تعاقب الأزمات وتراكمها أصبح نهجاً في السياسة

العــــــــــراق إلــــــــــى الاختــــــــــلال بعــــــــــد الاحتــــــــــلال

ت + ت - الحجم الطبيعي

دأبت السياسة العراقية على الخروج من أزمة، بأزمة أخرى، ربما تكون أكبر وأكثر تعقيداً من السابقة، فينشغل الساسة والناس بها، لتأتي أزمة أخرى مضافة، وهكذا، فيما تنعدم الحلول، وتتراكم الأزمات لتنغّص على العراقيين فرحتهم بالخلاص من الاحتلال.

وتبقى الأزمة الأولى المتعلقة باكتمال تشكيل الحكومة الناقصة قائمة، حيث شكل رئيس قائمة دولة القانون نوري المالكي حكومته الثانية من دون قناعة، ووفق توافقات سياسية، منح بموجبها رئاسة مجلس الوزراء على أن يتم تشريع قانون ونظام داخلي للمجلس لم ينجز لحد الآن.

الآن، برزت فجأة أزمة نائب الرئيس طارق الهاشمي، فيما كانت التحقيقات جارية في موضوع اختراق المنطقة الخضراء ومحاولة تفجير موكب رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي التي جرى تحويلها منذ يومها الأول إلى استهداف رئيس الوزراء نوري المالكي رغم انه لم يكن موجوداً ولم يكن من المقرر حضوره للبرلمان.

 

مخطط انقلابي!

وجاء الحديث عن استهداف المالكي والمنطقة الخضراء على خلفية أزمة تشكيل الأقاليم، وذهبت التسريبات إلى القول بوجود «مؤامرة» من قبل مجموعات مسلحة جرى تدريبها في إحدى دول الجوار، كشفت عنها التحقيقات ونُشرت عنها قصص في وسائل الإعلام.

ويروي النائب عن التحالف الوطني الحاكم محمد الهنداوي تفاصيل هذا المخطط بالقول: «علمنا من مصادر أمنية ورسمية موثوقة، أن هناك مجموعات مسلحة تدربت في إحدى دول الجوار، مرتبطة بطرف من أطراف القائمة العراقية، للقيام بعملية انقلابية، وإن إحدى هذه المجموعات، تضم 40 شخصاً، مهمتها اقتحام مكتب رئيس الوزراء لقتله، فيما تتولى المجموعة الثانية السيطرة على مجلس النواب لقتل من تريد قتله من أعضاء المجلس، وتتولى المجموعة الأخرى السيطرة على المنطقة الخضراء بشكل كامل».

 

تصريحات تسبق الحدث

ويقول الهنداوي إن «المخطط اكتشف من خلال مداهمة مكتب أحد الشخصيات السياسية المهمة، التي تشغل موقعاً كبيراً في الدولة، وهو محاولة انقلاب تشترك فيها أطراف سياسية لأجل المجيء بوجوه لها ارتباط وعلاقة بالنظام البعثي الصدامي».

الهنداوي استبق الأحداث وافترض حدوث مداهمة، لم تتم إلا بعد ثلاثة أيام لمكتب ومنزل طارق الهاشمي.. لكن أحداً لم يذكر كيف تمت مداهمة مكتب مسؤول رفيع المستوى يتمتع بالحصانة؟ وكيف يحتفظ هذا المسؤول بوثائق المؤامرة في مكتبه؟ لكنه غيّر سير الأحداث من محاولة تفجير مجلس النواب إلى مؤامرة، فيما ظلت قضية التفجير مبهمة.

والسؤال الذي لم يجد إجابة بعد: كيف تستطيع سيارة مفخخة اجتياز كل الحواجز في بغداد والوصول إلى محيط البرلمان في محاولة لقتل رئيسه؟

 

تكتم على الفضيحة

فضيحة محاولة تفجير البرلمان تكشف عن خرق أمني كبير، وتــورط شخصيات مهمة فيها جرى التكتم عليها، بالحديث عن «مؤامرة». ولعدم وجود أي دليل على تلك «المؤامرة» كان لابد من إشغال الــرأي العـــام بقضية أخرى مثيرة للاستغراب، وهي الكشف عن تورط نائب رئيس الجمهورية بـ «عمليات إرهابية»، تم الكشف عنها وإصدار أمر إلقاء القبض عليه خلال 48 ساعة فقط، بينما هناك قضايا كبيرة وواضحة، لم تكشف اللجان التحقيقية الكثيرة أي شيء عنها.

