قلق من حرب صاروخية

قلق من حرب صاروخية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تبدو إسرائيل غاية في التوتر في هذه المرحلة، وفي علاقاتها مع مختلف الأطراف الدوليين والإقليميين، هكذا يبدو الأمر، ليس مع إيران وسوريا وحزب الله وحركة حماس، وإنما هو كذلك إزاء الدول الأوروبية والولايات المتحدة أيضا. وتفسير ذلك أن إسرائيل تجد نفسها اليوم في مواجهة خطر وجودي، مع تغير البيئة الإستراتيجية الدولية والإقليمية، ما يجعلها أكثر حساسية إزاء أية تغيرات أمنية، وإزاء أي تحول في موازين القوى في محيطها.

في هذا الإطار بالضبط يمكن فهم العصبية الإسرائيلية إزاء سوريا، والتحريض عليها، باتهامها بتزويد حزب الله بصواريخ من طراز سكود (وهو ما نفته سوريا)، معتبرة ذلك خطاً احمر لا يمكن لإسرائيل السماح به. وقد وصل الأمر بالمحلل الإسرائيلي رونين بيرغمن حد التحذير من إمكان اندلاع الحرب على هذه الجبهة بالذات (السورية ـ الإسرائيلية)، باعتباره الأكثر ترجيحا بين خيارات أخرى، من مثل توجيه ضربة لمواقع المنشآت النووية الإيرانية، أو لحزب الله في لبنان.

وفي مقاله أشار بيرغمن إلى أن من أسباب اندلاع هكذا حرب قيام سوريا «بتزويد حزب الله بسلاح خارق للتوازن يشكل تهديدا لإسرائيل.. فتنطلق إلى عملية وقائية». («يديعوت أحرونوت»، 48) الملاحظ أن الصحافة الإسرائيلية نشرت، مؤخرا، عديدا من التقارير التي تحدثت عن نقل صواريخ متنوعة، وخصوصا صواريخ سكود لصالح حزب الله في لبنان، عبر سوريا، وعن خطر الحرب الصاروخية على إسرائيل.

وبحسب هذه التقارير فإن حزب الله بات يمتلك في ترسانته العسكرية ما مجموعه 40 ألف صاروخ من مختلف الأنواع، والمديات، كما تحدثت عديد من التقارير عن الترسانة الصاروخية السورية، وكذا الإيرانية، هذا فضلا عن الصواريخ التي باتت تمتلكها حماس في قطاع غزة. ومشكلة إسرائيل أنها جد حساسة إزاء جبهتها الداخلية، حيث أن دخول هكذا أسلحة صاروخية في الحسابات الحربية، يعني نقل المعركة إلى داخل إسرائيل، ووضع مدنها تحت النيران، ما يغيّر من مفهوم إسرائيل للحرب.

معلوم أن الإستراتيجية العسكرية التي اعتمدتها إسرائيل في حروبها كانت ترتكز على التفوق العسكري، وشن حرب سريعة، خارج أراضيها، وحسمها بالضربة القاضية. أما مع التهديد بالصواريخ فقد غدت المسألة مختلفة، وباتت هذه الإستراتيجية غير فاعلة، إذ أضحت الجبهة الداخلية الإسرائيلية معرضة للخطر (كما حدث إبان حرب يوليو 2006 مع حزب الله)، ولم يعد بالإمكان حسم المعركة بسرعة وبالضربة القاضية، والاهم من كل ذلك أن مفهوم إسرائيل للردع لم يعد مجديا.

هكذا، وبنتيجة كل ذلك بات الإسرائيليون، بحسب حامي شيلو، يشعرون«بـ «مقدمة العاصفة»، ويعلمون أن هذه الصواريخ.. ستطلق بيقين من قواعدها حينما يحين الوقت، وهم يدركون.. بأن إسرائيل بعد هجوم كهذا.. ستكون دولة مختلفة تماما». («إسرائيل اليوم»، 416) ويؤكد اري شافيط على هذا التغير الاستراتيجي، وبرأيه فإن أية «حرب بين إسرائيل وإيران، سوريا وحزب الله لن تشبه أي حرب شهدناها في الماضي.

مئات الصواريخ ستسقط في تل أبيب. آلاف المواطنين سيقتلون. مئات الصواريخ ستضرب قواعد سلاح الجو وقيادات الجيش الإسرائيلي. مئات الجنود سيقتلون. الرد الإسرائيلي الساحق سيدمر.. ولكن النصر سيكون أليما وباهظ الثمن». («هآرتس»، 422)

ولعل هذا المتغير هو الذي يكبح جموح إسرائيل نحو شن حروب جديدة على غرار الحرب التي شنتها على لبنان (2006) وعلى غزة (أواخر العام 2008).

اضاءة

هل التزود بصواريخ سكود كان اختراقا؟ وهل هو «السلاح كاسر التوازن»؟ هذا ما حاول عاموس هارئيل (المحلل العسكري في«هآرتس») الإجابة عليه. وعنده فإن المسألة تتعلق بنوع صاروخ سكود.. فإذا كان من طراز سكود دي، فهو «يشكل تهديداً من نوع جديد. ليس فقط بسبب مداه (حوالى 700 كيلومتر) ووزن رأسه الحربي (1طن).. وإنما أيضاً بسبب الدقة».

جدير بالذكر أن صواريخ «سكود» من طراز «بي» قادرة على الوصول إلى مسافة 300 كيلومتر، أما طراز «سي» فيصل إلى مدى 500 كيلومتر. اما طراز «دي» فيصل إلى 700 كيلومتر وبرأي هارئيل فإن إسرائيل قادرة على مواجهة هذا التحدي، باعتبار أن صاروخ سكود «بسبب حجمه الهائل.. يترك خلفه «بصمة»..

ولهذا هناك احتمال كبير بأن سلاح الجو.. قادر على اكتشافه وضربه على الأرض. وفضلاً عن ذلك فإن منظومة صواريخ حيتس برهنت في التجارب على قدرتها على اعتراض صاروخ سكود في الجو». وعليه يعتقد هارئيل بأن الهدف من صواريخ سكود تغيير معادلات الصراع مع إسرائيل، من حرب سريعة إلى حرب استنزاف.

يقول هارئيل «إذا كان هدف العدو منذ العام 1948 وحتى العام 1973 هو تدمير إسرائيل، احتلال أراضيها وطرد مواطنيها، فإن هذا الهدف العربي استبدل.. بالسعي للسيطرة على مكتسبات أرضية محدودة بشكل يخلّ بالتوازن الإقليمي، دون الحاجة لاحتلال المنطقة كلها.. إنهم يبنون على الاستنزاف المتواصل...عبر نيران مكثفة على نقطة الضعف فيها، أي على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.. من إيران، مروراً بسوريا، حزب الله وحماس، غدت كل مناطق إسرائيل مهددة حالياً في كل الجبهات.. («هآرتس»، 164)

Email