معارضة قطرية لـ «البيان»: الدوحة تحولت لإدارة سوداء تلـم الخيانة والعمالة

«قطر».. تاريخ حافل بالانقلابـــــات والخيانة

ت + ت - الحجم الطبيعي

«لقد مرت بلادنا خلال الفترة الماضية -كما تعلمون- بظروف صعبة لا تخفى عليكم، أدت إلى صعوبة استمرار الوضع خلالها.. تلك الظروف التي أدت بي مضطراً وبكل أسف إلى أن أحزم أمري- بعد موافقة ومبايعة وتأييد من العائلة الحاكمة الكريمة والشعب القطري الكريم، وأتسلم مقاليد الحكم في البلاد خلفاً لوالدي الذي سيبقى والداً للجميع، عزيزاً له المحبة والتقدير والإجلال»..

بذلك الخطاب المقتضب، أعلن ولي عهد قطر آنذاك حمد بن خليفة آل ثاني، في 27 يونيو من عام 1995 (قبل 22 عاماً)، انقلابه على والده الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، ليكتب فصلاً من فصول مسلسل الانقلابات الذي شهدته قطر، سواء تلك الانقلابات التي كتب لها النجاح أو محاولات الانقلابات الفاشلة التي شهدتها الدوحة على مدى تاريخها، بما يكشف مدى هشاشة وضعف النظام القطري بصفة عامة.

انقلاب فريد

قبل 22 عاماً، قرر الشيخ خليفة بن حمد السفر إلى أوروبا لقضاء عطلته السنوية الصيفية في أجواء أقل حرارة من صيف الدوحة. وفي مشهد دراماتيكي، قبَّلَ الشيخ حمد، في المطار، يد والده الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني أمام الكاميرات، عقب أن أقام له حفل وداع فاخراً لدى مغادرته للعلاج في الخارج، لكنه وجد نفسه بعد ساعتين من إقلاع طائرته، سليب العرش، مُطارداً في فنادق سويسرا، بعد أن أطاح به ابنه حمد بن خليفة، في انقلاب تلفزيوني فريد من نوعه، حيث استدعى رموز القبائل والعائلات طالباً منهم مبايعته أميراً للبلاد!

ولم يدر بخلد الحضور، كما الأمير السابق الذي كان يجهل ما طبخ ابنه وولي عهده في قصره، مع مجموعةٍ من المقربين منه مثل رجله القوي ورئيس حكومته لاحقاً الشيخ حمد بن جاسم، أو عينه ومخبره الرسمي على الحكومة والمسؤولين الكبار في الدولة المقربين من الأمير الأب، عبد الله بن حمد العطية وزير النفط السابق، الذي أدى أدواراً شديدة الخطورة والحساسية منذ 1986 في خدمة ولي العهد حمد بن خليفة، ضد منافسيه من العائلة الحاكمة، خاصةً المنافس الأبرز والشقيق الخطير على حمد بن خليفة، عبد العزيز، الرجل القوي سابقاً في قطر، الذي انتهى به المطاف مهجراً وطريداً في أوروبا مع والده المعزول الشيخ خليفة بن حمد.

تقرير مصور

وبمجرد مغادرة الطائرة المقلة للأمير الحاكم المجال الجوي القطري، قطع التلفزيون الرسمي إرساله وبرامجه، ليعود بعد ساعتين من سفر الأمير، ويزف للقطريين بشرى الانقلاب، عن طريق إعلان خبر «عزل» الأمير لأسباب مجهولة، وبقرار من ابنه «وولي عهده الأمين» حمد بن خليفة، ثم فور إعلان الخبر، بث التلفزيون الرسمي، في غياب الجزيرة، التي كانت أول وأهم ثمار الانقلاب بعد نحو سنة واحدة، تقريراً مصوراً عن مراسم البيعة للأمير الجديد.

دعوة مفاجئة

عقب عملية الانقلاب التي خدع فيها الشيخ حمد رموز القبائل والعائلات القطرية بعد أن دعاهم إلى السلام عليه وفوجئوا بطلبه لمبايعته أميراً للبلاد، أذاع التلفزيون القطري لقطات «السلام» من دون صوت.

وشد التقرير الذي بثه التلفزيون، والذي لم يتخلله صوت أو بيان، أو أي مرفقات صوتية تعكس أهمية الحدث وخطورته في تاريخ البلاد، انتباه القطريين، ليتبين لاحقاً أنه تقرير أعد بشكل مسبق، ولم يكن في الواقع سوى استقبال عادي من ولي العهد لأعيان البلاد، وأهل الحل والعقد فيها، وشيوخها وفقهائها ووجهاء قبائلها، بعد دعوة مفاجئة من ولي العهد لهم بغرض السلام عليه.

استنكار واسع

واستنكر الكثير من القطريين ما حدث ووصفوه بـ«الخيانة» ودوّن بعضهم شعارات داعمة للشيخ خليفة بن حمد آل ثاني على الجدران، في الوقت الذي اعتقل فيه قائد الانقلاب الأمير حمد العشرات من أنصار والده الذين هبوا دفاعاً عنه بشعارات «خليفة أميرنا إلى الأبد».

