تجمع بين 70 إلى 200 مليون دولار سنوياً من أنشطة غير مشروعة

منافذ غير تقليدية مكّنت «داعش» مالياً

داعش حصل على آليات ثقيلة من السيطرة على معسكرات الجيش العراقي في الموصل ــ أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر تنظيم داعش المنظمة الإرهابية الأفضل تمويلاً في العالم، وتشير أرقام رسمية أخرى إلى أن ميزانيته تفوق بعض الدول، مستغلة في هذا المضمار تداعيات الفوضى التي اجتاحت العراق وسوريا أحسن استغلال من أجل مضاعفة خزينة «بيت المال»، حتى وصفت بعض الدراسات الاستراتيجية مخططي شبكة التمويل داخل التنظيم بـ «المجرمون المتجرئون»، في إشارة إلى استحضار وسائل ذاتية مروعة متجاوزة مسار قنوات الحركات المتطرفة المرتبطة مع تنظيم القاعدة التي كانت تجني التمويل عبر حركة المال غير الرسمية المتدفقة من بعض الدول المانحة ورجال أعمال تحت لافتة المساعدات الإنسانية والهبات الخيرية.

وتناولت العديد من التقارير الأممية شبكة تمويل «داعش» مقارنة مع «القاعدة»، وخرجت معظم تلك الدراسات بنتائج تكاد تكون متطابقة، فبخلاف تنظيم القاعدة الذي يعتمد بشكل كبير على المانحين الرئيسيين من البلدان الغربية كان «داعش» مكتفياً ماليّاً لفترة دامت ثماني سنوات على الأقل (ويعود ذلك إلى الوقت الذي كان يُدعى تنظيم القاعدة في العراق) بحكم انخراطه في مؤسسات ناجحة بشكل كبير في النشاط الإرهابي على الأراضي العراقية.

ووفقاً لتقييم حكومي أميركي أجري في نوفمبر 2006 وورد ذكره في صحيفة «نيويورك تايمز»، أسس تنظيم «القاعدة في العراق» وجماعات أخرى حركة تمرد تتمتع بالاكتفاء الذاتي في العراق وتجمع ما بين 70 إلى 200 مليون دولار سنوياً من أنشطة غير مشروعة فقط. وتشير وثائق من قاعدة بيانات «هارموني» في وزارة الدفاع الأميركية إلى أن «الهبات الخارجية بلغت حصة صغيرة - لا تزيد على خمسة في المئة - من ميزانية التنظيم التشغيلية في الفترة بين 2005 - 2010، حين استلم أبوبكر البغدادي القيادة» بعد مقتل اثنين من أسلافه.

ورغم مصادر الاكتفاء الذاتي لدى «داعش»، لا يزال التنظيم يعتمد على حركة المال غير الرسمية وتعتبر أحد أهم مصادره التقليدية، حيث وصلت ذروة هذا التمويل مع موجة الربيع العربي وما خلفته من الفوضى العارمة، الأمر الذي منح الشخصيات السلفية الجهادية هامشاً من الحرية بتمرير مبالغ هائلة إلى تنظيم البغدادي عبر تغيير وتزوير أسماء الهيكلية التنظيمية للجمعيات الخيرية قدر المستطاع تحسباً لمطاردة الرقابة الدولية، كما أن التنظيم لا يرتبط مع الدول المانحة بشكل قانوني مما يساعد هذا الأمر في التهرب من التدابير المالية في مكافحة الإرهاب.

ويلجأ تنظيم البغدادي في تكوين ثروته بشكل رئيسي إلى المصادر المحلية، من أبرزها استغلال حركة تدفق المال على التنظيمات المسلحة داخل سوريا، حيث شكلت له فرصة ثمينة في تعزيز قدراته المالية خاصة في مستهل مشواره التصاعدي في شمال شرقي سوريا، فلم تقف العلاقات المتوترة والمتصادمة بين الأطراف المسلحة عقبة في وجه حركة مرور السلاح والمال بين الجماعات المسلحة التي تحمل البذرة الأصولية، وتشمل هذه الآلية تبادل الرهائن المحلية والأجنبية على قاعدة طلب الفدية وتقسيم الإتاوات وتسهيلات لوجستية يومية.

التركيز على الضرائب

وأوضح محللون أن «داعش بدأ بجباية الأموال من مواطني المناطق التي يسيطر عليها في سوريا وبعدها في العراق، وبدأ الأمر في محافظة الرقة السورية التي أطلقت عليها تسمية ولاية الرقة» حيث بدأ أولاً بجباية الضرائب من الأهالي لقاء الخدمات التي يقدمها لهم ثم انتقل إلى جباية الزكاة، مع خضوع أهالي المحافظة والدفع خوفاً من ردّات فعل عناصره الدموية.

وبدأ التنظيم الإرهابي يمهد لجباية الزكاة عبر بيانات وزعها على الأهالي بوجوب دفع الزكاة بمواعيدها، خصوصاً زكاة الفطر وزكاة التجارة وزكاة الحبوب، والغريب أنه يشدد على جباية زكاة الحبوب وحدها منفصلة عن الزكاة الأساسية، وذلك لجباية المزيد من الأموال، ويودع «داعش» كل هذه الأموال في ما أسماه «بيت المال».