 

اختزال الوقت

وكان الهاشمي تعرض إلى مضايقات كثيرة في الأسابيع الماضية، حاله حال العديد من قادة القائمة العراقية، كانت آخرها عرقلة سفره، في مطار بغداد إلى السليمانية للاجتماع مع الرئيس جلال طالباني.. ثم اعتقال أفراد حمايته وبث تسجيل مصوّر يعترفون فيه على أنفسهم وعلى الهاشمي، الذي يرى أن تلك الإفادات كانت معدة مسبقاً.

وجاء تزامن الحدث مع إقالة المالكي لنائب رئيس الوزراء صالح المطلك ليؤكد وجود استهداف لقيادة العراقية، ولثير علامات استفهام حول علاقة هذه التطورات مع مساعي درء اتهام مكتب المالكي بتفجير مجلس النواب.. خاصة وأن المطلك اعتبر في تصريحات أخيرة أن صدام حسين كان ديكتاتوراً يبني وعمّر العراق وان المالكي ديكتاتور أيضاً لكنه لا يبني، وفق التصريحات التي بثّتها شبكات إخبارية أميركية.

وفيما يغرق العراق في الجدال السياسي حيال على من تقع مسؤولية التوتير وتفجير الموقف السياسي وتسعير أتون النفس الطائفي قبيل ساعات من رحيل القوات الأميركية عن الأراضي العراقية.. بات القلق من انزلاق البلاد إلى مجاهل الحرب الطائفية من جديد.

 

مخاوف

وفي السياق، يرى الأستاذ في العلوم السياسية محمد شريف إن «الأوضاع السياسية في العراق لم تشهد أزمة مماثلة كالتي تشهدها الآن منذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003». لافتاً إلى أن الأزمة السياسية الراهنة تزيد الترجيحات باندلاع حرب أهلية وسقوط الحكومة الحالية، وباتت تهدد بزعزعة النظام الاجتماعي بأكمله». ويضيف أن الأزمة الراهنة لا تنحصر بين حزبين «بل بين أكبر طائفتين لدى المكون العربي في العراق، رغم أنها لا تحمل ذلك العنوان بشكل واضح، إلا أن الأحداث تؤكد تلك القراءات».

ويتابع أن «الخيار الوحيد أمام الأطراف المختلفة هو تلبية دعوات رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني لعقد مؤتمر وطني موسع بمشاركة جميع الأطراف لحل الأزمة».

أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين أمين فرج، فيعتبر إن الأزمة الراهنة «امتداد للأزمات المتراكمة في البلاد قبل سقوط النظام السابق وبعده»، منوهاً إلى أن تبادل الأطراف العراقية الاتهامات على مستويات مختلفة «يدل على توجه البلاد نحو مصير مجهول».

ويوضح فرج أنه «في حال لم يتم حل الأزمة الراهنة فإن الترجيحات قوية باندلاع الحرب الأهلية»، مضيفاً أن الأوضاع في العراق خلال عامي 2004 و2005 كانت «مماثلة لما هي عليه اليوم، وقد وضعت البلد على شفا حرب أهلية» رغم وجود الأميركان.

 

رهان على طالباني

وفي ظل هذه الحالة من التشنّج ذي الطابع الطائفي المذهبي يبدو رهان العراقيين على حكمة الرئيس جلال طالباني إلى حضّ الأطراف المتصارعة على تهدئة الأوضاع و«إنقاذ» البلاد من الأزمات.

ويبدو أن طالباني، الذي اعتبر مذكرة التوقيف بحق نائبه طارق الهاشمي مساساً بهيبة الرئاسة، في وضـــع حرج في ضوء تجاهل الطرف المسيطر على السلطة التنفيذية دعواته حتى الآن. لكن العراقيين يضعون الآمال على جهود طالباني من أجل تهدئة الأوضاع وإنقاذ العراق من الأزمات والمآسي.

Email