«النهضة» تتراجع عن رفضها مصدرا للتشريع في الدستور

ت + ت - الحجم الطبيعي

يسجّل المراقبون للشأن التونسي بكل اهتمام تراجعات متتالية في الخيارات السياسية لحركة النهضة، كان آخرها إعلانها التراجع عن قرار الاحتفاظ بالوزارات السيادية، وخاصة وزارة الداخلية التي تعتبر مفتاح السيطرة على البلاد سياسيا وأمنيا واجتماعيا.

ورغم أن البعض شكّك في إمكانية تحييد الداخلية فعلياً بعد التعيينات التي فرضتها الحركة والتغييرات الفعلية في هيكلة الوزارة على يد وزير الداخلية ورئيس الحكومة المكلف علي العريض، فإن البعض يضع هذا الموقف في إطار سياق عام لم يعد خافيا عن أي مراقب، حيث سبق لـ«النهضة» أن تراجعت عن دعوتها لإعلان الشريعة الإسلامية مرجعا أساسيا للدستور، وهو ما لامها عليه السلفيون وبعض المتشددين من قياديي الحركة.

كما أعلنت «النهضة» تراجعها عن تكريس النظام البرلماني، لتوافق أواخر فبراير الماضي على اعتماد النظام الرئاسي المعدّل الذي يدعو إليه شركاؤها في الحكم وتنادي به أحزاب المعارضة. وسبق لها التراجع عن اعتماد مفهوم التكامل لا المساواة بين المرأة والرجل في الدستور التونسي الجديد.

تراجعات دستورية

وفي إشارة لافتة أخرى، تراجعت الحركة عن رفضها الإشارة الى اعتماد المنظومة العالمية لحقوق الإنسان مصدرا من مصادر التشريع في توطئة الدستور الجديد، حيث بدأت أطراف من داخل النهضة تدعو إلى ضرورة التراجع عن قانون العزل السياسي بصيغته المقترحة على المجلس الوطني التأسيسي.

كما دعا قياديون في الحركة إلى التراجع عن قرار الامتناع عن التحاور مع حركة «نداء تونس».

 وظهر من بين قياديي الحركة من ينتقد مشروع قانون العزل السياسي المعروض على المجلس الوطني التأسيسي، ومن بينهم وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو، ومن يدعو الى تحجيم آثار القانون على الحياة السياسية، حيث قال رئيس المكتب السياسي للحركة عامر العريض إن الصيغة الجديدة لن تعزل أكثر من اثنين في المئة من اتباع النظام السابق.

صلابة المجتمع

ويعتقد المراقبون للشأن التونسي أن هذه التراجعات جاءت «نتيجة الصلابة الواضحة التي أبداها المجتمع الأهلي وأحزاب المعارضة والشارع التونسي في مواجهة محاولات أخونة الدولة ونهوضة هياكلها ومؤسساتها والتعدّي على المكاسب الاجتماعية والحضارية التي حققتها الدولة الوطنية الحديثة، وخاصة فيما يتعلق بالانفتاح على العالم وحقوق المرأة والأسرة واحترام المنظومة الدولية لحقوق الإنسان والمواطنة والحريات العامة».

وجاءت تراجعات الحركة كذلك بعد التأكّد من فشل المشروع الإخواني في المنطقة ممّا يحول دون تعويم الهوية الوطنية في المشروع الإقليمي والدولي، ونتيجة ضغوط دولية لم تعد خافية على أحد. فالغرب الذي ساعد الإسلاميين على الوصول الى السلطة لا يريد أن يظهر للشعوب على أنه يدعم انقلابهم على المكاسب التقدمية والحضارية التي تحققت خلال العقود الماضية.

 

تيار منفتح

حال وجود جناح تقدمي منفتح في حركة «النهضة» يمثّله عدد من القياديين المرتبطين بالخصوصية الوطنية، دون تنفيذ مشروع الجناح المتشدد في دخول مواجهة مفتوحة مع القوى الليبيرالية والعلمانية والحداثية في البلاد ومع المتمسكين بالإرث الذي تركه الزعيم التاريخي للبلاد الحبيب بورقيبة، الذي كان أول من أرسى مدنية الدولة وعمل على تحديث المجتمع مما جعل مناوئيه من الإسلاميين يشبهونه بالزعيم التركي كمال أتاتورك. البيان

Email