ووفقاً لمعلومات مجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة تفرض «داعش» ضرائب على الشركات المحلية والمزارعين وسائقي الشاحنات تصل قيمتها النقدية إلى ثمانية ملايين دولار سنوياً، كما وفر الاستيلاء على البنك المركزي في الموصل عشرات الملايين من الدولارات.

ولا يتوانى التنظيم في استثمار السوق السوداء وتجارة الممنوعات كحقل خصب في جني الأموال، علاوة على بيع المخدرات والقطع الأثرية والمجوهرات المسروقة والأعضاء البشرية.

ووثقت تقارير إعلامية وقوع حوادث داخل الأراضي التركية جرى من خلالها بيع الأعضاء البشرية على يد جبهة النصرة و«داعش»، كما لم يتوان التنظيم عن سبي النساء الإيزيديات وبيعهن في أسواق الموصل والرقة.

الغنائم وتجارة النفط

وتبقى الغنائم وتجارة النفط من أهم الحقول الرئيسية التي ترفد التنظيم بالقدرات المالية الفائقة، ومن أجل ذلك كان يخوض حروباً ضروس في المناطق الشرقية والشمالية من سوريا بغرض حصد أمرين معاً: الأول، تمكين هيمنته على مصادر الغاز والنفط، وإخضاع البيئات المحلية بجميع مواردها الاقتصادية كالماء والقمح تحت كنفه.

كما أن التنظيم أصدر الكثير من الفتاوى تبيح مصادرة الأملاك والبيوت والسيارات ممن قاتلهم على مبدأ الغنيمة، وفرض الجزية على الأقليات غير المسلمة.

وفي هذا الإطار، يقول المحلل في مكتب جينز للاستشارات ايفان يندروك إنّه «خلافاً لتنظيم القاعدة الذي اعتمد بشكل شبه حصري على الهبات الخاصة، يسيطر مسلحو داعش على مناطق شاسعة يفرضون فيها حكمهم فيمارسون عمليات الابتزاز والخطف وتهريب النفط، وصولاً إلى الاتجار بالقطع الأثرية، وبالتالي فإنه من الصعب للغاية على العقوبات الغربية أن تستهدف مصادر تمويل التنظيم بالمقارنة مع تجفيف منابع أموال تنظيم القاعدة».

ويلفت المحلل يندروك إلى أن «نظام عقوبات شاركت فيه أكثر من 160 دولة نجح في نهاية المطاف في الحد من قدرة تنظيم القاعدة على الحصول على أموال عبر مؤسسات خيرية ومصارف، غير أن هذا لن يكون مجدياً حيال تنظيم داعش الذي له مصادر تمويل خاصة به في المناطق التي يسيطر عليها».

ويتابع يندروك القول إنّه «إنْ كان بوسع عقوبات مشددة الحد نوعاً ما من تحويل الأموال إلى داعش من خارج العراق وسوريا، فإنه من الصعب للغاية تقليص مصادر التمويل داخل مناطق سيطرته من حقول نفطية وشبكات إجرامية وعمليات تهريب».

غير أن خبير الاقتصاد في مركز راند كوربوريشن للأبحاث هاورد شاتز يشير إلى أن «الأموال القادمة من ممولين أفراد لا تشكل سوى جزء ضئيل من موارد تنظيم داعش وبالتالي فإن العقوبات المالية ليست فاعلة جداً في تجفيف مصادر تمويله». ومن الممكن، في نظره، الحد من عمليات بيع النفط إذا ما شددت تركيا والأردن إجراءات مراقبة الحدود أو إذا تم التعرف على الوسطاء الذين يؤمنون عمليات التهريب.

الصعود المالي

الصعود المالي لدى تنظيم داعش دفع أخيراً المجتمع الدولي في إصدار قرار مجلس الأمن رقم 2170 الذي تم إقراره في أغسطس وذلك من أجل كبح تدفق المقاتلين الأجانب والتمويل وأشكال الدعم الأخرى عن الجماعات الإسلامية المتطرفة في العراق وسوريا، وضرورة تعزيز التنسيق والتعاون مع الدول الخليجية وتلك المجاورة لسوريا والعراق من أجل شل منابت التمويل، ونشرت وزارة الخزانة الأميركية تقريراً في الآونة الأخيرة عن تصنيف ممولي الإرهاب والاختصاصيين اللوجستيين الذين يدعمون «داعش» وجماعات أخرى، من بينهم 12 «ميسراً للمقاتلين الإرهابيين الأجانب» من جورجيا وإندونيسيا وقطر والكويت وتركيا والأردن، إلا أن تقويض منابع تنظيم داعش المالية بشكل كبير يتطلب دحر المصادر المحلية في سوريا والعراق. وكان لا بد من تشكيل التحالف الدولي لهذا الغرض.

