تنظيم الحمدين ساهم بتأجيج الأوضاع في مختلف الدول العربية والإسلامية

متاهات السياسة القطرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن الضبط المنهجي للمعطيات التاريخية غالباً ما يساعد على بناء تصور سياسي أقرب إلى مفهوم النظرية بمعناها التاريخي وليس التجريبي/‏‏‏‏‏‏العلمي.

كما أن رصد البيئة الاستراتيجية التي نحن بصدد التأصيل لها سيمكن من بسط الوسائل الكفيلة بتحقيق الغايات الاستراتيجية والتي تخدم بالضرورة الهدف السياسي الأعلى للدولة. وهنا يتدخل العقل الاستراتيجي لرسم تداخلات الإكراهات الجيوستراتيجية وطرح البدائل الكفيلة بالتأثير على البيئة الإقليمية لمنطقة الخليج العربي.

يقول منظر الحرب كارل فون كلاوزفيتز: «إذا أريد للعقل أن يخرج دون أذى من صراعه المرير مع ما ليس متوقعاً، فلا يمكن الاستغناء عن ميزتين: الأولى، ذكاء متوقد حتى في أشد الساعات حراجة، وقادر على الاحتفاظ ببعض ومضات من النور الداخلي الذي يقود الحقيقة. الثانية هي الشجاعة لمتابعة ذلك الضوء الخافت حيثما اتجه». (عن الحرب ص 142).

في هذا السياق، تبقى منطلقات الفهم والإدراك رهينة بمحاولة تقييم المواقف القطرية في علاقتها مع إكراهات فرض الشرعية داخلياً والخضوع لمنطق البيئة الاستراتيجية الإقليمية التي أصبحت ترسم ملامح ارتماء قطر في أحضان مشروع شمولي تهدف من ورائه إلى الاعتراف الضمني بشرعية النظام السياسي القطري الذي قام على أساس انقلاب أسري لا تقبل به المنظمات الدولية ولا الأعراف المؤسساتية.

اختراق

لقد عرف تنظيم الحمدين اختراقاً واسعاً من طرف تنظيم الإخوان منذ نهاية السبعينات وبداية الثمانينات هم بالأساس بنية النظام السياسي، انضاف إليه نجاح إيران في التأثير على صناعة القرار في الدوحة على حساب التكتل الجيوستراتيجي لدول الخليج العربي.

على هذا المستوى من التحليل، صرح أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني أخيراً بأن بلاده نجحت في بناء علاقات قوية مع الولايات المتحدة وإيران في وقتٍ واحد، موضّحاً أن إيران تمثل ثقلا إقليميا وإسلاميا لا يمكن تجاهله، وأنها ضامنة للاستقرار في المنطقة.

وهنا إشارتان خطيرتان لا بد من الوقوف عندهما:

النقطة الأولى مرتبطة بالاعتراف الصريح بعمق العلاقات الأميركية الإيرانية وتطابق الرؤى الاستراتيجية للدولتين في مختلف القضايا التي تهم المنطقة، وخصوصا ذات المرجعية الإسلامية السنية، رغم «مسرحية» العداء الذي تحاول أن تظهره الولايات المتحدة اتجاه إيران فوق الطاولة، إلا أن التنسيق «تحت الطاولة» كان دائما مستمرا ومعطى ثابتا في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران.

النقطة الثانية والتي يمكن اعتبارها الأكثر خطورة وتغير غريب في الموقف القطري، تبقى مرتبطة باعتبار إيران هي الضامن لاستقرار المنطقة.

وهنا نطرح السؤال الاستراتيجي:

كيف تجاهلت قطر المشروع الهيمني التوسعي لإيران من خلال الخطة الخمسينية التي أعلنت عنها، والتي يتم تطبيقها بحذافيرها بالمنطقة وفق أجندة زمنية وإصرار إيراني خطير؟

كيف يمكن ألا ترى قطر أن العراق، الذي ساهم إعلامها عملياً في تخريبه، أصبح ملحقة إيرانية إن لم نقل محافظة إيرانية تنضاف إلى 31 محافظة إيرانية، رغم مظاهر الرموز السيادية التي تعبر عنها الأعلام والعملة الرسمية في العراق؟

