإسلام كان سبباً مهماً في إلحادهم، ولذلك فأي طرح فكري (مسلم) يتصدى لداعش يسحب البساط من تحت أقدامهم، على الأقل يلغي هذا السبب. أما بالنسبة للدواعش وأشباههم، فإن استغلالهم للنصوص الدينية لتبرير فظائعهم أساسي وجوهري في استراتيجية جذب الشباب.

ويردف العمري: في الحالتين، الفصل بين داعش والإسلام سيفقد الملحدين و«الدواعش» واحداً من أهم مبررات وجودهم، لذا اتحد الفريقان على جواب واحد رداً على سؤال الحلقة: هل داعش يمثل الإسلام؟ والجواب كان بالنسبة لكل من الملحدين و«الدواعش» واحداً: نعم بالتأكيد، بل إن الملحدين كانوا يستخدمون شعارات «داعشية» بامتياز: «الإلحاد باق ويتمدد». صدفة؟ لا أعتقد. غالباً الأمر يتعلق بـ«الصلة الداعشية».

Email