مع استمرار نزوح الأموال والودائع الأجنبية وإصابات قطاعات رئيسية بالشلل

الاقتصاد القطري يواجه ركوداً عميقاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

تلقت الثقة المهتزة أصلاً بالاقتصاد القطري صفعة جديدة، عندما خفضت وكالة «فيتش» العالمية للتصنيفات الدولية تصنيفها السيادي للدوحة وديونها، وأعربت الوكالة عن القلق من أن المقاطعة الاقتصادية ضد الدوحة من جانب كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر ليس من المحتمل أن تنتهي في أجل قريب.

وقالت وكالة «فوكس» إن تخفيض التصنيف هو أحدث إشارات القلق من مؤسسات التصنيف العالمية من أن النزاع الدبلوماسي بين قطر ودول المقاطعة قد أثقل على اقتصاد قطر وأصابه في مقتل موضحةً أن الوضع مرشح لمواصلة التدهور خلال الفترة المقبلة.

ووضعت وكالة ستاندرد اند بورز شركة «اريدو» القطرية للاتصالات على قائمة المراقبة السلبية، ما يعني احتمالات تخفيض تصنيفها ضمن موجة من التخفيضات طالت العديد من البنوك وكبريات الشركات والمؤسسات القطرية.

وتمضي الدوحة بقوة نحو هاوية ركود عميق وموجة من الشلل في القطاعات والمشاريع الإنشائية والعقارية بما يقوض قدرتها على استضافة مونديال كأس العالم 2022 وينذر بموجات جديدة من نزوح المستثمرين والأموال ويفتح الطريق مجدداً أمام تخفيضات جديدة في التصنيفات الائتمانية للبلاد ولكبريات البنوك والمؤسسات والشركات القطرية.

وأعربت وكالات «فيتش» و«موديز» و«ستاندرد اند بورز» عن قلقها من أن أزمة قطر سوف تشكل ضغطاً رهيباً على اقتصاد الدوحة مشيرةً إلى أن التخفيض في التصنيف الائتماني للدوحة من شأنه رفع تكلفة اقتراضها من ناحية، ويجبرها على تخفيض الإنفاق من ناحية أخرى، وفق توقعات تومسون رويترز.

تكلفة التمويل

ويعني تخفيض «موديز» لتصنيف قطر السيادي وديونها، تدهور مصداقية قدرة الدوحة على سداد التزاماتها الدولية، ورفع التكلفة في التمويل والاقتراض على قطر منذ يونيو الماضي، عندما بدأت المقاطعة الاقتصادية واللوجستية.

وأعلنت «ستاندرد اند بورز» في وقت سابق أن استمرار المقاطعة سوف يؤدي إلى بطء ملحوظ في النمو الاقتصادي القطري، ويجعل تصنيفها المخفض الجديد تحت طائلة المراقبة من أجل مزيد من التخفيض وتدهور التوقعات المستقبلية لها.

وتوقعت وكالة «فيتش» إقدام حكومة قطر على تخفيض الإنفاق الرأسمالي على المشروعات الاقتصادية والبنية التحتية مع تفاقم الضرر الذي لحق باقتصاد البلاد جراء مقاطعة الدول الرافضة لدعم الإرهاب للدوحة.

وأكد خبراء أن قيام الحكومة القطرية بتخفيض الإنفاق الرأسمالي يضر بحركة المشاريع ويعصف بأوضاع العمالة ويرفع وتيرة تسريحها في القطاعات المختلفة موضحين أن تواصل تخفيض التصنيف الائتماني لقطر يضع اقتصاد الدوحة أمام مخاطر جمة في المستقبل ويفاقم من مخاطر أسواقها بالنسبة للمستثمرين.

خفض الإنفاق

وذكرت «فيتش»: وضعت الحكومة تصورات لمزيد من التخفيضات في الإنفاق الرأسمالي في حال هبوط أسعار النفط مجدداً أو إذا تزايدت الضغوط جراء المقاطعة.

