تمبكتو عاصمة الطوارق جوهرة منسية

تمبكتو عاصمة الطوارق جوهرة منسية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

من المفارقات في زمن القرية الكونية أن تنقطع مدينة بحجم تمبكتو عن العالم، وهي التي كانت في غياب الطائرات وشبكات الألياف البصرية والطرقات السريعة تملأ الغرب الإفريقي حضارة وإشعاعا عربيا إسلاميا.

والغرابة تزداد حينما يجهل كثيرون هذا الإسم الذي كان يوما ما لا يقل شأنا عن أسماء أخرى مثل القاهرة والقيروان والكوفة وفاس، ولا غرابة في ذلك اليوم حينما يحتاج الوصول برا إلى تمبكتو الواقعة في شمال مالي نحو يومين بالسيارة شديدة العزم، فالطرقات تكاد تنعدم تماما وإذا ما توفرت فإن السائق سيكون مضطرا إلى تغيير عجلاتها بالكامل مرتين أو أكثر. هكذا هي حال تمبكتو اليوم التي تعاني عزلة عمقتها الجغرافيا القاسية في منطقة الغرب الإفريقي والنزاعات المسلحة التي تعصف بالمنطقة.

ومع ذلك فإن هذه المدينة التاريخية تجتهد في الصمود كقلعة تفخر بعروبة كانت يوما في أنحائها وبإسلام لا يزال القادر على ضمان استمرارية أهلها رغم الظروف القاسية التي يعيشونها. فبعد أن كانت مركزا تجاريا نشطا في غرب إفريقيا، ومعبرا مهما لا تخطئه قوافل تجار الذهب والملح والقماش والتوابل إضافة إلى مركزها العلمي والفقهي ودورها في نشر المذهب المالكي في عموم إفريقيا تقبع اليوم تمبكتو منزوية على منحنى نهر النيجر العظيم الذي يشكل رافد الحياة الوحيد للمدينة ومتكأها على البقاء تروي للزائرين لها بعد رحلة شاقة تاريخ عرب فاتحين وبربر مستقبلين للدين الجديد تجاهلوها، فتمبكتو التي كانت عامرة تعد من أشد المناطق فقرا في مالي الفقيرة أصلا.

ورغم كون تمبكتو من أشهر مدن مالي إلا أن زائرها يفاجأ ببساطتها التي تشبه قرية بدائية رغم امتدادها العمراني على مناطق شاسعة من الصحراء، فالطرقات المعبدة بالرمل الأحمر والبناء الطيني الذي يجعل شوارعها متشابهة إضافة إلى طيبة أهلها المبالغ بها أحيانا تجعل الزائر يطمئن إلى المدينة التي يقول أهلها إنها محمية بنحو ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وليا صالحا تنتشر قبورهم ومزاراتهم في جميع أرجائها.

ويسود الإعتقاد بأنها مدينة سحرية حيث يؤمن جانب كبير من التمبكتيين بالخرافات والخوارق التي تشكل معظم حديثهم حولها فهم يقولون إن المدينة لا يمكنها أن تستقبل النفوس الشريرة وينصحون من في نفسه ذرة حسد بأن لا يزور مدينتهم لأنه سيمرض. وفي المدينة تنتشر طرق الصوفية مثل القادرية والتيجانية والشاذلية ولها مشايخ ومريدون يقضون الليل في الزوايا التي تفتقر إلى التنوير شأن المدينة بأسرها في تلاوة الأوراد والذكر.

ورغم ضيق الحال لدى غالبية سكان المدينة الذين يشتغلون بالحرف اليدوية فإن النظافة هي السمة الغالبية على مظهرهم فيما يعد الكرم من شيم أهلها الممزوجين بخليط غريب من الأجناس، ففي المدينة يطالعك عرب يتحدثون باللهجة المغربية وموريتانيون باللهجة الحسانية وهي لهجة أهل شنقيط القريبة جدا من العربية وفيها أيضا زنوج وبربر إضافة إلى الطوارق بناة المدينة.

