«الطوارق» أو«التوارك» مجموعة من قبائل البدو الرحل تعيش في الصحراء موزعة بين ليبيا ومالي والجزائر والنيجر وشرق موريتانيا. ويختلف المؤرخون في أصل التسمية وفي نطقها، فهناك من يقول إن اسمهم «الطوارق» نسبة إلى القائد الإسلامي البربري طارق بن زياد.

فيما يقول مؤرخون آخرون إن الاسم الحقيقي هو «التوارك» نسبة إلى بلدة تاركة في ليبيا التي يعيش فيها الآلاف من هذه المجموعة. وهناك رأي آخر لبعض المؤرخين يرى أن أصل التسمية هو تحريف للكلمة البربرية «تماشق» والتي تعني «الرجال الأحرار»، فيما يسميهم بعض المستكشفين الأوروبيين «الرجال الزرق» نسبة إلى ألوان ملابسهم الزرقاء في أغلب الأحيان .

وكما اختلف المؤرخون حول الاسم، فقد اختلفوا أيضا حول أصول هذه المجموعة، إذ يعتقد البعض أن أصولها تعود إلى «الحميريين» في اليمن، شأنها في ذلك شأن قبائل بني حسان في موريتانيا، والتي يقال إنها هاجرت من اليمن غداة انهيار سد مأرب، واستقرت هذه المجموعات بداية في مصر، قبل أن يرحلوا إلى المغرب نتيجة صدامات مع الدولة القائمة آنذاك في مصر.

وهناك طاردها ملوك المغرب والسكان الأصليون وأجبروها على الإقامة في الصحراء. إلا أن بعض المؤرخين يرون أن أصول «الطوارق» تعود إلى المجموعات البربرية التي كانت تسكن تلك المنطقة قبل الإسلام، كما هو شأن مجموعة قبائل صنهاجة والأمازيغ وغيرهم.

ونظرا لطبيعة الحياة التقليدية التي لا تزال سائدة في مجتمع الطوارق، فإن هذه الطبقية لا تزال متحكمة بشكل كبير في تركيبة المجتمع الطوارقي، ولا سبيل إلى تجاوزها أو كسرها حتى الآن، فالحياة الصحراوية جعلتهم بمنأى عن غزو العولمة الحديثة وتأثيراتها، وما تقتضيه من تأثر بالحضارة المعاصرة، ودعوات المساواة وتجاوز الطبقية واحترام حقوق الإنسان.

كما أنهم مجتمع قبلي عاش في القرون الماضية حروبا داخلية بين قبائلهم، وحروبا أخرى مع أعداء خارجيين، أفنت بعض قبائلهم عن بكرة أبيها، وتعرضت قبائل أخرى لخطر الفناء، ما دفع البقية إلى التحالف في كيانات وتحالفات حسب مناطق وجودهم.

فبالنسبة للطوارق في الجزائر وليبيا، فإن أغلبيتهم تنتمي إلى قبائل «كل هنغار» وكل أجروكل آرغين، وتعني كلمة «كل» في لغتهم «بنو فلان»، أو «آل فلان»، وفي النيجر توجد قبيلة «كل آيير»، ويسمى باسمها الإقليم الذي يوجدون به، وقبائل أخرى منها «كل دنيك»، و«كل أترام»، و«كل آدرار»،

وفي مالي توجد قبائل «كل انتصر»، ويقولون إن أصولهم تعود إلى الأنصار في المدينة المنورة، و«كل تدمكت»، و«كل آدغاغ»، و«كل السوق»، و«كل غزاف». ونظرا لتشتتهم بين الدول لا توجد إحصائيات دقيقة عن أعدادهم الحقيقية وإن كانت بعض الإحصائيات تمضي إلى تقديرهم بما يتراوح بين 5,3 و4 ملايين نسمة يعيش ثلاثة أرباع منهم في شمال مالي وجمهورية النيجر، ويتوزع الباقون بين ليبيا والجزائر، وأعداد قليلة في موريتانيا.