«هذا تصرف غريب من شخص جاهل».. هكذا علّق الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني على انقلاب نجله عليه، وراح يحاول استرجاع حكمه عقب الانقلاب من خلال عدد من التحركات. وزار دولاً خليجية عدة، من بينها البحرين التي أطلق فيها تصريحاً شهيراً له قال فيه: «اليوم تستقبلونني في البحرين، وغداً أستقبلكم في الدوحة»، فيما تبرأت والدة الشيخ حمد منه ومن ولديها (عبد الله ومحمد) عقب عملية الانقلاب.

إجراءات تعسفية

وفي عام 1996، اتهم الشيخ حمد عدداً من أنصار والده بمحاولة تدبير محاولة انقلابية جديدة من أجل استعادة الحكم، واتخذ إجراءات تعسفية غير مسبوقة ضدهم، وألقى القبض على العشرات، ولاحق كل معارض ومنشق في الداخل، ودفعت قبيلة آل مرة خاصةً إلى جانب عشرات العسكريين والضباط من الجيش والحرس الأميري فاتورة ثقيلة للانقلاب، ومحاولة إعادة الشرعية طوعاً أو قسراً.

وصدرت أحكام مشددة بحقهم، وصلت حتى نزع الجنسية والحرمان من كل الخدمات كالعلاج والتعليم، ونزعت جنسية فخيذة آل غفران أحد فروع قبيلة آل مرة.

وبرغم ظهور قناة الجزيرة في 1996، فإنها لم تنتبه في 1997 إلى المحاكمات الخاطفة التي تعرض لها عشرات القطريين المتهمين بتأييد مشروع الانقلاب على الأمير حمد بن خليفة، والتي طالت أكثر من 120 من الضباط والعسكريين في سلكي الجيش والحرس الأميري وحتى بعض أفراد العائلة الحاكمة المناهضين للانقلاب، وعشرات المواطنين، خاصةً المنتمين منهم إلى آل مرة، أو آل غفران.

لم يكتف الابن المنقلب بهذا القدر، بل حُرِّكَت دعاوى ضد والده الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، وعدد من المسؤولين في عهده، من أجل استرداد مليارات الدولارات منهم، وتم وقف تلك الدعاوى بعد ذلك ضمن إجراءات المصالحة بين الشيخين.

قضى الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني تسع سنوات متنقلاً بين عدد من العواصم العربية والأوروبية، ولم يعد إلى قطر إلا في عام 2004 لدى مشاركته في تشييع جنازة إحدى زوجاته، حتى بقي «الأمير الوالد» في الدوحة، لكن دون الظهور، فلم يُرَ على الشاشات أو في الشوارع، ورجحت تقارير آنذاك وجوده قيد الإقامة الجبرية في أحد المراكز الطبية، حتى وفاته في عام 2016.

تاريخ من الانقلابات

تاريخ قطر حافل بعمليات الانقلاب والخيانة، من بينها عملية انقلاب الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني نفسه على ابن عمه الشيخ أحمد بن علي آل ثاني، وذلك في فبراير من عام 1972. ولم تقتصر عمليات الخيانة على والانقلاب على الداخل القطري، بل امتدت الخيانة القطرية إلى خيانة الأمة من خلال دعم الإرهاب وتمويله وحياكة المؤامرات للأشقاء.

يوم مشؤوم

من جهتها، تصف المعارضة القطرية المقيمة في العاصمة المصرية القاهرة منى السليطي، في تصريحات لـ«البيان»، ذكرى مرور 22 عاماً على انقلاب الشيخ حمد بن خليفة على أبيه، ذلك الانقلاب بأنه «كان المخادعة الكبرى والغمة التي أطلت على قطر تحت مسمى عهد جديد ومرحلة جديدة».

مستطردة: «جاء هذا الانقلاب الذي سمي بالأبيض، كبياض الدوحة وقلوب وأخلاق ساكنيها إبان عهد الأمير خليفة، ليكون هذا تاريخاً مشؤوماً بحقبة قطر.. خيل للشعب بعد انطلاء الخداع عليه أنه سينتقل لمرحلة جديدة من الحرية والديمقراطية والعدالة التي يحلم ويسمع بها ولا يدركها ولا يعرفها».

وتفيد السليطي بأن «الدوحة تحولت لمكتب إدارة سوداء، تلم بقلبها كل النكت السوداء من الخيانة والعمالة ومصافحة الشيطان لخيانة الوطن والأوطان.. بدأ العقوق بالأب (الوالد) وتلاه بالابن القطري البار (الشعب) الذي انتزعت منه كل الحريات والممارسات الديمقراطية من خلال الأساليب غير الأخلاقية، ليدور في فلك فوضى خلاقة تخدم العدو».

وأضافت أنه «من خلال قطر صارت تدار عمليات ومخططات انتزاع كل خير في الوطن العربي، وكذا تدار محاولات العبث بالدول العربية وسفك الدم ونشر الفوضى الخلاقة، من خلال قيادات الدوحة «العاقة» التي عقت الرحم والوطن والأمة».

Email