وقال عدد من المحللين والاقتصاديين إن تخفيض التصنيف الائتماني لقطر بسبب عدم وجود الأمان الاستثماري والتقلبات التي تحدث فيها الآن على المستويين المحلي والدولي، يضع اقتصادها أمام مخاطر جمة مستقبلاً، تتسبب في إحجام المستثمرين عن دخول السوق القطرية.

تضرر السياحة

وقالت الوكالة إن العقوبات تضر قطاعي السياحة والنقل في قطر على وجه الخصوص، وقدرت أن الخطوط الجوية القطرية ستفقد نحو عشرة في المئة إضافية من ركابها.

وكانت السياحة الخليجية وخاصة من الإمارات والسعودية تشكل نحو 50% من إجمالي التدفقات السياحية على قطر حيث تأثرت الفنادق وقطاعات الضيافة والتجزئة القطرية بشدة من المقاطعة العربية وباتت الفنادق شبه خاوية من النزلاء فيما تراجعت إيراداتها بشدة وبدأ العديد منها إجبار العاملين على إجازات مفتوحة غير مدفوعة لحين تحسن الأوضاع وحل الأزمة.

وأضافت فيتش أنه إذا استمر التعنت القطري لفترة طويلة فإنه قد يقوض آفاق كثير من استثمارات القطاع الخاص في قطر.

وسيطرت حالة من الحذر بين المستثمرين العالميين بالنسبة للاكتتاب في الديون القطرية حيث تزايدت المخاوف بين المستثمرين والمؤسسات المالية نحو سندات قطر السيادية المطروحة في الخارج بعد غموض مستقبل اقتصادها وتراجع تصنيفاتها السيادية.

ويتوقع كبير المديرين لتصنيف البنوك في وكالة التصنيف الائتماني العالمية ستاندرد آند بورز محمد داماك تباطؤ نشاط قطر في إصدارات الدين بالسوق العالمية، نتيجة تبني المستثمرين الأجانب نهجاً حذراً في التعامل مع تلك الإصدارات لحين وضوح الرؤية بشأن مستقبل قطر في ظل المقاطعة الحالية لدعمها الإرهاب.

وقال محمد داماك عقب تقرير ستاندرد آند بورز الذي خفض التصنيف الائتماني لدولة قطر عند ‭AA-‬، إن هذا التباطؤ المرتقب في إصدارات سندات الدين القطرية يأتي بعد توسعها القوي في طرح حزمة من أدوات الدين ومنها الصكوك التي بلغت قيمة إصداراتها 5.5 مليارات دولار في النصف الأول من العام الجاري مقابل 500 مليون دولار فقط في الفترة المماثلة من 2016.

وأَضاف القطاع المصرفي القطري تضرر ككل جراء المقاطعة العربية لقطر، متوقعاً تراجع ربحية المصارف نتيجة ارتفاع تكلفة التمويل.

مخاطر بالجملة

وأكد محللون واقتصاديون أن تخفيض تصنيف قطر الائتماني لقطر بسبب عدم وجود الأمان الاستثماري والتقلبات التي تحدث فيها الآن على المستويين المحلي والدولي، يضع اقتصادها أمام مخاطر بالجملة تتسبب في إحجام المستثمرين عن دخول السوق القطرية.

وأكدوا أن نزوح الكثير من رؤوس الأموال الأجنبية، وسحب الودائع من المصارف القطرية، أدى إلى حدوث هزة في القطاع المصرفي، الأمر الذي يهدد وضع الاقتصاد القطري على المدى القصير. وقال الدكتور أسامة فلالي أستاذ الاقتصاد في جامعه الملك عبدالعزيز، إن الوضع الاقتصادي لقطر أصبح أسوأ مما كان، حيث إن الاستيراد بات مكلفاً أكثر من السابق، والمنتجات تضاعفت أسعارها نتيجة زيادة تكلفة الشحن والاستيراد.

موجة غلاء

وأضاف أن هناك موجة غلاء كبيرة في قطر بسبب تصرفات الحكومة القطرية، التي أدت إلى هذا التضخم الجامح، وسط عزوف المستثمرين عن دخول سوقها، فضلاً عن وقف رجال الأعمال التوسع في مشروعاتهم القائمة، حيث أجل كثير من المستثمرين دخول السوق القطرية حتى تتضح الرؤية المستقبلية.

