العلة في سياسات المالكي والأسد وأساليب مواجهة التنظيم تشمل استراتيجيات مختلفة

أكاديميون يحللون لـ «البيان» ظاهرة «داعش»

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

استطلعت «البيان» آراء عدد من المحللين والأكاديميين المرموقين العرب والأميركيين بشأن تنظيم داعش ونشأته وأسباب تمدده وتكتيكاته الميدانية والأساليب التي يمكن من خلالها مواجهته، حيث أجمعت الآراء على تحميل مسؤولية ظهوره إلى ضعف الموقف الدولي تجاه ما يحصل في سوريا منذ أكثر من ثلاثة أعوام وسياسات النظام هناك وحكومة نوري المالكي في العراق وتأجيجها التوترات الطائفية.

 كما أكد الخبراء أن وسائل التصدي إلى التنظيم تشمل استراتيجيات مختلفة، ملقين الضوء في الوقت ذاته على مصادر تمويل «داعش».

ويقول مدير مركز المسبار للدراسات والأبحاث تركي الدخيل لـ«البيان» إن أسباب ظهور التنظيم تنقسم إلى قسمين «أولها ثقافية، منها إهمال الخطاب الديني وضعف الرقابة عليه، وهو أمر أشار إليها الملك عبدالله بن عبدالعزيز حين استقبل رؤساء المؤسسات الدينية في السعودية.

وهذا السبب الثقافي نراه في ديباجات الفتاوى التي يطلقها التنظيم، فهناك محفزات للإرهاب أُهملت في المؤسسات التعليمية في العالم الإسلامي مما سهّل ولادة تنظيمات متعددة من القاعدة إلى جبهة النصرة إلى داعش.. والقادم أسوأ».

ويضيف: «والسبب الثاني سياسي، حيث شكل ضعف الموقف الدولي تجاه سوريا من جهة، وتعنت رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي وممارساته الطائفية محفزات سياسية على إيجاد فراغات تمكّن التنظيم من الاختراق». ويوضح الدخيل أن «التنظيم نجح من خلال الأموال التي تدوّر في سوريا من دون رقيب، ومن جهةٍ أخرى من أعمال النهب والسلب التي يسميها تبعاً لرؤيته الفكرية بـ(الغنائم)».

وتابع: «هناك مليارات الدولارات لديه ورواتب كبيرة تصرف للعاملين والكوادر، إضافةً إلى الجزية الإجبارية من المدن التي يسيطر عليها». واستطرد: «أبرز مصدر لايزال غامضاً. فالسؤال الأهم: هل من دولٍ معينة تدعم داعش؟. أظن أن هناك إمكانات لحدوث ذلك، وهي دول لا تريد الخير للخليج بالتأكيد».

وبخصوص الحلول الإقليمية والدولية التي يمكن من خلالها مواجهة التنظيم، يجيب: «الأكيد أن الإجراءات أساسها فكري وثقافي. لدينا في الخليج علاقات ومنافذ وحدود مع العراق وانفلات داعش بهذا الشكل يؤثر علينا، والاستعداد العسكري على أشده. لكن أبرز مهمة هي برأيي ثقافية بإيجاد رؤية شاملة حاسمة تمشّط التعليم والخطاب الديني والمؤسسات الدينية والمنابر وتنظفها من هذا الفكر المتطرف الدموي».

أما بشأن الاستراتيجية الخليجية الممكنة، فيوضح الدخيل لـ«البيان» أن مثل تلك الاستراتيجية «تُوضع من خلال إيجاد وحدة متكاملة تابعة لهذه الدول تكون ذات امتدادين، أولهما فكري: بحيث ترصد الجماعات والأفراد والمحرض والمستغل للمنبر ويحال إلى الجهات الأمنية.

والثاني أمني: عبر التعاون المشترك في المعلومة التي ربما تشكل خطراً على هذه الدولة أو تلك». ويختتم قائلاً: «أحسب أن التعاون في هذا المجال قوي وفاعل بين الدول الثلاث: السعودية والإمارات والبحرين، وكل دولة تستفيد من الأخرى في مجال حفظ الأمن القومي».

