باريس سان جيرمان..كرة قطر المثقوبة

يعيش مالكو نادي باريس سان جيرمان الفرنسي حالة من اليأس، فهم توّاقون إلى أن يتم تصنيف ناديهم في مصاف النوادي الأوروبية العملاقة. وفي حين أن النادي، الذي مقره باريس، قد أثبت جدارته في فرنسا، فإنه فشل بشكل مستمر في البطولات القارية، وتمثل أفضل أداء له في الدور قبل النهائي لدوري أبطال أوروبا، ولم يستطع مقارعة الكبار في القارة العجوز.

وقبل 5 أعوام، استحوذت قطر على النادي الفرنسي من خلال جهاز قطر للاستثمار، وهو فرع من هيئة الاستثمار القطرية المملوكة من قبل الدولة، وبالتعاون مع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي مرر عدة اتفاقيات قطرية في الداخل الفرنسي لخدمة وجوده رئيساً للدولة الأوروبية، ومنها بيع نادي العاصمة مقابل 170 مليون دولار.

وهو رقم يقل كثيراً عن صفقة النادي الباريسي الأخيرة الذي دفعته العائلة القطرية الحاكمة، لكسر عقد النجم البرازيلي نيمار جونيور دا سيلفا لاعب برشلونة السابق، وهي الصفقة التي تجاوزت تكلفتها المليار يورو على أقل تقدير، منها 222 يورو فقط دفعها النادي نقداً إلى النادي الكتالوني للحصول على البطاقة الدولية للاعب البرازيلي التي تمكنه من اللعب، إضافة إلى ما يحصل عليه اللاعب ووالده والمحاميون والضرائب المدفوعة في فرنسا وإسبانيا وفي البرازيل.

وهي كلها أرقام تدفعها العائلة الحاكمة القطرية في سبيل تعزيز مصالحها وتلميع صورتها العالمية عبر استغلال لعبة كرة القدم.

إنفاق

ومن هنا تبادر إلى أذهان ملاكه أن الحل الأمثل يكمن في إنفاق مبالغ مالية طائلة عليه لمنافسة ريال مدريد وبرشلونة وبايرن ميونيخ، فنفخ المالك القطري في كرة باريس سان جيرمان مراراً بصفقات براقة، ولكنها كانت كرة مثقوبة يفرغ هواؤها باستمرار، فخلال العام المنصرم، عندما كان باريس سان على بعد ثوانٍ من التغلب على برشلونة في دوري أبطال أوروبا، تبددت آمال النادي حينما تعرض لخسارة مذلة فيما عرف إعلامياً بـ«الريمونتادا الكتالونية»، عندما استطاع البلاوغرانا سحق الفريق الباريسي بستة أهداف مقابل هدف واحد في عودة تاريخية لبرشلونة على حساب سان جيرمان.

ليدرك النادي حاجته إلى صفقة بحجم نيمار تعوّضه عن الفشل الأوروبي، بعدما لم تنفعه الصفقات التي أجراها عبر السنين الماضية بدءاً بالتعاقد مع الإنجليزي ديفيد بيكهام والسويدي زلاتان إبراهيموفيتش والأوروغواياني إديسون كافاني.

إضافة إلى أسطول من اللاعبين البرازيليين المدافعين وفي خط الوسط، وكل هؤلاء لم يفيدوا النادي الباريسي أو يرفعوا أسهمه في البطولة القارية الأوروبية، ما جعل الأسرة الحاكمة تواصل سكب الأموال للوصول إلى أي شكل من أشكال النجاح القاري بأي ثمن كان.

وجه دعائي

وتداولت صحف وتحليلات عالمية أن صفقة الشراء المبالغ بها يُقصد بها تنصيب نيمار «كملصق دعائي» لكأس العالم 2022، الذي دفعت قطر ملايين الرشى للفوز بحقوق استضافته، وذلك وفقاً لتحقيق لصحيفة «صنداي تايمز» خلال عام 2014، بحيث استهدفت تلك الدولة الصغيرة الكرة المستديرة لرفع مكانتها دولياً، كما لم تتوانَ عن تخصيص 200 مليار دولار لإعداد البنية التحتية للبطولة.

وبعد ذلك بوقت قصير، وقّعت قطر اتفاقية رعاية مع نادي برشلونة من خلال «مؤسسة قطر»، وكانت تلك المرة الأولى التي يظهر فيها اسم الراعي القطري على قمصان النادي الكاتالوني الذي يعرف بتاريخه الكروي منذ عقود مضت، وحتى لا يكون الانتقال فجائياً في برشلونة تم الاتفاق مع الرئيس السابق لبرشلونة ساندرو روسيل، والمسجون حالياً في السجون الإسبانية على خلفية قضايا فساد وتهرب ضريبي، ليتخلى الفريق الكتالوني عن مبدئه بمساعدة روسيل ويبيع واجهة قميصه.