وأكد محمد السويد مختص اقتصادي أن الوضع الاقتصادي في قطر سيئ جداً، ويتجه للأسوأ، في ظل عدم قدرة المصارف على توفير سيولة لاحتياطاتها، موضحاً أن هناك انكماشاً اقتصادياً واضحاً بسبب قطع العلاقات معها، وتدريجاً سوف تتعطل ماكينة القطاعات بأنواعها.

وأشار إلى أن مثل هذه التصنيفات دائماً ما تكون الدليل لأي مستثمر فيما إذا كان دخول هذه السوق مشجعاً للاستثمار أو طارداً له، موضحاً أن المستثمرين يهتمون بالوضع الاقتصادي المستقر للدول على المدى الطويل. ويرى محللون أن التصنيفات السلبية تزيد من صعوبة الحصول على تمويل من السوق العالمية، فضلاً عن مواجهة تحديات في جذب رؤوس الأموال، فكلما كان التصنيف إيجابياً أسهم في تقليل المخاطر الاستثمارية والتمويلية.

وقالت إيمي ماكليستر؛ الخبيرة المالية في مؤسسة أكسفورد إيكينوميكس في وقت سابق إن بيانات البنك المركزي تظهر أن الاحتياطيات المالية أصبحت في أدنى مستوياتها منذ مايو 2012.

وأوضحت، أن عدم الاستقرار دفع مصارف وواجهات استثمارية إلى سحب أموال من قطر ما أدى إلى تراجع الاحتياطيات، مضيفة أن البنك المركزي يستخدم احتياطياته لدعم العملة المحلية في مواجهة الدولار.

خفض النمو

وخفضت أكسفورد إيكينوميكس توقعاتها لنسبة النمو المتوقعة في قطر لعام 2017 من 3.4 في المائة إلى 1.4 في المائة بعد بدء الأزمة ورفعت نسبة التضخم إلى 1.8 في المائة، بعدما كان من المتوقع أن تبلغ 1.5 في المائة.

وأكد اقتصاديون أن مقاطعة الدوحة ستكون لها تداعيات على الاقتصاد القطري وتبعات موجعة على المواطنين القطريين من الناحية الاقتصادية، وخاصة مع تشبث قطر بسياساتها الداعمة للإرهاب.

وأوضحوا أن الاقتصاد سيتكبد خسائر فادحة جديدة مع اتساع أمد المقاطعة وأن المواطنين وسكان قطر سيشعرون بتبعات ثقيلة جراء تعنت وتصلب الموقف القطري الذي سيوجد معه مقاطعة اقتصادية أوسع من الدول الداعية لمكافحة الإرهاب.

ونصح الخبراء والاقتصاديون الشركات الأجنبية في قطر بضرورة التدقيق في سلامة ملفات شركائها داخل قطر في الفترة المقبلة، مع البحث عن قنوات توزيع جديدة، علماً أنها ستكون مكلفة، كما نصحت الشركات الأجنبية بالتحوط من سعر صرف الريال القطري، تحسباً من التذبذب المتوقع للريال مع استمرار المقاطعة.

الريال يتهاوى

يتواصل الضغط على الريال القطري منذ بدء المقاطعة العربية الرباعية، من جانب السعودية والإمارات والبحرين ومصر، حيث سجل الريال أمس أسوأ أداء منذ مطلع يوليو بحسب بيانات وكالة «بلومبرغ».

ورغم استمرار ربط الريال القطري بالدولار، أدى شح السيولة في الأسواق إلى دفع المؤسسات إلى تداول الريال خارج نطاقه الطبيعي.

وكانت العملة القطرية قد سجلت أدنى مستوياتها في يونيو الماضي.

وامتنعت العديد من شركات الصرافة ووكالات السياحة والسفر والبنوك العالمية عن التعامل بالريال نتيجة تقلبات أسعارهالدوحة - الوكالات

Email