مؤشرات «الوهن» تتمدد في القطاعات الأساسية

اقتصاد قطر يندفع نحو المجهول

ت + ت - الحجم الطبيعي

تسببت السياسات القطرية، في المزيد من الانعكاسات السلبية على الاقتصاد القطري الذي يمضي نحو المجهول ليفاقم خسائره وأوجاعه يومياً ويتكبد «فاتورة باهظة» جراء المقاطعة العربية والعزلة التي فرضتها الدوحة على نفسها نتيجة الإصرار على مساندة وتمويل الإرهاب ومحاولة التدخل وإثارة القلاقل في محيطها العربي، حيث بدأت علامات الضعف ومؤشرات «الوهن» تظهر بقوة مع تمددها في القطاعات الأساسية للاقتصاد.

وطالت موجات الخسائر القطاعات الاقتصادية كافة، حيث أصيبت السياحة بحالة من الشلل نتيجة توقف حركة السياح من الدول الخليجية وخاصة من الإمارات والسعودية اللتين كانتا تشكلان نحو 50% من إجمالي التدفقات السياحية الوافدة للدوحة قبل اندلاع الأزمة، كما تعاني الفنادق ومنشآت الضيافة أوضاعاً عصيبة مع خلو الفنادق من النزلاء وتدهور عائداتها الأمر الذي دفع العديد منها إلى إجبار العاملين على الحصول على إجازات «مفتوحة» غير مدفوعة وبلا سقف زمني نظراً لعجزها عن توفير موارد لتمويل الأجور والمصروفات التشغيلية اليومية.

ورغم إعلان الدوحة عن فتح المجال أمام 80 جنسية للحصول على الإقامة إلا أن الإجراء فشل في استقطاب السائحين لا سيما ضعف المقومات السياحية الأساسية وعدم تنوع المنتجات والخيارات السياحية والترفيهية وتنوع البدائل والخيارات الأفضل والأكثر جاهزية بالنسبة للسائحين وتتوافق مع تطلعاتهم.

استجداء السياحة

وحاولت قطر استجداء السياحة من العالم في مواجهة عزلتها الإقليمية عبر «هوجة» من الاستثناءات وتيسيرات الدخول من دون تأشيرة، في محاولة لتنشيط الطيران والسياحة حيث شمل برنامج الإعفاء من التأشيرة دول منطقة «الشنغن» في الاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول الأوروبية ودول أميركا اللاتينية ودول آسيوية.

ودولة لبنان هي الدولة العربية الوحيدة ضمن القائمة على الرغم من أن مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم قطر، يعفي الدول الأعضاء من التأشيرة.

وسيسمح الآن لمواطني 33 دولة بالإقامة في قطر مدة 180 يوماً وسيسمح لمواطني 47 دولة أخرى في القائمة بالبقاء في قطر لمدة 30 يوماً، يسمح بتجديدها مرة واحدة.

رفع التضخم

وخفّضت «أكسفورد إيكينوميكس» توقعاتها للنمو القطر٢ي لعام 2017 من 3.4 في المئة إلى 1.4 في المئة بعد بدء الأزمة ورفع نسبة التضخم إلى 1.8 في المائة، بعدما كان من المتوقع أن تبلغ 1.5 في المئة.

وأكد اقتصاديون أنه ستكون للعقوبات الخليجية تداعيات وتبعات موجعة على الاقتصاد القطري، موضحين أن الاقتصاد سيعمق من خسائره الفادحة إذا استمرت المقاطعة الخليجية طويلاً، وأن المواطنين وسكان قطر سيشعرون بتبعات ثقيلة من جراء تصلب الموقف القطري الذي سيوجد معه مقاطعة اقتصادية أوسع من الدول الأربع.

ونصح الاقتصاديون الشركات الأجنبية في قطر بضرورة التدقيق في سلامة ملفات شركائها داخل قطر في الفترة المقبلة، مع البحث عن قنوات توزيع جديدة علماً أنها ستكون مكلفة، كما نصحت الشركات الأجنبية بالتحوط من سعر صرف الريال، تحسباً من التذبذب المتوقع في أسعاره مع استمرار رفض شركات الصرافة ووكالات السفر وشركات السياحة العالمية التعامل به.

وأشاروا إلى أن شركات التجزئة العاملة في قطاع الأغذية ستعاني انخفاض هوامش أرباحها في حال اتبعت الحكومة سياسة مراقبة الأسعار لمواجهة ارتفاع التضخم.

