مقـاطعـة قطــر تتـرجــم على أرض الواقع بتراجع الإرهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

نزلت مقاطعة قطر برداً وسلاماً على دول المنطقة، لم تعش دولها هدوءاً واستقراراً كما عليه الحال الآن، بعد مضي شهر على المقاطعة سُدّت منافذ الإرهاب وقُطعت شرايينه وأوردته حين تمّ تطويق مصادر تمويله، فمن العراق الذي قلّ فيه عدد التفجيرات الانتحارية حتى كادت تختفي، إلى اليمن الذي عاشت محافظاته المحرّرة هدوءاً افتقدته زمناً بسبب أيادي العبث القطرية، مروراً بليبيا التي بدأت التعافي بمجرد تراجع الدور المشبوه للدوحة، والذي أدى إلى تحسّن غير مسبوق، ليس في أوضاعها الأمنية فحسب، بل والسياسية والاجتماعية، أمّا في سوريا فقد انكمش تأثير الإرهابيين في ساحاتها.. لتطل الحقيقة برأسها «لجم قطر = نهاية الإرهاب».

اليمن

مقاطعة تكبّل أذرع الإرهاب

أينعت مقاطعة قطر هدوءاً أمنياً ملحوظاً في محافظات اليمن المحرّرة، إذ توقّفت عمليات الاغتيالات والتفجيرات التي كانت تشهدها عدد من مدن الجنوب. لقد جاء تقليص النفوذ القطري في هذه المحافظات برداً وسلاماً، بعد أن كانت قطر الداعم الأكبر للجماعات المتطرّفة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وهي التي تقف خلف معظم التفجيرات والاغتيالات التي شهدتها عدن ولحج وحضرموت، وفق ما تشير جهات أمنية بارزة.

ويؤكّد قائد لواء أول دعم وإسناد العميد منير اليافعي «أبو اليمامة»، أنّ عمليات الاغتيال والتفجيرات شهدت تراجعاً كبيراً يصل إلى ما نسبته 95 في المئة خلال الفترة الماضية، بعد أن تمكنت قوات الحزام الأمني من إحباط أكثر من 22 عملية إرهابية في عدن شملت عبوات ناسفة وسيارات مفخّخة.

مشيراً إلى أنّ «قوات الحزام الأمني قتلت العديد من عناصر تنظيم القاعدة أبرزهم زعيم التنظيم في محافظة لحج الملقب «أبوعلي». ويمضي اليافعي إلى القول إنّ «قوات الحزام الأمني وبدعم من دولة الإمارات استطاعت تأمين العاصمة المؤقّتة عدن والمحافظات المجاورة لحج وأبين خلال فترة وجيزة».

موضحاً أنّ عناصر تنظيم القاعدة وداعش كانت تحاول بسط سيطرتها على المناطق المحررة، لكن بدعم قوات التحالف وفي مقدمتها دولة الإمارات استطاعت قوات الحزام الأمني القضاء على هذه العناصر واعتقال عدد كبير منهم.

يذكر أنّ قوات الحزام الأمني شكلت من عناصر المقاومة بعد تحرير عدن من الانقلابيين، إذ تمّ تأهيلهم عبر دورات مكثفة في المجال العسكري استطاعوا خلالها تأمين عدن والمحافظات المجاورة، بدعم من قوات التحالف.

وبشأن تداعيات فضح السياسات القطرية على الملف اليمني، يشدّد المحلل السياسي اليمني عبد الله إسماعيل في تصريحات لـ«البيان»، على أنّ المقاطعة العربية لقطر كان لها انعكاس كبير على صعيد التحركات على الأرض في اليمن.