سوريا وإيران

أما الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري رياض قهوجي، فيقول لـ«البيان» إن «داعش هو استمرار وتطور لما كان يعرف بالدولة الإسلامية في العراق أو القاعدة في العراق والتي أنشأها أبو مصعب الزرقاوي».

ويضيف: «ظهرت هذه المجموعة نتيجة تعاون استخباراتي سوري ايراني كان يهدف في حينه إلى تسهيل دخول مقاتلين اسلاميين إلى العراق من أجل محاربة القوات الأميركية واستنزافها لإجبارها على الانسحاب. كما ساهمت هذه المجموعة بإشعال فتيل الحرب المذهبية في العراق».

ويشير إلى أنه بعد اندلاع الثورة السورية «دخل التنظيم على خط المواجهة وأول ما قام به هو شق صفوف القاعدة عبر مهاجمته جبهة النصرة ومحاولة اجبار عناصرها على مبايعته.

ولفترة من الزمن، بقي داعش في الصفوف الخلفية واستفاد من تقدم الثوار في العديد من المدن والمحافظات السورية ليثبت تواجده في مواقع استراتيجية مثل حقول النفط والغاز والمعابر الحدودية من أجل أن يؤمن لنفسه مدخولاً مالياً يعطيه حرية التصرف باستقلالية وقدرة أكبر على تجنيد عناصر من دول عربية وإسلامية».

وأردف قهوجي: «استغل التنظيم انشغال الجيش السوري الحر بمقاتلة جيش النظام ليسيطر على مناطق مثل الرقة ودير الزور، كما استغل أيضا ضعف جيش النظام. أما في العراق، فإن تدهور الأوضاع السياسية والأمنية وزج المالكي الجيش العراقي في صراعات مذهبية أضعف الجيش وأفقده البيئة الوطنية الحاضنة له وقلَب العشائر عليه».

ويوضح: «هذا أوجد فرصة لداعش لتتحالف مع العشائر وتشن هجوماً مباغتاً لم تكن القوات العراقية المشتتة قادرة على صده»، مستطرداً أن «امتناع المجتمع الدولي عن التدخل في سوريا لحسم الوضع وتفاقم الصراع المذهبي أوجد فرصة لقيادة داعش للاستفادة من التشتت والفراغ على الساحتين السورية والعراقية ليتحول من ميليشيا صغيرة إلى تنظيمٍ ضخم يملك مقدرات دولة ومسلح بأفضل الأسلحة التي غنمها من الجيشين العراقي والسوري».

وبشأن الكيفية التي نجح من خلالها التنظيم في بناء امبراطورية مالية، يجيب قهوجي: «استفاد أولاً من تبرعات بعض الشخصيات الثرية، ولكنه لجأ لاحقاً إلى الأعمال الإجرامية مثل الخطف لتحصيل فدية مالية والمتاجرة بالسيارات والقطع الأثرية المسروقة.

ولاحقاً، أخذ يسيطر على منشآت النفط والغاز وبيع منتجاتها في الأسواق السوداء في سوريا وتركيا، هذا إلى جانب فرض ضرائب في مناطق سيطرته. كما يقال إنه استولى على مبالغ مالية كبيرة من مصارف عراقية خاصة في الموصل».

أما عن الحلول الإقليمية والدولية التي يمكن من خلالها مواجهة «داعش» وهزيمته، فرد قهوجي أنه «لا يمكن حسم موضوعه من دون تدخل دولي في سوريا. فمصيره مرتبط اليوم بمصير الأزمة السورية. والنظام يحاول اليوم الاستفادة منه عبر محاولة تصوير نفسه على أنه يواجه مجموعات تكفيرية وبأنه لم يكن هناك أي ثورة في سوريا».

وأردف: «وعليه، فإن التحالف الدولي الذي يضم دولاً عربية وإسلامية يمكن أن يقدم دعماً جوياً يمكّن مقاتلي المعارضة في سوريا من دحر داعش، ويمكّن قوات البيشمركة والجيش العراقي بقيادة حكومة وطنية من استعادة السيطرة على الأراضي التي احتلها.

