تقارير البيان

التحقيق الدولي بين فشل السوابق ومتغيرات الراهن

أطفال يلهون في باحة مدرسة تحولت إلى مركز إيواء للنازحين في غزة أ.ف.ب

ت + ت - الحجم الطبيعي

قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تشكيل لجنة تحقيق أممية بشأن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في عدوانها العسكري الأخير على غزة يثير الذعر في الأروقة الإسرائيلية ومؤسساتها الأمنية والعسكرية، لا سيما وأن التوقعات تشير إلى أن التقرير سيخلص إلى نتائج خطيرة ضدها في أعقاب المجازر التي ارتكبتها في القطاع المحاصر.

وعلى الرغم من أن السقف المرتفع للتوقعات الفلسطينية من هذا التقرير في تعرية إسرائيل وفضح جرائمها ومحاسبتها، إلا أن مصير عمل لجان مماثلة في حروب سابقة وأشهرها تقرير غولدستون الذي تم تعطيله تخيّب آمال شريحة كبيرة من الجمهور الفلسطيني الذي لا يقلل، على الرغم من هذه السوابق، من أهمية تشكيل هذه اللجنة، بقدر خوفه على ضياع ما سيخلص إليه تقريرها من نتائج ونجاة إسرائيل من العقاب مرة أخرى.

وحول مصير عمل لجنة التحقيق التي رحبت بها الفصائل الفلسطينية كل على عكس إسرائيل التي شكّكت في نزاهتها وأعلنت مقاطعتها، يتوقع المراقبون والحقوقيون سيناريوهين اثنين لمصيرها، أحدهما يعقد الأمل بالنجاح على الفارق ما بين هذه اللجنة وسابقاتها، وثانيهما يقف في دائرة اليأس وله في إثبات ذلك تجارب سابقة مضت من دون حساب ولا عقاب.

فيتو أميركي

وفي السياق ذاته، يشير أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية حنا عيسى إلى أهمية تشكيل هذه اللجنة على الرغم مما يعترض طريقها من معيقات تحدد مصيرها. وشدد على أن إسرائيل «تضرب بعرض الحائط جميع القرارات واللجان التي تشكلها الأمم المتحدة»، لافتاً إلى ما حدث سابقاً في جنين على سبيل المثال وقبله تقرير غولدستون.

وأضاف عيسى: «إسرائيل لن تسمح للجنة بالقدوم إلى الأراضي الفلسطينية وسيدخل أعضاء اللجنة فقط من خلال معبر رفح أو الحصول على معلومات من خلال المكالمات الهاتفية أو من الأشخاص الذين يتنقلون من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس إلى أماكن أخرى مثل الأردن أو مصر».

وأوضح أن «القانون الدولي يتعامل بوضوح مع هذه الحالات لكن للأسف الشديد الموضوع سياسي ويتعلق بالدول وليس بقواعد القانون الدولي».

وفي تفسير ذلك، يشير عيسى إلى إن «اللجنة ستباشر عملها قريباً، والتقرير سيقدم في مارس من العام المقبل إلى مجلس حقوق الإنسان لمناقشته ومن ثم إقراره، وفي حال تم ذلك سيتم تحويله إلى الأمين العام للأمم المتحدة الذي بدوره سيحوله إلى مجلس الأمن، وبكل تأكيد وكما سبقه من تقارير لن توافق الولايات المتحدة عليه وستستخدم حق الفيتو ضد أي قرار يتخذ ضد إسرائيل».

مواجهة اللجنة

ويشير المراقبون أيضاً إلى أن إسرائيل شكلت طاقماً لمواجهة عمل لجنة التحقيق الأممية، وسيركز هذا الطاقم على مواجهة قانونية وحملة سياسية وإعلامية دولية ستبدأها إسرائيل فور انتهاء عدوانها على غزة،

مشيرين إلى أن تل أبيب ستكرر مزاعمها بأن المقاومة الفلسطينية في القطاع عملت من داخل مناطق مأهولة وأنها استخدمت المدنيين كدروع بشرية، وأن هذا هو «سبب» سقوط عدد كبير جداً من الضحايا المدنيين في غزة.

ويضاف إلى ما سبق من العوامل المحبطة، اختلال موازين القوى الدولية ورجاحة كفة إسرائيل في معادلة دولية قائمة على المصالح وليس الحقائق، فضلاً عن التجارب السابقة التي أفلتت فيها إسرائيل من العقاب بمكرها وخداعها ونفوذها.

الدبلوماسية الفلسطينية

وعلى النقيض، يؤكد المحللون تحسن المزاج الدولي لصالح فلسطين منذ الفترة ما بين تقرير غولدستون وتشكيل هذه اللجنة، نظراً لما بذلته الدبلوماسية الفلسطينية من جهد خلال هذه الفترة، مشددين على أن ثمار هذا التحسن ربما يتم قطفها الآن بعد اعلان نتيجة التقرير.

ويلفت المحللون الأنظار إلى أن دخول وسائل الإعلام الدولية بعد إعلان انتهاء العدوان والاطلاع على حجم الضحايا الفلسطينيين والدمار الهائل الذي خلفه العدوان، سيزيد من الانتقادات في العالم حيال حجم القوة العسكرية التي استخدمها جيش إسرائيل، الأمر الذي سيوفر حاضنة شعبية دولية لنتائج تقرير اللجنة، ما سيؤدي إلى حدوث انجراف غير مسبوق في الرأي العام العالمي ضد إسرائيل، سيكون له تأثيره على قيادات سياسية وخصوصاً في أوروبا الغربية.

فرق قانوني

ويشير الحقوقيون إلى فرق ينطوي من الناحية القانونية على أهمية كبيرة بين تقرير «لجنة غولدستون» الذي صدر عن لجنة مشابهة في أعقاب العدوان على غزة في نهاية 2008، الذي سمي لجنة تقصي حقائق، وبين اللجنة الحالية التي سميت «لجنة تحقيق».

وعلى هذا الصعيد، أوضح الناطق باسم فتح أسامة القواسمي أن لجنة التحقيق وفق التسمية الجديدة تعني أن الأمم المتحدة متأكدة من وجود جرائم واللجنة شكلت لإثبات وقوعها، وبالتالي بإمكان هذه اللجنة التوجه حاملة استنتاجاتها إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومحاكمة قادة إسرائيل بعد اتهامهم بارتكاب جرائم حرب، في حال توصلت لاستنتاج كهذا.

Email