ويلفت إسماعيل إلى أنّ مقاطعة الدول العربية لقطر أثّرت تأثيراً إيجابياً وضغطت على أدوات الدوحة وحدّت من تأثيراتها، مضيفاً: «قطر كانت تسهم في بعض الخلخلة هنا أو هناك، والحكومة اليمنية كانت واضحة في تأكيداتها على أنّ قطر لها ذراع في دعم الحوثيين والتعاون معهم، مبيّناً أن «ما حدث في صرواح بمساعدة ودور كبير من القوات الإماراتية يدل على أن التحالف الآن صار أكثر فاعلية».

ليبيا

تعاف بانزواء التخريب

شهدت ليبيا تحولات إيجابية منذ إعلان قرار مقاطعة دولة قطر قبل نحو شهر، إذ أدى تراجع الدور المشبوه لقطر في ليبيا وفق مراقبين إلى تحسن الأوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعية بشكل غير مسبوق.

ويشير محللون سياسيون إلى أن مقاطعة قطر ساعدت بشكل كبير على تراجع دور الميليشياتالتي كانت تتلقى الأوامر مباشرة من الدوحة، إذ عاد الهدوء إلى طرابلس بعد طرد مسلحي الجماعة المقاتلة إلى خارج المدينة من قبل كتيبة ثوار طرابلس التابعة لوزارة داخلية حكومة الوفاق.

وأخلت كتيبة أبوبكر الصديق التابعة للقيادة العامة للجيش الوطني الليبي في يونيو الماضي في مدينة الزنتان سبيل سيف الاسلام القذافي، بعد أن كانت مكلفة بحراسته داخل مكان احتجازه منذ اكتوبر 2011. ويقول مراقبون، إنّ الخطوة جاءت لتضع لبنة جديدة في مسار المصالحة الوطنية الذي كانت قطر وحلفاؤها يعملون على عرقلته.

وفي السياق، قال الناطق باسم المعارضة القطرية خالد الهيل، إن ظهور سيف الإسلام القذافي سيكشف كثيراً من المؤامرات التي حاكها النظام القطري ضد الدول، مؤكّداً أن أمير قطر السابق حمد بن خليفة تخلّص من القذافي لأنّه كان يحمل أسراراً ضد قطر، وخشي النظام القطري من افتضاح أمره، كما حاول اغتيال سيف الإسلام ولكنه فشل.

وأضاف الهيل: «اختلفنا أم اتفقنا مع سيف الإسلام القذافي ولكن خروجه الآن سيكشف الكثير عن مؤامرات قطر وخداعها لشعب ليبيا ومؤامراتهم ضد العرب، لعب النظام السابق في ليبيا دوراً فعالاً لكسر نفوذ قطر في فرنسا وإنهاء صلاحية ساركوزي بأدلة دامغة».

مصالحات اجتماعية

كما وقع المجلس الرئاسي الليبي لحكومة الوفاق الوطني في 19 يونيو على الاتفاق الذي توصلت إليه لجنتا المصالحة بين تاورغاء ومصراتة المتجاورتين، والذي يقضي ببدء عودة أهل تاورغاء لمدينتهم بعد سنوات من الحياة في مخيمات النازحين بمناطق مختلفة في ليبيا.

وكانت مدينة تاورغاء شهدت بعد الإطاحة بالنظام السابق تهجير كل سكانها من قبل ميليشيات مدعومة من قطر قامت بهدم منازلهم وتجريف مزارعهم، وتصفية عدد كبير من أبناء المدينة بدعوى ولائهم للعقيد الراحل معمر القذافي. وبعد سنوات من القتال والتناحر، أعلنت قبيلتا أولاد سليمان والتبو، أن اتفاق الصلح الموقع بينهما مؤخراً شامل ودائم بين الطرفين بما فيه أبناء القبيلتين المتواجدين في دول الجوار.

وجددت القبيلتين في بيان مشترك الصادر في مدينة سبها تأكيدهما على أن القبيلتين ستعملان على تذليل جميع الصعوبات التي تعترض سبيل الصلح بينهما. ورفعت القبيلتان الغطاء الاجتماعي عن المجرمين والمارقين عن القانون من الطرفين، كما قررتا تسليم مطار سبها الدولي إلى مديرية الأمن بالمدينة، باعتباره مرفقا مهما يخدم جميع سكان الجنوب وليبيا.