لا يوجد حل عسكري فقط، بل سياسي- عسكري يؤمّن إنهاء حالة التنظيم ومسبباته من وجود أنظمة مذهبية مثل ما كان الحال في حكومة المالكي والنظام السوري».

وبشأن الطريقة التي تستطيع عبرها دول الخليج أن تضع استراتيجية لمحاربة إمكانية تغلغل «داعش» فيها، يوضح قهوجي أن «خطره هو بالأساس قدرته على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام للتأثير على أفكار الشباب وتجنيدهم لخدمة أهدافه.

وبالتالي، على دول الخليج أن تتبنى استراتيجية اعلامية مضادة تقوم على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لأفكار بنّاءة عن الإسلام الحقيقي. وطبعاً، يجب زيادة القدرات الاستخباراتية والتنسيق الأمني في مراقبة التحركات المالية المشبوهة لصالح التنظيمات الإرهابية ومراقبة تحركات شخصيات يشتبه بقيامها بعمليات تجنيد لصالح داعش وايجاد خلايا نائمة لها في دول خليجية».

محللون أميركيون

ووراء المحيط الأطلسي، استطلعت «البيان» آراء خبراء وأكاديميين أميركيين في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، والذي يوصف بأنه «خزان فكري» في العاصمة الأميركية.

ويقول مايكل نايتس الزميل في برنامج الزمالة «ليفر إنترناشيونال» في معهد واشنطن والمتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية في العراق وإيران وبلدان الخليج لـ«البيان» إنه «من وجهة نظر سياسية، زُرعت بذور التنظيم من خلال سياسات رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الذي همش السنّة ووفر بيئة خصبة تمكن خلالها التنظيم من تجنيد المقاتلين والمتعاطفين».

ويضيف أن «هجمات داعش على مدى أكثر من عامين أدت إلى هجمات انتقامية ضد السنّة. والتوترات المذهبية في المنطقة، وخاصة تلك الناشئة من الأزمة في سوريا، والسياسات الداخلية العراقية، وفرت أسباباً غير مباشرة قوّت الميليشيات المحلية التي يعمل الكثير منها وكلاء نفوذ لإيران».

وتابع: «وفي بغداد، بؤرة التوتر الطائفي، نسّقت الأجهزة الأمنية مع مرتكبي الأعمال الانتقامية، التي لم يسلط عليها الضوء، من المجموعات المدعومة من إيران مثل أعصاب الحق وأتباع مقتدى الصدر». ويفيد نايتس: «ينظر العديد من السنّة في بغداد إلى الأجهزة الأمنية على أنها ميليشيات شيعية تحصرهم في غيتوهات يتعرضون فيها إلى قمعٍ أمني وعزلة اقتصادية».

ويوضح أن «داعش سوّق رواية أن حكومة بأغلبية شيعية مدعومة من إيران تعاقب العرب السنّة، وبأن القوة الوحيدة القادرة على مواجهة الحكومة والثأر لهم هي التنظيم نفسه»، مستطرداً: «كما استخدم الصراع السوري لبناء قوته وتأكيد استقلاله عن قيادات القاعدة في باكستان والتي تنصلت منه في فبراير الماضي».

وينوه نايتس إلى أن «داعش استعمل قاعدته الآمنة في الرقة للإعداد لعملياته في الموصل في محاولة لضعضعة سيطرة الحكومة في المناطق الشمالية وترك التنظيم ليظهر على أنه الرجل الوحيد الواقف على قدميه».

وأشار إلى أنه «استخدم مقاتلين متمرسين من سوريا والعراق للتقدم إلى المنطقة الصحراوية بين نهري الفرات ودجلة»، مردفاً أن «قبضة الحكومة العراقية الضعيفة في المنطقة منحت الحركة القدرة على الدفع بمئات المقاتلين السوريين والعراقيين في معركة الموصل».

واختتم منوهاً أنه «على الرغم من ذلك، لم تعتمد الحركة على الأعداد الكبيرة. فقوتها تراوحت بين 400 إلى 800. وسمح عنصرا المفاجأة والعدوانية بضرب معنويات القوات العراقية في الموصل، والتي تُعد ثلاثة أضعاف، في ثلاثة أيام».