ارتباك عقاري

وانعكست أزمة قطاع السياحة على حركة الإنشاءات، حيث تضررت المشاريع الجديدة في قطاعات الفندقة والضيافة خاصة ما يرتبط بمشاريع مونديال كأس العالم 2022، حيث طالت الأزمات شركات البناء وأصبح الاستثمار العقاري السياحي يشكل مخاطر كبيرة بالنسبة للمستثمرين وأصحاب المشروعات خاصة مع ارتفاع تكلفة الشحن وعدم توافر الخامات والمواد الأساسية ومستلزمات ومعدات البناء التي تعتمد قطر كليةً على الواردات في تلبية احتياجاتها منها لاسيما مع إغلاق السعودية للمنفذ الحدودي البري الوحيد للدوحة والمشترك بين البلدين مع اندلاع الأزمة في 5 يونيو الماضي.

ونصح خبراء عقاريون الشركات العاملة في التشييد والبناء في قطر خصوصاً في مشاريع مونديال 2022، بأن تتوخى الحذر قبل تطبيق أي اتفاق أو استثمار مبالغ كبيرة، وأن تتوقع تأخيراً في تسلم الدفعات، ولا سيما مع مواجهة الحكومة القطرية لأزمات مالية.

وألقى وجود احتمالات متزايدة بسحب تنظيم كأس العالم من قطر بالمخاوف على المستثمرين من إهدار المزيد من الأموال في مشاريع قد لا تستخدم أو سيتم إلغاؤها كما تضررت الشركات المنفذة من أزمات السيولة والقلاقل العمالية نتيجة التأخر في صرف المستحقات المالية.

تهاوي النمو

وبلغة الأرقام التي كشفت عنها وكالة «بلومبرغ» فإن الاقتصاد القطري سقط في أبطأ وتيرة للنمو منذ عام 1995، إذ يتوقع اقتصاديون أن يتراجع نمو الناتج الإجمالي إلى 2.5 % العام الجاري، بينما سيصل إلى 3.2 في المئة العام المقبل.

ووفقاً للتوقعات، فإن عجز الميزانية قد يصل إلى أكثر من 5 % من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.

التصنيفات الائتمانية

وامتدت الظلال القاتمة للأزمة لتطال التصنيفات الائتمانية الرئيسية للاقتصاد القطري بالإضافة إلى المؤسسات المالية والمصرفية وكبريات الشركات القطرية مع وضعها على قائمة المراقبة السلبية من قبل المؤسسات العالمية المتخصصة في التقييم الائتماني والتي تتوقع المزيد من التراجعات في تصنيفات قطر الائتمانية الفترة المقبلة مع تزايد أمد المقاطعة العربية.

كما طالت تبعات المقاطعة العربية تجارة قطر الخارجية والتي تأثرت بقفزة تكلفة الشحن لنحو 10 أمثال ما كانت عليه قبل المقاطعة من جانب الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، حيث تسبب إغلاق المنافذ البرية والبحرية والموانئ والمطارات والأجواء من الدول الداعية لرفض الإرهاب في زيادة تكلفة الشحن واستخدام النقل الجوي في توفير السلع الاستهلاكية والغذائية مما أشعل من فاتورة التضخم وزاد الأعباء على كاهل شرائح من العمالة التي تعاني من ظروف معيشية وأجواء عمل قاسية فضلاً عن تأخر صرف الرواتب.

انكماش التجارة

وأوضحت وكالة «بلومبرغ» أن انخفاض الواردات والصادرات وانكماش التجارة والودائع الأجنبية وارتفاع أسعار الفائدة، أدى إلى تفاقم التباطؤ، الذي تأثر أيضاً بانخفاض أسعار الطاقة العالمية.

في هذا الإطار يشير تقرير سابق للوكالة الإخبارية الاقتصادية إلى أن البنوك القطرية تعاني مصاعب عدة بعدما تراجعت ودائعها، من جراء قطع نصف المستثمرين التقليديين علاقاتهم مع قطر.

كما دفعت الأزمة بنوكاً قطرية مثل بنك قطر الوطني و«قطر التجاري» وبنك الدوحة، إلى إعادة النظر في خيارات مثل القروض والتمويل المباشر وسندات الدولار وتبحث قطر عن مستثمرين في آسيا، بعد هروب نصف المستثمرين التقليديين.

تدهور الأصول

وأشار عدد من خبراء المال والاقتصاد إلى أن ديون قطر قد تستقطب بعض المستثمرين الآسيويين الذين سبق لهم أن دخلوا في آخر صفقات المنطقة السيادية، فيما توقع آخرون أن تتدهور جودة أصول البنوك القطرية.