كيف للدوحة ألا ترى أن اليمن في الطريق ليصبح محافظة إيرانية، وكيف أن جنوب لبنان يرزح تحت الوصاية الإيرانية، والمحاولات مستمرة في البحرين للانقلاب على النظام السياسي هناك، دونما إغفال للنشاط الإيراني بمنطقة الأحساء السعودية ومحاولة توسيع قاعدة المد الشيعي من أجل تهييء الظروف الذاتية والموضوعية لزعزعة الاستقرار في المملكة العربية السعودية؟

كيف لتنظيم الحمدين ألا يلاحظ أن أراضي إماراتية لا تزال ترزح تحت الاستعمار الإيراني الصفوي رغم جميع النداءات الإقليمية والدولية لإنهاء هذا الاحتلال؟؟؟

كيف لقطر ألا تلاحظ النشاط المتزايد لإيران في منطقة شمال إفريقيا، خصوصا في مصر والجزائر والآن في المغرب، مع اكتشاف قرائن قوية تدل على محاولة اختراق إيران للاحتجاجات السلمية التي تعرفها إحدى المدن المغربية ومحاولة الركوب عليها، بتزامن مع تصريحات الداعية الصفوي المعروف ياسر الحبيب (الخبيث) والتي تؤلب الشعب المغربي ضد ملك المغرب، وتعتبر أن المغاربة يقودون ثورة للعودة إلى التشيع على اعتبار أنه التدين الأصلي للمملكة حسب زعمه ووهمه؟

مخطط ممنهج

إننا نعتبر أن ما قامت به، وما تقوم به قطر في المنطقة العربية والإسلامية، هو جزء من مخطط ممنهج، يخدم من خلاله «الغباء القطري» أجندات إقليمية معروفة سلفاً، ويقدم لإيران، التي تنتظر بكثير من الصبر والترقب وقوع ما من شأنه زعزعة استقرار دول المنطقة، هدية مجانية من أجل الركوب على الأحداث وتوجيهها لما يخدم مصلحتها الاستراتيجية في الخليج والذي تعتبره إيران مجالها الحيوي بامتياز.

إن صوت الضمير العربي والإسلامي، ووحدة المصير المشترك بين دول الخليج العربي يفرضان على قطر أن تغير استراتيجيتها «الإملائية»، من خلال تقديم المصالح الاستراتيجية التي توجه سياسات دول المنطقة وأن تنضبط للخط السياسي الذي يضمن المصلحة العليا لبلدان الخليج بصفة خاصة والدول العربية والإسلامية بشكل عام.

لقد ساهم تنظيم الحمدين بشكل كبير عبر إعلامها وأموالها في تأجيج الأوضاع في مختلف الدول العربية والإسلامية إبان أحداث ما اصطلح عليه بـ«الربيع العربي»، وراهنت على جماعة الإخوان الإرهابية للوصول إلى السلطة من أجل خلق كيانات تابعة للنظام القطري ومحاولة تزعم المشهد الإسلامي كعاصمة سياسية وروحية للإسلام السياسي.

خصوصا بعد الاختراق البنيوي الذي عرفه النظام القطري من طرف التيار الإخواني خصوصا مع تولي حمد آل ثاني مقاليد الحكم في قطر وارتباطه بالشيخة موزة والتي هي بدورها ابنة الشيخ ناصر المسند مؤسس التنظيم الدولي للإخوان في قطر.

خيانة

في هذا الصدد، يقدم علي عشماوي، أحد قادة تنظيم 1965 والذي عرف أمنيا وإعلاميا بـ«تنظيم سيد قطب»، في كتابه الشهير «التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين» صورة عن خيانة إخوان قطر وغدرهم، حيث يصرح بالقول «أما في قطر التي أوت الإخوان ودعمتهم لكنها لم تكتوِ بنارهم حتى الآن، ولكنني جربت نارهم واكتويت بها، حيث ذهبت للعمل في الدوحة في مؤسسة الشيخ ناصر المسند (والد الشيخة موزة).