حل تنظيمات

إلى ذلك، أعلنت سرايا الدفاع عن بنغازي المدعومة من قطر والمصنفة عربياً ومحلياً تنظيماً إرهابياً استعدادها لحل نفسها وإحالة أمرها إلى الجهات المعنية للنظر في مستقبلها. وجاء ذلك بعد أيام من إعلان تنظيم أنصار الشريعة الإرهابي في ليبيا عن قراره بحل نفسه.

وقال التنظيم المرتبط بتنظيم القاعدة والذي كان يحظى بدعم قطري مباشر عن طريق الجماعة الليبية المقاتلة، إنّه قرر رسميا حلّ نفسه، الأمر الذي رده مراقبون إلى الهزائم المتلاحقة التي تعرض لها في مواجهاته مع الجيش الوطني الليبي.

كما سيطرت القوات المسلحة الليبية على كامل منطقة الجفرة وطردت الجماعات الإرهابية من مدن هون وسوكنة والفقهاء وودان ذات الأهمية الاستراتيجية، فيما اتهم الناطق باسم الجيش الليبي العقيد أحمد المسماري قطر بالتورط في جريمة الهجوم على قاعدة براك الشاطئ الجوية في 19 مايو، والذي نفذته جماعات إرهابية، ما أدى إلى مقتل 142 أغلبهم من طلبة الكليات العسكرية الذين كانوا قد شاركوا في استعراض بمناسبة الذكرى الثالثة لانطلاق معركة الكرامة.

حسم معركة

على صعيد متصل، أعلن الجيش الوطني الليبي عن قرب تطهير بنغازي نهائياً من الجماعات الإرهابية المدعومة من النظام القطري. وذكرت شعبة الإعلام الحربي التابعة للقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، أن الوحدات العسكرية التابعة للجيش الوطني الليبي تواصل تقدمها من ثلاثة محاور في القطاع القتالي الأول الذي يضم منطقتي الصابري وسوق الحوت شمال وسط مدينة بنغازي، موضحة أن هذه الوحدات تتقدم تحت غطاء جوي مكثف أدى إلى نجاحها في قطع خطوط الإمداد عن القواطع التي يتحصن فيها الإرهابيون.

وقال الناطق باسم القوات المسلحة الليبية العقيد أحمد المسماري، إنّ الإعلان الرسمي عن تحرير بنغازي نهائياً من الإرهاب المدعوم قطريا بات وشيكا، وأن تحولات حقيقية في الميدان، أثبتت أن قطر كانت تقوم بدور رئيسي في دعم الجماعات الإرهابية عبر التمويل والتسليح والتحريض الإعلامي.

العراق

هدوء نسبي بعد المقاطعة

لا يبدي العراقيون كثير استغراب لتزامن الهدوء النسبي الذي تعيشه بغداد وعدد من محافظات البلاد مع مقاطعة قطر بسبب ضلوعها في دعم الإرهاب، على الرغم من اعتيادهم على عكس ذلك في الحالات التي يتعرض فيها تنظيم داعش لانتكاسات عسكرية، إذ يلجأ حينها إلى تحويل الأنظار عن خسائره بالتفجيرات والاغتيالات في المناطق المستقرة أو شبه الآمنة.

ويُرجع متابعون للشأن العراقي عدم تمكن «داعش» من العودة لأسلوبه المعتاد إلى فقدان أو تضاؤل الدعم والتمويل الخارجي، لا سيما القطري المباشر وغير المباشر، عبر مافيات أو تنظيمات مختلفة، بهدف استمرار الارتباك الأمني والسياسي، وإيصال العراق إلى مرحلة الإنهاك.