وهم الذين دأبوا على وضع شعارات المؤسسات الخيرية فقط على صدر قميص النادي الذي كان يحمل شعار «يونيسيف» المنظمة الدولية للأمم المتحدة للطفل، ولكن روسيل ابتدع خطة فاسدة لخداع الرأي العام الكتالوني والإسباني بصفة عامة.

حيث تم وضع اسم مؤسسة قطر الخيرية كبداية «قطر فاونديشن»، وكستار تدريجي لامتصاص الغضب الشعبي في تخلي النادي العريق عن مبادئه، حيث أزيح فيما بعد شعار المؤسسة القطر الخيرية «الوهمية»، ليضع النادي شعار قطر على صدر قميصه، متمثلاً في شعار طيران قطر.

جملة من الصفقات

ولم يقتصر إغداق الأموال القطرية على نيمار فقط، بل كان هناك عدد كبير من الصفقات الأخرى التي أبرمتها قطر منذ شهر يونيو الماضي، بحيث لم يثنها قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول المجاورة بعد الشقاق عن دعمها للإرهاب، واستغلال كرة القدم في الترويج لصورتها إعلامياً.

ووفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز»، فإن هذه الدولة، التي تعتبر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، اشترت طائرات مقاتلة من طراز F-15 مقابل 12 مليار دولار، إلى جانب 7 سفن حربية من إيطاليا، تقدر تكلفها بنحو 6 مليارات دولار، كما أنها اقتربت من شراء حصة في شركة الخطوط الجوية الأميركية، إلا أنها عدلت عن ذلك في الوقت الحاضر.

ربما كانت تلك الصفقات دعاية صريحة لإظهار عدم تأثرها بالأزمة، بيد أن صفقة اللاعب نيمار كانت استعراضاً لقوتها الناعمة عن طريق كرة القدم، ولكنه استعراض زاد الاتهامات الموجهة إلى الدولة الصغيرة الحجم باستغلال قوة الأموال للتغطية على أعمال غير شرعية.

أزمة

وألقت الأزمة الإقليمية بظلالها على مصير كأس العالم المرتقب، في ظل حالة عدم يقين، لتصدح أصوات دعوات إلى ضرورة تغيير مكان الاستضافة.

ومن جانبهم، قال مسؤولو الفيفا إنهم في صدد دراسة الوضع، وصرح جان مارك ريكلي، مدير المخاطر العالمية بمركز جنيف للسياسة الأمنية، لأحد المواقع الفرنسية على شبكة الإنترنت، بأن شراء نيمار كان الهدف منه استعراض قوة قطر، قائلاً: «نيمار وسيلة للدوحة لإظهار دور سياسي في الرياضة على المستوى العالمي، لا سيما في كرة القدم».

وقالت صحيفة «دايلي ستار» الإنجليزية: «غطرسة صفقة نيمار تزيد الاتهامات حول الصغيرة قطر».

وواصل في المقال المنشور عبر موقعها على الإنترنت: «قطر وضعت نفسها بصفقة نيمار في مرمى النيران، هي أرادت صفقة دعائية لغسيل صورتها عالمياً، ولكنها أغرقت نفسها أكثر في الاتهامات والشكوك باستغلال كرة القدم».

وأوضحت الصحيفة أن النهاية قريبة جداً بالنسبة إلى الغطرسة القطرية في كرة القدم، مؤكدةً أن نتائج التحقيقات الفرنسية قريبة جداً، وخلال الشهور القليلة المقبلة ستظهر النتائج التي تثبت تورط الجانب القطري في فضائح رشى، غارق فيها الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، التي بموجبها حصلت قطر على نادي باريس سان جيرمان كجزء مقنع من رشوة ثلاثية الأبعاد، للحصول على دعم الاتحاد الأوروبي وفرنسا في تصويت فيفا للحصول على كأس العالم 2022.

وكانت أضلاع الرشوة إنشاء قناة ناطقة بالفرنسية، وضخ قطر أموال استثمارات في الأسواق الفرنسية، والحصول على نادي باريس سان جيرمان الذي كان يعاني الديون، في مقابل التصويت والدعم الفرنسي لمصلحة الإمارة الصغيرة، للحصول على حق تنظيم المونديال الذي جاء عكس كل منطق أو عقل، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وصغر حجم قطر جغرافياً.

وأشارت الـ«دايلي ستار» إلى أن الأمور غير المنطقية التي حدثت في التصويت أضيف إليها المقاطعة الخليجية للدولة الصغيرة، وهو أمر إضافي يجعل استضافة المونديال على الأراضي القطرية درباً من الخيال غير قابل للتطبيق، سينهيه وينهي جدله الإعلان عن نتائج التحقيقات، وإثبات ضلوع أطراف أوروبية في عمليات الرشى القطرية الممنهجة.