أما اللغة التي يتحدثها الجميع تقريبا إضافة إلى لهجاتهم المحلية المتعددة فهي الفرنسية التي تعد لغة التواصل بين الجميع، في تمبكتو أيضا يقدرون الغريب ويكرمونه كما يقدرون عاليا العلماء ورجال الدين ويضعونهم على رأس الهرم الإجتماعي وإذا صادفت أحد التمبكتيين الذين يتحدثون اللغة العربية بطلاقة موروثة فسيستقبلك بالترحاب وبسيل من عبارات اللوم لأشقائهم العرب الذين تناسوهم أو هكذا يعتقد أهل تمبكتو.

امرأة عجوز وراء تسمية المدينة السحرية

جاء تأسيس مدينة تمبكتو في القرن الخامس الهجري القرن الحادي عشر الميلادي على يد جماعة من الطوارق لكي تكون محطةً للمتنقِّلين في الصحراء؛ لتكون محطتهم في الخريف. وتختلف الروايات في تحديد نشأة المدينة فالبعض ومنهم سالم أحمد المؤرخ ونائب رئيس المدينة يقول إن تمبكتو أسَّسها ملكٌ يُدعى منا سليمان في العام 610هجرية الموافق عام 1213ميلادية، بينما يقول البعض الآخر إنها من تأسيس البربر القادمين من الصحراء في العام 580هجرية الموافق عام 1087ميلادية.

ورغم الاختلاف في التواريخ إلا أنها تلتقي في نفس القرن تقريبا وهو القرن الحادي عشر الميلادي، الاختلاف ايضا حول التسمية التي يقول عنها النوري الأنصاري وهو باحث في مركز أحمد بابا التمبكتي بالمدينة هو أنها نسبة لاسم سيدة عجوز تسمَّى «بكتو» كان الطوارق يتركون لديها حاجاتهم ومعداتهم أثناء الانتقال في الصحراء إلى أروان أو أية منطقة أخرى.

وبالتالي حازت المدينة على اسم السيدة العجوز؛ لأنها كانت تقوم بنفس الوظيفة، فكان أن صار اسم المدينة «تين بكتو» أي «مكان بكتو»؛ لأن كلمة «تين» تعني «مكان» في اللغة المحلية التي كانت سائدةً هناك، وبالتالي تحوَّل الاسم من «تين بكتو» إلى «تمبكتو» بعد التقاء النون الساكنة بالباء فأدمجتا وصارتا «تمبكتو».

وحافظت المدينة على بساطتها منذ التأسيس الذي يقوم على الطين وأعواد الخيزران والقصب الذي ينتشر بكثافة على ضفاف نهر النيجر الذي يغمر أراضي شاسعة حول المدينة ليحولها إلى حقول خضراء وسرعان ما علا سيط المدينة للتحول إلى مقصد لقبائل الصحراء المنتشرين في ما كان يعرف بالسودان الغربي لمبادلة البضائع والأغنام والتزود بالحاجيات الضرورية وخاصة الملح الذي تشتهر به المدينة والذي يباع إلى اليوم على شكل الواح صخرية كبيرة يتم تجميعها وصفها باستخدام خيوط مصنوعة من جلود الماعز.

وإشتهرت المدينة على وجه الخصوص بتجارة المواشي حيث كانت تتوافد عليها آلاف القطعان من الأبقار والماعز والجمال تباع في أسواقها أو يتم تبادلها بعديد البضائع الأخرى مثل سن الفيل أو العاج وريش النعام وبخور السودان والصمغ والذهب والفضة وقد أسهمت هذه الحركية التجارية على مدى قرون في إشعاع المدينة وساهمت في توفير موارد الرزق لأهلها وأفرزت عائلات كثيرة ثرية من عائدات التجارة والصناعة.

وإذا جازت المقارنة بما تشهده الحركة التجارية اليوم فإن تمبكتو قبل نحو خمسة قرون كانت منطقة تجارية حرية تتحرك فيها الأموال والبضائع دون قيود أو شروط لتتحول إلى واحدة من أشهر المراكز التجارية في إفريقيا حيث كان اسمها بمثابة علامة تجارية يطمئن لها التجار القادمين من شمال إفريقيا وتحديدا من القيروان ومن الجزائر ومن المغرب ومن السودان ومن بلاد السنغال.

Email