دعم متعدد

ويقول الخبير في شؤون الجماعات المسلحة زيد الزبيدي إن الدعم القطري كان يسير في عدة اتجاهات متناقضة أحياناً، ولكن تجمعها نظرة واحدة هي التطرّف، مشيراً إلى أنّ تنظيم داعش يقر دائماً بارتكابه العمليات الإرهابية ويعلن مسؤوليته عنها، وإنّ كان الكثير منها تنسبها جهات حكومية أو مواقع إلكترونية مجهولة إليه، فيما ترتكبها عصابات بصفات مختلفة أو ميليشيات منفلتة مرتبطة بالدعم الخارجي، الذي يربطه سياسيون عراقيون بجهات قطرية.

حصول غير المتوقع

في السياق، يقر الضابط في الشرطة الاتحادية المقدم صابر اللامي بحصول ما لم يكن في المتوقع أو عدم حصول ما كان متوقعاً، وأنّ أذرع تنظيم داعش لم تتحرك كما كان يحدث دائماً خلال أزمته الحالية وانكساراته في الموصل إلا بشكل جزئي ومحدود للغاية، فيما كانت الأجهزة الأمنية تستعد لموجات إرهابية في مختلف المدن العراقية، ويبدو أنّ تطويق بؤرة الإرهاب في قطر حالت دون تحرك تلك الأذرع، التي فقدت الجزء الأكبر من الدعم، على حد قوله.

أحضان إيران

بدوره، تحدث الإعلامي فاضل النعيمي عن الدعم القطري المباشر لتنظيم داعش، مشيراً إلى وجود مافيات مرتبطة بقطر تعيش على الأزمات أو تخلقها عند الطلب، وفي الحالتين الهدف واحد، وهو زعزعة أي استقرار في العراق وعموم المنطقة.

وأوضح النعيمي أنّ هذه العمليات هدفها إثبات وجود لقوة إيران وقدرتها على التأثير إقليمياً ودولياً فيما تؤدي قطر دور الوصيف، مشيراً إلى أنّ حكام قطر طلبوا الحماية الإيرانية والتنسيق مع طهران، بدلاً من اعتماد الحوار والتفاهم مع الشركاء الخليجيين.

خمول دواعش

إلى ذلك، ترى الناشطة المدنية فردوس الجابري، عضوة منظمة حقوق الإنسان في العراق، أنّ خمول تنظيم داعش وأجنحته في مناطق العراق المختلفة، لا سيّما وهو يمر بانتكاسة كبيرة في الموصل، ترجع إلى المقاطعة الخليجية - العربية لقطر، لافتة إلى أنّ هذا مؤشّر خطير إلى الدعم والتمويل الكبير اللذين كانت تحظى بهما الجماعات الإرهابية من قطر.

وتضيف الجابري أنّ ما يخشاه العراقيون الآن هو عودة عصابات الجريمة المنظمة والميليشيات المنفلتة، إلى استخدام طريق السلب والخطف والقتل والسرقات المسلحة، للتعويض عن خسارتها الدعم والتمويل الخارجي.

عنصر الشغب

على صعيد متصل، يقول القيادي في ائتلاف الوطنية ونائب رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان حامد المطلك إنّ العراق طالما اتهم قطر بتمويل الإرهاب ودعمه، مضيفاً: «من وجهة نظري نحن كعرب يجب أن يكون هناك تضامن فيما بيننا، وحسن نيات وعدم تدخل في شؤون الدول الأخرى سلباً.

ولكن نرى أن هناك مواقف مخجلة لبعض الدول، ومنها قطر، بشأن النازحين والمهجرين العراقيين وأمور كثيرة». ويردف المطلك: «ما يهمنا هو منع التدخل في الشأن الداخلي العراقي، ونحن لا نريد أن تكون قطر عنصر شغب في المنطقة، وإنما نريدها أن تخدم شعوب المنطقة، وأن تقف معها وليس ضدها».

Email