شراء السلاح

استيلاء «داعش» على أكثر من 420 مليون دولار من البنك المركزي العراقي في الموصل والحصول على أموال من بنوك أخرى في المدينة والمناطق الأخرى التي تسيطر عليها، يمكنها من تجنيد المزيد من المتطرفين. ووفقاً للمحلل البريطاني إليوت هيغينز فإن الأموال التي صارت الآن تحت تصرف داعش تمكنه من «دفع 600 دولار شهرياً لـ 60 ألف مقاتل لمدة عام واحد».

ويعتقد هيغينز أن «داعش يدفع أموالاً على الأقل للمقاتلين الأجانب في صفوفه وربما للقوات كلها أيضاً».

مواجهة صعبة

الخطر الحقيقي الكامن وراء هذه الأموال بحسب الدراسة هو الاكتفاء الذاتي الذي بات يتمتع به داعش ما يسمح له بتجنيد عشرات الآلاف من الفقراء من كل الأعمار ومن كل المناطق الخاضعة تحت سيطرته، فالكثير من السوريين والعراقيين يعيشون في فقر مدقع وبحاجة للأموال من أي طريق لإعالة عائلاتهم، خصوصاً وأن الراتب الشهري الذي يدفع من «داعش» للعناصر المجندة يتراوح بين 500 وألف دولار.

ويرى محللون أن مواجهة تنظيم داعش ستكون أصعب لو بقي تمويله غير مكشوف.

تهديد جديد

ذكرت صحيفة «ذي تلغراف» البريطانية أن تنظيم القاعدة يشكل تحدياً جديداً للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا والعراق من خلال دعوة الجماعة إلى دعم تنظيم داعش بالرغم من التنافس الشرس بين التنظيمين المسلحين.

وذكرت الصحيفة إن «دعوة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ذات أهمية مضاعفة، حيث إنه من المعتقد أن دعم تنظيم داعش يصب في اتجاه توجيه تهديدات جديدة لأميركا».

وأفادت الصحيفة بأنه «كان هناك اشتباك وقع بين الظواهري، وقائد تنظيم داعش أبوبكر البغدادي العام الماضي علناً حيث خاض التنظيمان قتالاً ضد بعضهما البعض في سوريا، ولكن قرار أميركا بقصف ليس فقط تنظيم داعش في العراق وسوريا، بل ومقاتلي تنظيم القاعدة المتهمين بالتخطيط لشن هجوم على الولايات المتحدة، أدى إلى اتحاد التنظيمين المتنافسين معاً».

وأوضحت أن القرار الأميركي بقصف موقع تابع لفرع القاعدة، وهو جبهة النصرة، في الحرب السورية المدنية أثار الغضب في قضية المسلحين. دمشق-الوكالات

%90

أكد رئيس اللجنة الأمنية في مجلس ديالى صادق الحسيني انخفاض معدلات التجنيد في صفوف «داعش»، لافتاً إلى أنّه بات يفقد قدرته على التأثير خاصة من خلال الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بعدما اتضحت جرائمه المروعة.

وأضاف الحسيني أن «90 في المئة من معاقل داعش في ديالى محاصرة وقطعت عنها أغلب طرق الإمداد الرئيسة، ما جعل التنظيم في موقف صعب للغاية»، لافتاً إلى أن «وجود التنظيم بات مؤقتاً في ديالى وسينتهي عما قريب». بغداد-البيان

15000

كشف تقرير أممي عن أن عدد المقاتلين الأجانب المتدفقين إلى سوريا والعراق ارتفع بشكل ملحوظ ليبلغ نحو 15 ألف مقاتل من 80 بلداً. كما يتحدث التقرير عن الخطر الذي يشكله هؤلاء لدى عودتهم إلى دولهم الأصلية.

وأفاد تقرير للأمم المتحدة نشرته صحيفة «ذي غارديان« البريطانية نهاية أكتوبر الماضي بأن نحو 15 ألف أجنبي توجهوا إلى سوريا والعراق خلال السنوات الماضية للقتال في صفوف تنظيمات متطرفة كتنظيم داعش. ويعزو التقرير، الذي نشرت الصحيفة مقتطفات منه، انضمام هذا العدد المرتفع إلى «داعش» إلى تراجع تنظيم القاعدة.

وأضاف التقرير الذي أعدته لجنة مراقبة نشاط القاعدة في مجلس الأمن الدولي أنه «منذ 2010 بات عدد الجهاديين الأجانب في سوريا والعراق يزيد بعدة مرات عن عدد المقاتلين الأجانب الذين تم إحصاؤهم بين 1990 و2010، وهم في ازدياد».

ويتحدث التقرير عن أمثلة على مقاتلين إرهابيين أجانب جاءوا من فرنسا وروسيا وبريطانيا وألمانيا وغيرها، وفي الإجمال من 80 بلداً بعض منها لم يعرف في السابق مشكلات على صلة بتنظيم القاعدة.

 ويركز التقرير مع ذلك على الخطر الذي يمثله هؤلاء المقاتلون لدى عودتهم إلى بلدهم الأصلي، وهو تهديد دفع العديد من البلدان مثل بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا إلى اتخاذ تدابير للكشف عنهم ومنعهم من التوجه إلى سوريا والعراق. لندن - الوكالات

Email