ويتكلم معظم الطوارق لهجة «تمشاق» التي يكتبونها بحروف يسمونها «تيفيقان»، وينقسمون إلى قبائل وطبقات لا تزال تتمايز بشكل علني ورسمي، وقد تأثر الطوارق في تقسيمهم الطبقي بالمجتمعات العربية المحيطة بهم في الصحراء، حيث اعتمدوا التوزيع الطبقي على أساس وظيفي، وفقا لتسلسل هرمي يبدأ بالأسياد ويسمون «إيماجغن»

وهم أهل الشوكة والسلاح والمتكفلون بحماية بقية المجموعات، ويليهم «إينسلمين»، وهي الطبقة التي يعتني أفرادها بالتعلم والتدين، ويليهم «إيمغاد»، وهم أهل الثروة والحيوان، الذين يدفعون المغارم للأسياد، ويعيشون تحت حمايتهم، ثم تأتي طبقة الصناع التقليديين وتسمى«إينادن»، ثم تأتي طبقة «بزوس»، وهم الأرقاء السابقون، وفي أسفل الهرم تأتي طبقة «إيكلان» وهم الأرقاء.

ويعتنق الطوارق جميعا الدين الإسلامي، وبالتحديد المذهب المالكي السني، وهم غير متدينين، باستثناء مجموعات «إينسلمين» المتخصصة أصلا ضمن التقسيم الطبقي الاجتماعي في طلب العلم ومعرفة شؤون الدين.

ويصنف أغلب الباحثين الاجتماعيين الطوارق ضمن المجتمعات الأمومية، ولذلك أسباب تعود في معظمها إلى جذور قديمة، حين كانت المجتمعات البربرية في تلك المنطقة وثنية قبل الإسلام، وكان الأبناء فيها ينتسبون لأمهم وأخوالهم، والرجل يهاجر مع أهل زوجته ويقيم معهم في مضاربهم،

واستمر ذلك الحضور القوي لنفوذ الأم في مجتمع الطوارق بعد الإسلام، وقد فرضت طبيعة المجتمع الأمومي للمرأة الطوارقية مكانة تفوق مكانة الرجل، وأتاح لها المجتمع فرصة التعلم أكثر من الرجل، لذلك أصبح معروفا أن نساء الطوارق أكثر ثقافة من رجالهم.

كما يعطي المجتمع الطوارقي المرأة الحق في اختيار زوجها ويكون في الغالب من أبناء العمومة، وتفتخر المرأة في الطوارق بطلاقها، وتسمى المطلقة في لغتهم «أحسيس»، أي المتحررة، في إشارة إلى أنها تحررت من كل التزام، وكلما كانت المرأة أكثر زواجا وإنجابا وطلاقا، كان ذلك مفخرة لها ولأسرتها، ومرد التباهي بكثرة الطلاق ولإنجاب بين نساء الطوارق هو أن النساء يفتخرن بما ينجبنه للقبيلة من رجال محاربين.

وبخلاف الرجال الذين يفرض عليهم اللثام، فإن نساء «الطوارق» يكن سافرات، حاسرات عن رؤوسهن كاشفات عن زينتهن، التي تتألف عادة من قلائد وعقود. وللطوارق عادات تميزهم عن باقي المجتمعات الأخرى، ومن أشهرها اللثام، حيث يفرض المجتمع على الرجل فيهم أن يبقى طيلة حياته منقبا بلثام لا يرى منه سوى عينيه، ويرتدي الرجل اللثام عند بلوغه ثمانية عشر عاما،

ويبقى مرافقا له طيلة حياته، وإذا ما سقط لثام أحدهم أو انكشف عن جزء ولو قليلا من وجهه، فإنها تكون فضيحة كبرى، ويقولون إن الرجل خير له أن تكشف عورته أمام الملأ، من أن يكشف عن وجهه، وحتى أثناء تناول الرجل للطعام لا يسمح له بالكشف عن فمه،

بل عليه أن يدخل يده تحت اللثام حتى يأكل، وكذلك أثناء الوضوء أو التيمم أو الاغتسال، وإلا فإنه مطالب بأن يكون في مكان مستتر لا يراه فيه أحد، بل وحتى أثناء النوم يجب أن يبقى اللثام على الوجه.

طرابلس ـ سعيد فرحات