ولفتوا أيضاً إلى أن التسعير يعتمد أساساً على العملة وفترة الدين، وفي حال قررت قطر رفع سقف الدين لخمس سنوات بالدولار، فإن الأسواق لن تقبل أقل من نسبة فائدة عند 3.50-3.75%، في الوقت الذي أمام الدوحة عدة استحقاقات قصيرة الأمد خلال السنتين المقبلتين.

وتعتزم بنوك خليجية سحب ودائعها في المصارف القطرية لدى استحقاقها، حسبما أفادت مصادر لوكالة «بلومبرغ».

وكانت المصارف الخليجية قد أودعت الأموال لدى المصارف القطرية قبل المقاطعة العربية الرباعية، لأن سعر الفائدة بين المصارف القطرية كان قد سجل أعلى مستوى في الخليج.

وتمثل الودائع الأجنبية لدى البنوك القطرية 22% من إجمالي الودائع التي تراجعت 7.5% إلى 47 مليار دولار في يونيو مقارنة مع شهر مايو.

نزوح الأموال

ويرى اقتصاديون أن المشكلة الكبرى لبنوك قطر تكمن حالياً في خروج الودائع ونزوح الأموال ووفقاً لهؤلاء فإنه في حال لم تنفرج الأزمة ستكون الحكومة القطرية مضطرة إلى تقديم مزيد من الدعم، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من التراجع لجودة الأصول التابعة للبنوك.

وتعاني البنوك القطرية امتناع البنك المركزي القطري عن التدخل لتوفير التمويل لها بسبب قلقه من تآكل الاحتياطات النقدية لدية، حيث تخلى البنك المركزي عن دوره تحسباً لامتداد أمد الأزمة لا سيما مع تدهور سعر الريال الأمر الذي يتطلب مساندة من «المركزي القطري» تتضمن التضحية بجزء من الاحتياطيات بالعملات الأجنبية لديه.

وكانت مؤسسة «موديز» للتصنيف الائتماني خفضت تقييمها للنظام المصرفي في قطر من «مستقر» إلى «سلبي».

البنوك تغرق في أزمة سيولة خانقة

تواجه المصارف القطرية أزمة تمويل خانقة دفعتها للجوء إلى الاستدانة من المؤسسات الحكومية لتواصل عملها، منذ إعلان الدول الداعية لمكافحة الإرهاب مقاطعتها للدوحة.

ووجّه المركز القطري للمصارف، البنوك القطرية باللجوء لاستقطاب مستثمرين دوليين لزيادة تمويلها، بدلاً من الاعتماد على التمويل الحكومي بشكل رئيسي.

تقييم السيولة

وذكرت وكالة «بلومبرغ» الاقتصادية الأميركية أمس أن البنك المركزي القطري يعقد اجتماعات منتظمة مع المقرضين، لتقييم مدى تأثير المقاطعة على حالة السيولة في القطاع المصرفي، ويشجع المصارف على الاقتراض من الأسواق الدولية عبر السندات أو القروض، لتفادي استنفاد الاحتياطيات الأجنبية وتراجع التصنيف الائتماني.

وأشارت الوكالة إلى أن المقاطعة العربية للنظام القطري، شكلت ضغوطات على السيولة في قطر، لا سيما بعد تراجع الودائع الأجنبية في «الإمارة الصغيرة». وأضافت أنه تم إبلاغ المصارف في قطر بضرورة النظر إلى التمويل الحكومي كآخر حل.

وتعتزم بعض المصارف، التي تمتلك الحكومة القطرية حصة فيها، عقد صفقات لجمع الأموال، فيما يحاول معظم المقترضين استهداف آسيا لسد الفجوة، التي خلّفها المقرضون الخليجيون.

انخفاض الودائع

وتراجعت الودائع الأجنبية في يونيو إلى أدنى مستوى في سنتين، وبالفعل، أجرى بنك قطر الوطني، أكبر المصارف في البلاد، مناقشات مع مقرضين دوليين بشأن طرح سندات والحصول على قروض، وكذلك أرسل المصرف التجاري «QSC» طلبات للحصول على عروض لقرض بقيمة 500 مليون دولار، كما يسعى بنك الدوحة إلى جمع أموال عن طريق طرح سندات بالدولار.

وتقول مصادر إن المصارف القطرية تجد أيضاً صعوبة في الحصول على تمويل قصير الأجل، حيث تطالب المصارف الدولية من هذه المؤسسات رهن أصول خارج قطر بدلاً من أصول داخلية للحد من المخاطر المرتبطة بالقروض.

Email