صمام أمان المحافظات المحررة ومفتاح الحسم العسكري

تعز عبَق التاريخ وآلام الحاضر

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تكتسب تعز، أو المدينة الحالمة كما يسميها محبوها، أهمية إستراتيجية عبر التاريخ نظراً لعوامل عدة، أبرزها موقعها الإستراتيجي، حيث تقع في المرتفعات الجنوبية لليمن، وهي حلقة وصل بين الجنوب والشمال، كما أنها تعتبر واحـدة مــن أهـم المدن اليمنية وأكثرها حضوراً في دول ازدهرت واندثرت، ما أهلّها لتكون عاصمة اليمن الثقافية، ولكن «المنكوبة» بمجازر الحوثيين.

وتقع مدينة تعز، المقسمة إدارياً إلى ثلاث مديريات «المظفر، القاهرة، صالة»، في الجنوب الغربي من العاصمة صنعاء، وتبعد نحو 250 كيلومتراً عنها، وهي مركز محافظة تعز أكبر محافظات اليمن سكاناً، وثالث مدينة يمنية من حيث عدد السكان.

يتحدث معظم سكانها بلهجة محلية تعزية تتميز بخفة النطق، حيث ينطق حرف الثاء تاء، وتفخّم السين صاداً، وترقق الطاء في بعض كلماتها تاء، ويعطل ألف الضمير المؤنث فيها.

تعتبر المدينة من أكثر مناطق اليمن اعتدالاً في المناخ طوال العام، وتحظى بنصيب الأسد من الأمطار بعد مدينة إب، بمعدل سنوي 600 مليمتر. ونظراً لموقعها الجغرافي وطقسها المعتدل وتاريخها الضارب في القدم، فهي تعتبر وجهة سياحية جاذبة لعشاق التراث ومحبي السياحة الجبلية، ومركزاً اقتصادياً مدعوماً من ميناء المخا الاستراتيجي.

عاصمة فريدة

ويعود تاريخ المدينة إلى القرن السادس الهجري، منذ أن بنى سلطان الدولة الصليحية عبدالله بن محمد الصليحي قلعة القاهرة التي تعتبر النواة الأولى للمدينة، ثم بدأ في تمدينها أخوه علي.

بخروج الأيوبيين من اليمن، أسس عمر بن رسول الدولة الرسولية، الأكثر شهرة في اليمن خلال القرون الوسطى والأطول في الحيازة لنحو 228 عاماً. وبقيت تعز عاصمة للرسوليين لما تتمتع به من تحصينات طبيعية فريدة، حيث يقف جبل صبر رديفاً قوياً وعمقاً حيوياً لأية دولة قامت فيها، إلى جانب حصنها المسيطر علي المدينة.

بعد أن ورث بنو طاهر مناطق نفوذ الدولة الرسولية وعاصمتها تعز، أسقط الإمام الزيدي المتوكل يحيى شرف الدين المدينة عام 1517 بالتعاون مع المماليك، ثم أصبحت بعد انسحاب العثمانيين عاصمة المملكة المتوكلية اليمنية، التي قاد منها أحمد بن يحيى الثلاثيا انقلاب عام 1955 على الإمام أحمد حميد الدين. وفي العام 1962، انطلقت من تعز ثورة 26 سبتمبر، التي أسقطت المملكة المتوكلية.

أجمل المدن

وردت مدينة تعز القديمة في كتابات الرحالة الشهير ابن بطوطة، حيث وصفها بأنها «أكبر المدن وأجملها»، حيث كانت محاطة بسور حجريّ فيه خمسة أبواب، لم يبق منها في أيامنا سوى الباب الكبير وباب موسى.

وتميزت تعز في العهد الرسولي بالازدهار العلمي والأدبي وبناء المساجد والقباب والقلاع الشامخة والمآذن العملاقة، ومنها جوامع الأشرفية والمظفر والمعتبية، وجميعها تحتوي على فن معماري متميز وأشكال هندسية لها روعتها وبهجتها.

وشهدت المدينة في عهد الدولة العثمانية حركة عمرانية واسعة، اتضحت أهم معالمها في ظهور البدايات الأولى للمنشآت السياحية المعروفة حالياً، والتي مثلت أساساً قوياً للسياحة من داخل وخارج اليمن.

معالم تاريخية

المدينة الشامخة على مر العصور، تحتضن العديد من الأحياء القديمة والجميلة، وتتميز منازلها بلون الطوب البني، وبالعديد من المواقع والمزارات التاريخية الأثرية والدينية التي اكتسبت أهميتها من أهمية أصحابها المؤسسون الذين نسبت إليهم أو سميت بأسمائهم.

أبرز تلك المعالم قلعة القاهرة التاريخية، التي تعد أساس نشأة مدينة تعز، وقد شهدت أدواراً عسكرية وسياسية مهمة خلال تاريخها الطويل. إلى جانب المدرسة الأشرفية وجامعيْ المظفر ومعاذ بن جبل، وغيرها.

أهمية إستراتيجية

أما اليوم، فتكتسب المدينة أهمية إستراتيجية كبيرة في حرب تحرير محافظات البلاد كافة من مليشيات الحوثي وعلي عبدالله صالح، الذين يرتكبون فيها مجازر يومية ضد المدنيين.

فهي أولاً تعتبر حلقة وصل بين الجنوب والشمال، ويعتبر تحريرها مفتاح تسريع عملية الحسم العسكري الشامل، وقاعدة لانطلاق الجيش الوطني لتحرير البيضاء وإب والحديدة والعاصمة صنعاء، وفك الحصار عن مأرب، والاستمرار في التقدم صعوداً نحو معقل الحوثيين في صعدة.

كما تعتبر صمام أمان المحافظات الجنوبية المحررة عدن وأبين ولحج، وتمثل السيطرة عليها نصراً معنوياً كبيراً، ومركز ثقل في المعادلة العسكرية، نظراً أيضاً لأهميتها الاقتصادية والسكانية والجغرافية.

ويقول الخبير العسكري والاستراتيجي عبدالله الحاضري إن «تعز أثبتت أنها مدينة اليمنيين كلهم، سكانها أكثر من أربعة ملايين، وتضم النخب المثقفة والقيادات البارزة، وهي الأكثر تعليماً في البلاد، ومن يستحوذ عليها استحوذ على اليمن».

أصل التسمية

بحسب المؤرخين، لم تعرف مدينة تعز بهذا الاسم إلا من القرن السادس الهجري عندما سكنها توران شاه الأيوبي، شقيق صلاح الدين الأيوبي، ثم ازدادت شهرتها عندما اتخذها الرسوليون عاصمة لدولتهم، وكان يطلق اسم تعز على قلعتها المعروفة اليوم باسم القاهرة، أما المدينة فقد كانت تعرف باسم «ذي عدينة»، ثم غلب اسم تعز عليها.

Email