وكان الشيخ ناصر المسند رحمه الله صديقا عزيزا لي، وذهبت معه سنة 1981 للعمل في مؤسسته بعد أن عدت من أميركا، وكنت أن قمت معه في الماضي ببعض النشاط الإخواني، بعدها اتصلت بالأخ سليمان الشناوي وجاء لمقابلتي والترحيب بي في قطر .

ثم دعاني لتناول الطعام في بيته ولكنه قد دس لي السم في الطعام وخرجت من عنده لإفراغ ما في معدتي من طعام وفطن زملائي أنه تسمم ونقلوني إلى المستشفى، حيث أجريت لي عملية غسيل معدة» (التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين ص 13/‏‏‏‏‏‏14).

هذه الشهادة للقيادي الإخواني السابق علي عشماوي توضح شيئين أساسيين، أولهما الأصول الإخوانية للقيادات الحاكمة اليوم في قطر، وثانيهما عقيدة الخيانة والغدر التي زرعها التنظيم الإخواني في الجسد القطري، والذي كان من نتائج انقلاب الابن على الأب والذي يشكل أبشع مظاهر الخيانة التي لا تضاهيها خيانة ولا تدانيها.

كما تشير مختلف الكتابات إلى كون والد الشيخة موزة والدة أمير قطر، هو مؤسس التنظيم الدولي للإخوان، وأن قرائن واضحة تثبت رعاية قطر للإخوان على اعتبار أن مؤسس التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية هو الشيخ ناصر المسند الذي قام بالإضافة إلى الإخواني سعيد رمضان بالتخطيط والتأسيس لفرع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان في قطر.

قامت دولة قطر، منذ الانقلاب الذي قاده حمد بن خليفة آل ثاني، بالتآمر والجلوس في خندق أعداء الأمة العربية وخيانة الشعوب العربية، ووصل الأمر بها إلى التجسس على بعض هذه الأنظمة، كما حدث أخيراً مع مصر والإمارات وأيضا السعودية والبحرين.

ضخ المليارات

لقد اختارت قطر طريق الخيانة للضمير العربي بل والدماء العربية الزكية التي سالت على أراضي مصر وسوريا وليبيا واليمن والعراق، حيث ضخت قطر المليارات من الدولارات والأطنان من الأسلحة لدعم جبهة النصرة الإرهابية في سوريا، وفتحت قطر إعلامها للإرهابي أبو محمد الجولاني الذي ظهر مرتين على قناة الجزيرة، وأضعفت بذلك جبهة المعارضة السورية.

ولعبت على حبل النزاعات الفقهية لتفتيت المعارضة السورية ولترتمي أخيرا في أحضان المشروع الإيراني، خصوصا بعدما أصبحنا نسمع على قناة الجزيرة القطرية مصطلح «الجيش العربي السوري»، في تغيير كبير للغة الإعلامية القطرية في تغطيتها لما يدور في سوريا.

كما أن تنظيم الحمدين قام بجميع المحاولات لزعزعة استقرار مصر من خلال تمويل التنظيمات الإرهابية في سيناء، وكذا تمويل العمليات الإرهابية في الداخل المصري، ولعل أبرزها العملية الإرهابية التي قام بها الإرهابي عادل حبارة والتي أدت إلى استشهاد 22 جنديا مصريا، حيث ثبت أن تنظيم الحمدين أرسل لتنظيم داعش مبلغ مليون دولار مقابل القيام بعمل نوعي داخل التراب المصري.

بالإضافة إلى التواجد القطري في ليبيا وصرفها لمليارات الدولارات لخدمة أجندة مشبوهة في المنطقة. دون أن ننسى النشاط القطري القوي في ليبيا، والذي يساهم في استدامة الأزمة التي وضعت ليبيا في خانة «الدول الفاشلة».

هي دعوة إذا لقطر للعودة إلى رشدها السياسي والديني، والرجوع إلى حضن الأسرة الخليجية والعربية والإسلامية قبل فوات الأوان، وقبل أن تجد نفسها معزولة سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وينطبق عليها قول الله جل وعلا «ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً، أولئك الذين لم يرد الله أن يُطهر قلوبهم، لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم». صدق الله العظيم.

*متخصص في الدراسات الاستراتيجية والأمنية *متخصص في تاريخ جماعة الإخوان

 

Email