موارد التنظيم

من جهته، يؤكد مدير برنامج «ستاين» لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ماثيو ليفيت لـ«البيان» ان «داعش أصبح واحداً من أكبر المجموعات الإرهابية الأفضل تمويلاً، في وقتٍ حصل على 425 مليون دولار من مصرف الموصل المركزي».

وأضاف أنه «مكتف ذاتياً من الناحية المالية منذ ثمانية أعوام على الأقل من خلال مشاريع إجرامية ناجحة بشكلٍ كبير»، لافتاً إلى أن «بحلول 2006، جلب 70 مليون دولار من خلال النشاطات الإجرامية».

وأردف: «طبقاً لتقييم حكومي أميركي في نوفمبر 2006، نجحت القاعدة في العراق ومجموعات أخرى في خلق تمرد مكتف ذاتياً، حيث رفع مصادر تمويله إلى 200 مليون دولار في خلال عام من النشاطات غير القانونية مثل تهريب النفط والخطف مقابل الفدية، فضلاً عن استغلال الفساد السياسي كواحد من أكثر الأمثلة ربحيةً».

واستطرد: «واليوم، فإن داعش لربما أغنى بكثير من بعض الدول الصغيرة. فتقديرات ميزانيته تتراوح بين 100 إلى 200 مليون دولار وتصل حتى إلى ملياري دولار».

استراتيجية وتحد

بدوره، قال آخر المستطلعة آراؤهم سايمون هندرسون زميل «بيكر» في معهد واشنطن ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة لـ«البيان» إن «استراتيجية الدول العربية والخليجية لحماية نفسها من خطر التنظيم تطبق حالياً وتكمن في نزع الشرعية عنه عبر لفت الانتباه إلى أن نسخته من الإسلام غير صحيحة والتحرك الأمني ضد الداعمين والنشطاء».

واختتم: «التحدي بالنسبة إلى دول الخليج هو: ما العمل مع داعش في سوريا والعراق، حيث يقاتل نظام الأسد ويضغط على الحكومة في العراق؟»، موضحاً أن دول الخليج «تأمل بأن لا يقترب خطر التنظيم من حدودها».

روس: على واشنطن دحض الاتهامات بأنها غير مهتمة بالسنّة

 

 

يؤكد المستشار في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومستشار الرئيس باراك أوباما السابق لشؤون الشرق الأوسط السفير دينيس روس لـ«البيان» انه «في حال كان داعش سرطاناً، كما وصفه الرئيس أوباما بالشكل الصحيح، فإن احتواءه لا يمكن أن يكون هدفاً بل يتوجب إجباره على تغيير سياساته».

وأردف: «وحدها استراتيجية شاملة يمكن لها أن تهزم داعش، بما في ذلك دفعه نحو التراجع في سوريا، وتوفير وسائل دعم وحماية العشائر السنية التي ستحارب المجموعة وحشد دول المنطقة السنية للعب دور يتجاوز الدعم المالي».

وتابع المبعوث الأميركي السابق للسلام في الشرق الأوسط: «في حقيقة الأمر، وجود دولة عربية سنّية في القيادة سيزيد من شرعية الحملة ضد داعش. وعلى العرب تقديم الدعم العسكري بما يشمل القوات والأسلحة والتدريب، والإعانات المالية إلى العشائر، والمعلومات الاستخباراتية، فضلاً عن الجهود الدبلوماسية والدينية لإضعاف الثقة بداعش».

 واختتم روس قائلاً: «لا يمكن للولايات المتحدة النجاح ضد التنظيم في العراق من دون حرمانه من الملاذ الآمن في سوريا، حيث يخطط ويجنّد ويعيد تسليح نفسه للعودة إلى المعارك»، مضيفاً أن «على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لتوجيه ضربات جوية على مواقع التنظيم في سوريا وتوفير مساعدات قتالية معتبرة ودعم لوجستي إلى الذين يقاتلون التنظيم ونظام الأسد كذلك، وأن تعمل على دحض الاتهامات التي تقول إنها غير مهتمة بالسنّة».

Email