حادثة سوق الحريقة وتظاهرة الحميدية وهبة درعا شرارة الأحداث

الثورة السورية.. قصة عامين

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن يتوقع السوريون، حين خرجوا في تظاهرات دمشق ودرعا ودوما وبانياس، أن تتواصل ثورتهم مدة عامين، وأن تتحول بعد عام من سلميتها إلى حرب ضروس لا تستثني طفلا ولا امرأة ولا شيخاً، فجميع السوريين وقود في هذه المعركة المدمرة التي أتت على جميع مقدرات البلاد.

كان بعض سوريي الخارج دعوا إلى يوم غضب في الواحد والثلاثين من يناير في العام 2011 بعد أن رأوا ما حدث في تونس ومصر، فلم يلب أحد النداء، ولكن حادثة في سوق الحريقة في القلب التجاري للعاصمة في الثاني والعشرين من فبراير، أي بعد أيام من تلك الدعوة الفاشلة، نبه إلى حالة الغضب الكامنة في النفوس، إذ تجمع آلاف الأشخاص وهم يهتفون بصوت واحد «الشعب السوري مابينذل» بعد أن قام عنصر شرطة بالاعتداء على مواطن في السوق. يومها نزل وزير الداخلية سعيد سمور إلى موقع الحادث وهدأ الناس وأصدر أوامره الصارمة لعناصر الشرطة بعدم التعرض للمواطنين تحت أي ظرف كان.

مضت الحادثة بسلام، ولكن، وفي الخامس عشر من آذار خرج مجموعة من الناشطين السياسيين والحقوقيين للاعتصام أمام مبنى وزارة الداخلية للمطالبة لإطلاق سراح معتقلين، ولكن توتر عناصر الأمن واقتيادهم المعتصمين إلى الاعتقال بطريقة مهينة وصلت إلى سحب الفتيات إلى سيارات الأمن من شعورهن، خلق حالة من التذمر، فخرجت في اليوم التالي تظاهرة في قلب سوق الحميدية التجاري، صحيح أنها كانت صغيرة نسبياً ولكنها أطلقت شرارة الثورة.

جمعة الكرامة

بعد يومين خرج أهالي درعا ودمشق في «جمعة الكرامة» للتضامن مع المعتقلين والمطالبة بإطلاق سراح عدد من أطفال المدرسة الذين كتبوا شعارات تسخر من رأس السلطة على جدران مدرستهم، فتصدت لها قوات الشرطة والأمن بالرصاص فقتل عدد من الشباب المتظاهرين، كان مشهد سيارة الإطفاء الحمراء وهي ترش الماء على الفتية المتظاهرين في أسفل وادي الزيدي الذي يفصل درعا البلد عن درعا المحطة، المشهد الذي اعتمدته محطات التلفزة لتأكيد اندلاع الثورة السورية.

في اليوم الثاني خرج المشيعون لدفن قتلى الجمعة فتصدت لهم قوات الأمن بالرصاص فقتل عدد آخر، فخرجوا في اليوم الذي يليه للتشييع فقتل عدد أكبر، وهكذا اندلعت الثورة السورية، وتوسعت إلى مدينة اللاذقية وبانياس على الساحل، ومدينة دوما في ريف دمشق في أول جمعة أطلق عليها اسم «جمعة العزة».

جمعة العزة

كانت «جمعة العزة» علامة فارقة في مسار الشعب السوري، فللمرة الأولى تتوحد الشعارات بين أكثر من مدينة، وللمرة الأولى تحرق صور للرئيس ويسقط تمثال لوالده.

تحول المسجد العمري في درعا البلد إلى مستشفى ميداني، وساحته الخارجية إلى مقر للمهرجانات الوطنية التي كانت تقام كل مساء كل يوم، يعلن الخطباء فيها أن الثورة السورية مستمرة حتى الحصول على الحرية.

بعد «جمعة العزة» خرج المشيعون بعشرات الالاف لتشييع قتلى اليوم السابق فأطلقت القوات الأمنية عليهم النيران فسقط عدد أكبر، وتحولت مشاهد الدماء والقتلى على الطرق إلى مادة لشحن السوريين ودفعهم للثورة، فكانت المظاهرات في الجمعة التالية «جمعة الشهداء» في الأول من ابريل هي الأكبر والأوسع، شملت مدناً ومحافظات جديدة، بعد انضمام حمص وادلب ودير الزور والحسكة والقامشلي وحماة.

نظرية المؤامرة

بعد تلك الجمعة بدأت منشورات منسوبة لموقع إسرائيلي مزعوم، تتحدث عن مؤامرة باسم «مؤامرة بندر فيلدمان»، تتحدث بالوقائع والأسماء والتواريخ عن عمليات نقل أموال ومسلحين وعصابات إرهابية للنيل من صمود وممانعة سوريا، ويومها سخر السوريون من هذا الموقع الاسرائيلي، الذي يدافع عن المقاومة والممانعة، ولم يصدق أحد الرواية إلا الذين روجوا لها.
 

ومع إصرار النظام على نظرية المؤامرة ووصم المتظاهرين بالإرهابيين وبالمندسين، كانت الثورة السورية تتعمق وتتجذر، وسط صمت دولي وإمعان من النظام في القتل والاعتقال والتعذيب، ما دفع بعض الجنود والضباط الصغار، في بداية الأمر إلى الانشقاق، واللجوء إلى تركيا، ثم مالبثت الأعداد أن تزايدت وضمت رتباً عالية وبدأت تشكيلات الجيش السوري الحر بالظهور شيئاً فشيئاً مع نهاية العام 2011، إلى أن وصلت إلى سيطرة المجموعات المقاتلة على معظم الأراضي السورية وانحصار النظام في بعض مراكز المدن.. كانت المظاهرات السلمية في هذه الأثناء قد تحولت إلى ذكرى من الماضي.

علامات

 

شكل مشهد الدعس على أهالي قرية البيضا قضاء بانياس علامة فارقة في مسار الثورة السوري، تماماً كما كان الكشف على جثة الطفل حمزة الخطيب صدمة كبرى للسوريين والعرب.. يضاف إلى ذلك مشاهد اقتحام المسجد العمري والاعتداء على الناشطة مروة الغميان في سوق الحميدية بالضرب، ومشهد عجوز دوما الذي خرج يحث الناس على الثورة بقصيدة عصماء، وظهور الشيخ أحمد الصياصنة شيخ الجامع على شاشة التلفزيون السوري.. كل هذه المشاهد تشكل علامات في مسار الثورة السلمية قبل أن تتحول إلى حرب مسلحة.

Email